أولى

نتائج استراتيجية باهرة للقمة السورية ـ الصينية ماذا تنتظر حكومة لبنان…؟

‭}‬ أحمد بهجة*
لا شكّ أنّ زيارة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد إلى الصين تشكل محطة مفصلية، في هذا الظرف بالذات، وقد أنتجت اجتماعات القمة بينه وبين الرئيس الصيني شي جين بينغ قرارات واتفاقات مهمة جداً، وضعها الجانبان في خانة الشراكة الاستراتيجية، وهي صفة عالية المستوى لها الكثير من الأبعاد والدلالات على مختلف المستويات.
فـ حين تقول دولة عظمى مثل الصين أنّ الاتفاقات الموقعة مع سورية لها الصفة الاستراتيجية، فإنّ هذا يعني بصريح العبارة أنّه ممنوع على أيّ أحد أياً كان أن يحاول الخربطة أو العرقلة، خاصة أنّ الرئيس الصيني تقصّد أن يُذكّر بالدور الهامّ جداً الذي قامت به سورية في الوقوف إلى جانب الصين في نضالها لنيل حقوقها، كما أقام البلدان العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ 67 عاماً.
كذلك فإنّ سورية كانت من بين الدول التي تقدّمت بطلب حصول الصين على مقعدها في الأمم المتحدة لتصبح بعد ذلك واحدة من الدول الخمس العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
وعليه… إعطاء الصفة الاستراتيجية للشراكة المتجدّدة بين الصين وسورية، والاتفاقات العديدة الموقعة بين الوفدين السوري والصيني، تعطي الزخم الكبير المطلوب لبدء خروج سورية من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها، خاصة إذا تمّ إطلاق وتفعيل المشاريع الاستثمارية الكبرى في إطار مشاركة سورية في مبادرة الحزام والطريق.
وهنا يمكن القول إنّ الشركات والمصارف الصينية الكبرى تلقت الإشارة التي تحتاج إليها، بمجرد أن يُعلن الرئيس الصيني أنّ الشراكة مع سورية استراتيجية، وهذا من شأنه أن يوفر المظلة المطلوبة للانطلاق في تنفيذ مئات المشاريع التي كانت تنتظر مثل هذا القرار.
ولا يقتصر الأمر على العلاقات الثنائية بين الجانبين السوري والصيني، بل هناك بلا شكّ تأثيرات كبيرة لهذه الشراكة الاسترتيجية المتجدّدة، على عموم المنطقة، حيث نشهد بأمّ العين كيف أنّ المارد الصيني خرج من الفانوس السحري وانتقل من كونه عملاقاً اقتصادياً إلى لعب دور العملاق السياسي أيضاً، وليس أدلّ على ذلك من رعاية الصين للاتفاق الإيراني ـ السعودي، وما لهذا الاتفاق من تأثير على أدوار دول عظمى في المنطقة، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي حاولت في البداية أن تحصر الاتفاق في ما بين الجانبين السعودي والإيراني، والحدّ من تأثيراته على الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة، لا سيما في سورية ولبنان والعراق… حيث تريد الولايات المتحدة أن تبقي لنفسها القدرة على الإمساك بهذه الساحات وإبقائها رهينة الحصار والعقوبات والاحتلال، خاصة أنّ الأمر هنا يتعلق أيضاً بالواقع المأزوم في الكيان الاسرائيلي.
وفي إطار محاولات الولايات المتحدة الحدّ من الدور الصيني المتصاعد في المنطقة، رأينا ما حصل في قمة العشرين في نيودلهي قبل عشرة أيام تقريباً، حيث جرى الإعلان بشكل متسرّع عن الممر التجاري بين الهند والشرق الاوسط وأوروبا… وهو مشروع أقرب إلى الوهم منه إلى الحقيقة، بينما الحقيقة الواضحة المجسّدة على أرض الواقع فهي مبادرة الحزام والطريق التي بدأت الصين تخطط لها منذ العام 2004، وترجمت في إطارها الكثير من الإنجازات والخطوات المتقدّمة.
وهذا ما سوف تستفيد منه سورية بشكل كبير جداً كونها نقطة الارتكاز وعقدة الوصل التاريخية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا… والمعروف أنّ الأوضاع الاقتصادية في سورية وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التأزّم، وذلك نتيجة العقوبات والحصار المتمثل بما يسمّى «قانون قيصر»، فضلاً عن الاحتلال الأميركي للمناطق السورية الغنية بالموارد، لا سيما البترول الذي تتمّ سرقته جهاراً نهاراً من قبل القوات الأميركية، ما يحرم الدولة السورية من موارد مالية هي بأمسّ الحاجة إليها لكي تقوم بما هو مطلوب منها تجاه مواطنيها، سواء الذين ما زالوا صامدين في سورية أو الذين أجبرتهم ظروف معينة على النزوح إلى الدول المجاورة لا سيما إلى لبنان حيث يجري الحديث عن وصول عدد النازحين إلى نحو 2.5 مليون نازح.
ولا شكّ أنّ دخول الصين بهذه القوة على خط مساعدة الاقتصاد السوري لاستعادة عافيته تدريجياً من شأنه أن يعطي إشارات هامة جداً على بدء الحلحلة في كلّ المجالات ومنها زيادة قدرة الدولة السورية على استعادة مواطنيها الذين نزحوا بفعل عوامل عديدة أهمّها العامل الاقتصادي.
وعلى الجانب اللبناني أيضاً ألقت مسألة النازحين أعباء كبيرة جداً على الاقتصاد اللبناني، وقد عبّر عن ضخامة هذا الأمر حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري الذي اعتبر أنّ حجم ما تكبَّده الاقتصاد اللبناني من جراء ملف النازحين يعادل حجم الفجوة المالية التي أدّت إلى هذا الانهيار الكبير في الاقتصاد بشكل عام شمل كلّ القطاعات دون استثناء.
ورغم أنّ أعباء ملفّ النزوح كبيرة جداً على لبنان، ورغم أنّ الفجوة المالية ضخمة جداً على اقتصاد صغير كالاقتصاد اللبناني، إلا أنّ المعالجة لا تبدو مستحيلة، شرط أن يكون لدينا سلطة شجاعة قادرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في الأوقات المناسبة.
ويعرف الجميع أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان ليست جديدة، بل هي متراكمة ومزمنة وعمرها على الأقلّ ثلاثة عقود، لكن كان يتمّ التستر عليها من خلال اعتماد سياسات مالية ونقدية ملتوية، أحياناً بتثبيت مكلف جداً لسعر صرف الدولار، وأحياناً بمؤتمرات خارجية تستقطب بعض الأموال لتذهب هدراً هنا ودعماً هناك وصفقات هنالك… إلى أن حصل الانفجار في 17 تشرين الأول 2019 والذي جرى حرفه عن مساره المطلبي بعد أيام قليلة ليتحوّل إلى مطية سياسية لجهات معروفة شغلها الشاغل أن تستهدف مكامن قوة لبنان، لا سيما المقاومة، وذلك في إطار مشاريع إقليمية ودولية تصبّ بالنهاية في خدمة العدو الصهيوني.
لذلك نريد سلطة شجاعة تواجه هذه المشاريع، وتضع لبنان على سكة الحلول الصحيحة، بحيث لا ينقصنا أيّ شيء حتى نفعل مع الصين ما فعلته سورية، خاصة أنّ الموقع الاستراتيجي للبنان وسورية واحد، ومن السهل جداً التكامل والتعاون في كلّ الملفات والمجالات المشتركة بين البلدين، الخدمات والصناعة والسياحة والزراعة… وهذه الأخيرة كان لها حيّز هام جداً في الاتفاقات السورية ـ الصينية ويمكن للبنان أن يستفيد من هذا الأمر إذا استطاع بعض المسؤولين عندنا تجاوز الخوف على مصالحهم وبطاقاتهم المصرفية في الخارج…
وها نحن نراقب بارتياح ما يقوم به حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري، على عكس ما كان يحصل مع الحاكم السابق، حيث يُصرّ منصوري بشكل قاطع على تطبيق قانون النقد والتسليف بحذافيره، ويرفض بشدة المسّ بالاحتياطات المالية بالعملات الأجنبية المتبقية لدى مصرف لبنان، وبالتالي لا تمويل للحكومة من هذه الاحتياطات، بل على الحكومة ووزاراتها ومؤسّساتها القيام بواجباتها في الجباية، حتى ولو بالليرة اللبنانية، إذ انّ أيّ رصيد يتجمّع بالليرة يمكن الاستفادة منه وتحويله بطريقة مدروسة إلى عملات أجنبية من دون أن يتأثر سوق القطع،
وهناك أمثلة ممتازة على صعيد الجباية، وأبرزها ما استطاع فعله وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية الذي جعل مداخيل المطار والمرافئ أضعافاً مضاعفة بحيث أصبحت وزارته مصدراً أساسياً لتمويل الخزينة العامة، (وبالعملات الأجنبية)، وهو ما يجب أن يحصل في كلّ المؤسسات العامة والدوائر الرسمية التي لا يجوز على الإطلاق أن تبقى مقفلة، بحيث تخسر الخزينة العامة مداخيل هي بأمسّ الحاجة إليها، وكذلك يتمّ تسيير أمور الناس المعطلة في الدوائر العقارية والميكانيك وغيرها…
*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى