أولى

الانقلاب الأفريقي الرابع في الغابون

‭}‬ د. جمال زهران*
لم تمضِ أسابيع محدودة على انقلاب النيجر، ولم يستقرّ بعد، وإنْ كان في طريقه إلى ذلك، إلا وحدث انقلاب جديد في الغابون، تلك الدولة التي تقع في الجنوب الغربي الأوسط، بالقارة الأفريقية وهي الدولة التي تقع تحديداً، على حدود الكونغو والكاميرون وغينيا الاستوائية، ولا يفصلها عن النيجر سوى نيجيريا والكاميرون، ومن ثم فإنّ موقعها استراتيجي للغاية، وهي تطلّ على المحيط الأطلنطي من ناحية الغرب، بل هي في قلب التفاعلات السياسية في القاهرة الأفريقية. ونحن إذن أمام انقلاب خطير في القارة، ومن الممكن أن يكون بداية لسلسلة من الانقلابات العسكرية في الأسابيع والأشهر المقبلة، كما تصوّرنا وتوقعنا في مقالنا التحليلي عن انقلاب النيجر، فور حدوثه في هذا المكان.
فما الذي حدث في الغابون، حتى تحدث مثل هذه التداعيات؟
البيئة الداخلية للانقلاب: فقد أجريت انتخابات رئاسية في الغابون، وترشح الرئيس الموجود في السلطة لمدتين سابقتين، لمدة ثالثة، وهو: علي بونغو، والذي يتولى الرئاسة منذ عام 2009، ولمدتين متتاليتين، كل مدة (7) سنوات، بإجمالي (14) سنة!! وترشح طالباً مدة ثالثة، وفاز في الانتخابات بنسبة تتجاوز الـ 65%، في مسرحية هزلية كما تجري الانتخابات في القارة الأفريقية وغيرها، حيث تفتقد إلى أبسط أنواع النزاهة والشفافية، بل تشهد تزويراً عمدياً وتغييباً للإرادة الشعبية، الأمر الذي دفع بالحرس الجمهوري التابع له مباشرة للانقلاب عليه، عقب الإعلان عن فوزه المزيف بفترة رئاسية ثالثة، ليحولوا بينه وبين ممارسة السلطة مرة أخرى، واستجاب الحرس الجمهوري، للغضب الشعبي، ورفض جميع قوى المعارضة، ورفض استمراره في السلطة. وأعلن قادة الانقلاب، إلغاء جميع الانتخابات والمؤسسات (برلمان) وغيرها، وتكوين مجلس رئاسي لإدارة شؤون البلاد بقيادة قائد الحرس الجمهوري، واتخذوا الإجراءات المعتادة في الانقلابات من غلق الحدود وغلق المطار إلخ… وإلقاء القبض على المسؤولين، ولا يزال الانقلاب في بدايته والموقف لم يتضح بعد، ولا الاتجاهات، مثلما حدث في النيجر، الذي كان معادياً لفرنسا من لحظة البداية.
كما أنّ الرئيس المقبوض عليه والمعزول، بعد 14 سنة في الحكم، كان قد أجرى تعديلاً دستورياً قبل الانتخابات لتصير مدة رئيس الجمهورية (5) سنوات بدلاً من (7) سنوات! ومن الممكن أن يقول قائل: «اصبروا عليه (5) سنوات، إما أن يموت أو يتراجع عن الترشح لمدة رئاسية في الداخل بقيادة علي بونغو، أو استعمار الخارج المتمثل في فرنسا المجرمة! وهو الذي تولى حكم البلاد خلفاً لأبيه (عمر بونغو)، الذي حكم الغابون، لمدة (42) سنة، من عام (1967 -2009). وقد كانت أسرته، الأب وأولاده، يعيشون في بذخ شديد، وكانوا أغنى أسرة في دولة الغابون، وأفقروا الشعب ليعيشوا على ذلك الإفقار، وقد وصلت نسبة الفقراء ومحدودي الدخل إلى 35% تقريباً، من حجم سكان الدولة، البالغ فقط 2.4 مليون نسمة، رغم الغنى الواسع للدولة وامتلاكها موارد واسعة من الذهب والبترول واليورانيوم، والمعادن النفيسة وغيرها، والتي كانت تستولي عليها فرنسا الاستعمارية من خلال دعمها لحكام مستبدّين وطغاة، بينما تتشدّق فرنسا وأوروبا وأميركا بالتمسك بالشرعية!
أي شرعية تلك التي تنصّب الحكام العملاء لصالح الاستعمار؟! أي شرعية تلك التي تترك موارد البلاد نهباً للاستعمار البغيض؟! وأي شرعية… تلك التي تأتي عبر صناديق مزيفة، وإرادة شعبية مزيفة، وخدم للسلطان وعبيد له، يساعدونه على الطغيان والديكتاتورية؟!
لقد كانت الغابون تمتلك فرصة لأن تصبح الدولة النموذجية في التنمية ورفاهية المواطن فيها، حيث مواردها ضخمة، وعدد سكانها محدود، وكانت في شوق لحكم عادل، وليس لحكم ديكتاتوري يحكم بالحديد والنار، ويركض على أنفاس الشعب من 1967 وحتى الآن، بحكم الوالد ونجله!
لكن الواقع البائس، في هذه الدولة وغيرها، يشهد حكاماً فاسدين، طغاة، ويحكمون بلا إرادة شعبية حقيقية، ولذلك فإنّ دعم الانقلاب والثورة عليهم، هي الحلّ للتخلص من هؤلاء الحكام، وإسقاطهم ومحاكمتهم محاكمة حقيقية، وليست محاكمات صورية، مثلما حدث في دول أفريقية للأسف! ليتمتع أولادهم وأحفادهم، بما سرقوه ونهبوه من أموال الشعب!
إذن فإنّ البيئة الداخلية كانت حبلى بالغضب، والشعب في انتظار من يخلصه من الطغمة الحاكمة والفاسدة، وهو ما جرى في الغابون.
أما عن التداعيات فإنّ المنتظر في ضوء ما حدث من انقلابات عسكرية خلال السنوات الثلاث: مالي (2021)، بوركينا فاسو (2022)، والنيجر (يوليو/ تموز 2023)، والغابون (أغسطس/ آب 2023)، أن تتكرّر في دول أخرى عديدة تشهد ظاهرة حكم أبناء الطغاة، والفساد، والاستبداد، والديكتاتورية، ومن هذه الدول المرشحة لذلك: نيجيريا، وتوغو، والكاميرون، والدول المحيطة بحزام دول الساحل التي شهدت الانقلابات العسكرية.
فلقد حدث أن رئيس الكاميرون كان في زيارة لفرنسا، بمناسبة الذكرى الأربعين لتوليه الحكم، خلال الأيام الماضية، وتعرّض والوزراء المرافقون، لاعتداء من أبناء دولته عليهم، وتمكن من الهرب، بينما سقط أحد وزرائه صريعاً!
لقد آن أوان رحيل الطغاة المستبدّين الفاسدين، عن الحكم من كلّ أفريقيا، ولعلها الموجة الجديدة من الاستقلال الحقيقي، بعد مرحلة الاستقلال المزيف، عن الاستعمار الأوروبي والأميركي، وإنهاء وجوده في بلدان أفريقيا الغنية، وإلغاء العقود الباطلة والاتفاقيات المجحفة بحقوق الأفارقة.
وختاماً، إنّ فرص نجاح انقلاب الغابون كبيرة، مثل الانقلاب العسكري في النيجر، ولنتفاءل باستمرار هذه الظاهرة، شريطة أن تكون انقلابات لا تستهدف السلطة في ذاتها، بل لاعتبارها مقدمة للاستقلال والعدالة الاجتماعية والانحياز للشعب، وإعمال قواعد التداول السلمي للديموقراطية.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى