نقاط على الحروف

حجر بري وبركة الرئاسة الراكدة

ناصر قنديل

تحت عنوان «خيّطوا بغير هالمسلة»، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري المراهنين على انتزاع المبادرة الرئاسية التي يُمسك بها بموجب صلاحياته الدستورية من بين يديه عبر التهويل بالعقوبات الأميركية، ملقماً حجراً للوشاة الذين يتخيّلون ويتوهّمون ويبنون قصوراً في الأحلام، ليعود بعد حسم هذا الجزء الخاص بإقفال حساب جانبي الى الحساب الرئاسي الرئيسي، ومضمونه إطلاق مبادرة محددة تسعى لإنتاج رئيس في أيلول، وتستثمر على ما تبقى من هيكل عظمي للمبادرة الفرنسية، يتمثل بعودة أخيرة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان دون مضمون محدّد لمهمته، سوى فكرة حوار في مجلس النواب لأيام محدودة وعنوان محدد هو الرئاسة، فيزوّجها بري لمبادرته عارضاً ضمناً على لودريان أن يربح فرصة نجاح بدل الفشل المحتم، بإعلان استعداده إذا قبل الحوار المحدّد بمهلة سبعة أيام في مجلس النواب، للقبول بعقد جلسات انتخاب متتابعة حتى انتخاب رئيس، كما يطلب الخصوم الذين رفضوا دعوة لودريان وسبق أن رفضوا دعوات بري السابقة للحوار.
عملياً يوجه بري حجراً واحداً نحو عدة عصافير، فهو يظهر لفرنسا أنه وضع في خدمة إنجاح مهمة مبعوثها الرئاسي ولإنقاذ مبادرتها من الفشل المحتم، تنازلاً يفترض أن المطالبين به لن يفرطوا بفرصة الحصول عليه، حتى لو كان الثمن حواراً لسبعة أيام يستطيعون أن لا يقبلوا فيها ما لا يرضيهم، ويحتفظوا بالنتيجة التي طالما حلموا بها وفقاً لمنطقهم، وهي الدعوة لجلسات انتخاب متتابعة حتى يُنتخب رئيس. واذا كان العصفور الأول فرنسياً فالعصفور الثاني أميركيّ، فهذه المبادرة لأيلول تسرّع الاستحقاقات، فإن كان لدى الأميركي مرشح كما يقال، وأنه قائد الجيش كما يقال أيضاً، فهذا يعني أن الأميركي يجب ان يفعل أمرين، الأول أن يتجنّد لتسهيل قبول مبادرة بري، لأن ترشيح قائد الجيش يحتاج إلى الحوار قبل جلسات الانتخاب، سواء لجهة مبدأ تعديل الدستور أو تجميع الأغلبية اللازمة لانتخابه، والثاني تسريع تنظيم صفوف الكتل النيابية المحسوبة قريبة من الأميركيين والتي تصطفّ وراء خيارات رئاسية أخرى. وهنا يأتي دور العصفور الثالث وهو محليّ بثلاثة أجنحة.
الجناح الأول هو الكتلتان الكبيرتان المؤيدتان للحوار من خارج الاصطفافات الرئاسية الصلبة، كتلة اللقاء الديمقراطي وكتلة الاعتدال الوطني، للانضمام النشط الى المبادرة، وبدء التفكير الجدي بالخيارات الرئاسية في قلبها، وصولاً الى جلسات الانتخاب، حيث تتراجع المجالات الرمادية، ويرجّح أن يبقى في التداول ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية وصيغة ضبابية عن ترشيح قائد الجيش. وهنا دعوة لهاتين الكتلتين اللتين تحرصان على أولوية إنهاء الفراغ الرئاسي إلى إحداث نقلة في الموقف تتناسب مع هذا الحرص.
الجناح الثاني هو كتل المواجهة التي تضمّ 31 نائباً، لإظهار حقيقة موقفها، مع تراجع حظوظ السير بمرشح تجمّع له أغلبية تحت شعار التقاطع الذي تسقط فرصه كلما صار الأمر جدياً. فهل سوف تختار الفراغ على فرصة رئاسية جدية لسليمان فرنجية، يمكن أن يسبقها تفاهم مطمئن. وبالتالي تتمترس وراء رفض الحوار رغم تحديده ببند واحد هو الرئاسة ووضع سقف زمنيّ له هو أسبوع، ليس لأن الحوار مرفوض، بل لأن الجلسات الانتخابية المتتابعة تتسبّب بالقلق!
الجناح الثالث هو كتلة التيار الوطني الحر، التي تخوض حواراً مع حزب الله، وتخوض مواجهة سياسية إعلامية لا تهدأ بوجه الرئيس بري سواء تحت عنوان النفط والغاز أو تحت عنوان تشريع الضرورة الذي رفضت المشاركة في آخر جلساته، أو سواهما من العناوين. وهنا تقول مبادرة بري للتيار، إن بري غير معني بأي حوار آخر، وإن بإمكان التيار الاستناد الى حصيلة حواره مع حزب الله بتاريخ الاستحقاق الذي تتحدث عنه المبادرة لأيلول، لاتخاذ قرار رئاسي مناسب سواء من حيث المبدأ برفض المبادرة أو قبولها، أو من حيث التفصيل في مضمون الموقف من الحوار ومن التصويت في جلسات الانتخاب المتتابعة!
استجمع بري حنكته ومهاراته ورمى حجراً في بئر الركود الرئاسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى