نقاط على الحروف

بداية البداية في اليمن وبداية النهاية في اليمن

ناصر قنديل

منذ سنتين على الأقل عندما بدأت مؤشرات تغيّر في التموضع السعودي، تحت تأثير الإحجام الأميركي عن تنفيذ تعهدات تقديم الحماية بوجه استهداف منشأة أرامكو الاستراتيجية عام 2019، وتيقن القيادة السعودية من القرار الأميركي القاطع بتفادي أي مواجهة مع إيران، وعدم الانخراط في منازلة مباشرة مع قوى المقاومة في المنطقة، سواء في اليمن أو لبنان أو سورية أو العراق، وسعيها الى وضع قواعد اشتباك مع قوى المقاومة تضمن عدم الانزلاق إلى هذه المواجهة، والسؤال دائم عن روزنامة التسويات المتاحة في المنطقة، ونحن نقول إن نقطة الانطلاق سوف تكون تموضعاً سعودياً في قلب المثلث الروسي الصيني الأميركي، على قاعدة الفصل بين الملفات وقانون المصلحة. وفي مناسبات عديدة قلنا إن المصلحة السعودية النفطية مع روسيا والمصلحة السعودية التجارية مع الصين، والمصلحة السعودية الاستراتيجية مع إيران، والمصلحة السعودية السياسية مع سورية، لكن المصلحة السعودية الأمنية مع اليمن.
تأسيساً على هذه الرؤية كان من الطبيعي أن نتوقع أن يتقدّم تطبيع العلاقة السعودية الإيرانية، والسعودية السورية، على أي تسويات إقليمية، سواء في لبنان أو سورية أو العراق أو اليمن، لكن عندما تبدأ التسويات فإن البداية سوف تكون يمنية. وقبل أن يوضع اليمن على سكة التسوية لا يمكن الحديث عن تقدم في المسار السعودي السوري، أو السعودي اللبناني، ولذلك بالرغم من خروج السعودية من القطيعة مع سورية وقيادتها للمناخ العربي نحو الانفتاح على دمشق، وبالرغم من التراجع السعودي عن الفيتو على ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، لم تتقدّم السعودية نحو خيار الانفراج في سورية أو في لبنان، ووقفت عند حدود عدم الانخراط العدائي بوجه خيارات سورية والمقاومة في لبنان، وبقيت العيون على المشهد اليمني، حيث تتقدم السعودية خطوة إلى الأمام ثم تأتي الضغوط الأميركية فتتراجع خطوتين إلى الوراء، ومضت سنة ونصف على أول هدنة حقيقية في اليمن، تمددت مراراً باتفاق ودون اتفاق، لكن التسوية لم تتقدم، وصولاً الى الانذار الذي وجهته قيادة أنصار الله بوضوح حاسم، أنه ما لم يتم فك الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة ويبدأ سحب القوات الأجنبية، وفي طليعتها القوات العسودية والاماراتية، فإن اليمن سيعود الى القتال، ولن يكون أي موقع اقتصادي او عسكري او سياسي بمنأى عن النار اليمنية، سواء داخل السعودية والإمارات، أو في الممرات البحرية الاستراتجية، وصولاً لإقفال هذه الممرات، بما فهيا البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
خلال الأسبوعين الماضيين تقدّم التمثيل الدبلوماسي بين السعودية وإيران بخطوة هامة هي تبادل السفراء، الذين يشكلون رؤوس جسور تبادل الرسائل وتنظيم التعاون في الملفات، ولم يعد خافياً أن مسقط كانت على الخط أيضاً، وأن الوضع في اليمن كان على رأس جدول الأعمال. وخلال الأيام القليلة الماضية كانت المشاورات على كل صعيد، إضافة للمسار السعودي الإيراني، لكن الأرجح ان الموقف الأميركي كان هو ما يهم السعودية، بعد تعطيل أميركي لشهور لمسار التسوية، وبالأمس شهد المسار اليمني تحوّلاً مهما، هو الإعلان السعودي عن استقبال رسمي علني لوفد من أنصار الله ضمن مباحثات سعودية يمنية مباشرة، وليلاً صدر الموقف الأميركي من أعلى مرجعية أمنية، هي مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، الذي قال «إنّ حكومة بلاده ترحّب «بوصول وفد حوثي (حركة أنصار الله اليمنية) رفيع إلى الرياض، في أول زيارة رسمية منذ بدء الحرب في اليمن». وأعرب عن «فخر بلاده بالدعم الدبلوماسي لجهود السلام بالتنسيق مع الجهات اليمنية والأمم المتحدة».
بداية البداية كانت يمنية، وبداية النهاية يمنية أيضاً، ولعل هذا يفسّر انتقال السعودية في لبنان من التحفظ والابتعاد عن الانخراط في مساعي التفاوض السياسي، إلى إشهار العودة العلنية للحضور واستعادة الدور، تمهيداً لمرحلة ما بعد اليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى