أولى

المقاومة هي الأقوى برغم فارق الإمكانيات

‭}‬ سعادة مصطفى أرشيد*
في بداية حرب تشرين الثانية طوفان الأقصى أعلن بنيامين نتنياهو أنه بصدد إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط وتشكيله من جديد، بالطبع وفقاً للرؤية «الإسرائيلية». وإذا كان هذا هو الهدف الاستراتيجي المعلن فإنّ الطريق إليه تستلزم القضاء نهائياً على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية. وقد اتضح انّ شكل التغيير الذي يفكر به العقل الجمعي «الإسرائيلي»، لا نتنياهو فقط، هو في الهندسة الديموغرافية سواء ما كان يتحدث عنه «الإسرائيلي» من القنبلة السكانية في كامل فلسطين المحتلة، او في الشكل الجديد وهو إخلاء قطاع غزة من سكانه وتهجيرهم إلى سيناء، حيث تنصَب لهم الخيام وفي مناطق تفصلها عن قطاع غزة منطقة عازلة، الأمر الذي يتطلب موافقة مصر على ذلك.
كان موعد السابع من تشرين الأول الماضي مناسبة مستعجلة تحمل صفة الاستعجال لإخراج المشروع من الأدراج، ولكن بشكل انفعالي يتطلب اللجوء الى مقادير هائلة من العنف والقتل والتدمير. وهو ما لم تعد شعوب العالم التي تتابع ما يجري في غزة عبر شاشات الفضائيات تستطيع احتماله، ومما أدّى الى قيام دول عديدة (من غير عالمنا العربي) بسحب سفرائها من تل أبيب احتجاجاً ورفضاً للجرائم المرتكبة، فيما يتلعثم مسؤولو الدول الغربية المؤيدة لـ (إسرائيل)، وأوّلهم وزير الخارجية الأميركي في مؤتمراته الصحافية، حين تجري مقاطعته من قبل طفلة مرة وعجوز مرة أخرى تتهمان السياسة الأميركية بالاشتراك في الجريمة وبالمسؤولية عنها.
يوم الاثنين الماضي عاد نتنياهو وأعلن أنّ هذه الحرب هي حرب الاستقلال الثانية لدولة «إسرائيل» وانّ الدفاع عن الدولة له الأولوية على الاهتمام بالرأي العام العالمي وبالقانون الدولي وبما يحصل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة والذي يعني في الزاوية الأخرى من المشهد أنّ هذه الحرب هي النكبة الثانية للشعب الفلسطيني.
اعتمد «الإسرائيلي» أسلوب كوسوفو في حرب البلقان والفلوجة في العراق في الحرب، وذلك بالقصف المدمّر للمناطق المستهدفة، دون إيلاء مسألة سلامة المدنيين أيّ اهتمام. فالقتل جماعي يصل الى حدّ الإبادة، ليقوم بعد ذلك بالاجتياح برياً على أرض محروقة وأطلال مدمّرة، لذلك تمّ تركيز القصف بشكل متدرّج من الشمال بحيث يدفع مجاميع السكان للهرب نحو الجنوب، ثم لتجميعهم هناك تمهيداً لإلقائهم في الصحراء بعد أن تنعدم إمكانيات البقاء إذ يحرمهم من الماء والخبز لا الكهرباء والدواء والمأوى فقط.
دخلت الحرب منذ أيام في مرحلة جديدة تمثلت بالهجوم البري من عدة محاور على مناطق دمّرها القصف الوحشي المتواصل طيلة أسابيع بالكامل، لتشتبك مباشرة مع المقاومة على مدى كلّ تلك المحاور في كرّ وفرّ ضمن ميزان يميل من ناحية القوة العسكرية والعدد والعتاد لصالح الاحتلال وما يتردّد عن مشاركة قوات أميركية إنْ في العمليات القتالية او في الدعم المعلوماتي وتقديم الخبرات، ولكنه يميل من ناحية الإصرار والثبات للمقاومة التي تنزل بالعدو خسائر لم يعتد عليها في معظم حروبه السابقة، وبرغم التعتيم الذي تفرضه الرقابة العسكرية على أخبار المعارك، إلا أنها بدأت تتسرّب وأصبح الجيش «الإسرائيلي» يعترف بأعداد قتلاه، فيما إعلام المقاومة وناطقها أبو عبيدة يستنسخ تجربة المقاومة اللبنانية بالمصارحة وإثبات مصداقية ما يعلنه.
استنفدت الأيام الطويلة الماضية منذ السابع من هذا الشهر، والتي كان يكتفي بها بعض من لدينا ببيانات الإدانة والاستنكار والشجب ثم انتقالاً الى التزام الحياد والتعامل مع المقاومة والعدوان على أنهما متساويان في المسؤولية لديهم متدثرين زوراً بجلباب الحكمة والتعقل لا الجبن والهوان القومي والالتزام بخيار البقاء السياسي ولو على حساب الوطن وآلامه والأمن القومي، ولكن في النهاية لا بدّ من الانكشاف والإعلان الحاسم والنهائي للقوى الموجودة في الشرق أو تلك الرئيسية في العالم لتنضوي داخل أحد فسطاطين، إما الفسطاط الغربي الأميركي الإسرائيلي ومعه عرب الاعتدال (الاعتلال)، وإما مشروع المقاومة، وهما مشروعان لا يلتقيان والعلاقة بينهما هي علاقه الدم والنار والحديد.
أي نفوس مهزومة تسكن في جسوم هؤلاء، مصر التي يُفترض بها أن ترى في قطاع غزة مسألة أمن قومي مصري، تغلق معبر رفح أمام شاحنات الإغاثة ولا تدخلها الا بالتقسيط الذي لا يكاد يفي بحاجات 1% من سكان قطاع غزة، وتقبل يوم أمس الأربعاء استقبال بضع و80 جريحاً فلسطينياً من بين عشرات آلاف الجرحى، وذلك بعد أن اشترطت «إسرائيل» تزويدها بأسمائهم لتوافق عليهم، فأي مهانة هذه!
وإذا كان الفسطاط المعادي يرفض وقف إطلاق النار ويدفع باتجاه استمرار الحرب ويغطي على جرائم الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي كما حصل أمس وأول أمس في رفح، فإنّ فسطاط المقاومة وجناحه في غزة لا يزال قادراً على المقاومة والنزال وينتظر الأخبار من لبنان يوم غد الجمعة.
الوضع العسكري للمقاومة لا يثير القلق، وإنما يبعث على الاحترام والإعجاب، لكن القلق يأتي من مسارات السياسة وخاصة بعدما اتضح هدف زيارة بلينكن الثالثة إلى المنطقة أثناء الحرب، والذي يدّعي أنه قادم لبحث مصير غزة بعد القضاء على المقاومة، وهذا ما يتطلب حراكاً شعبياً وسياسياً خاصة في الدول التي سيزورها الوزير الأميركي…
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى