أولىمقالات وآراء

«الميادين»… انتصار الصورة على «السيف» الصهيوني

‭}‬

نظام مارديني

لِمَ تخشى «إسرائيل» انتصار الصورة في غزة إلى هذه الدرجة؟
سؤال وجيه يطرحه كلّ عاقل وباحث عن الحقائق أمام نفسه، لأنّ الصورة تظلّ تحفر عميقاً في الوجدان أرَدنا أم لم نرد.
جاهل مَن ينكر دور الإعلام في العدوان الأميركي/ الصهيوني الذي يشنّ على غزة والضفة الغربية، إنْ لم نقل إنه من أساسات العدوان على الفلسطينيين من خلال الفبركات والكذب و«شيطنة» المقاومة، والشحن المفرط الذي أجّج التعاطف مع الكيان الصهيوني في بدايات هذا العدوان، كما في تأليب الرأي العام العربي خدمة لهوى دول أجنبية، ولكن سرعان ما تهاوى هذا التعاطف وانقلب سحر حقائق الصورة على خبث ودجل الساحر الصهيوني.
ندرك حقيقة أنّ الإعلام في كثير من الأمكنة لا يمكن بأية حال أن تنعتق يدا حريته وقدماه بشكل مطلق وكامل من ثالوث أثافي المال والعقيدة السياسية وقبضة المصالح، ولكن رغم كلّ ذلك يظلّ بحثنا عن الإعلام المتوازن في حريته حقاً مشروعاً لنا لا ينبغي أن تُقعدنا دونه فرضية الاستسلام لقيود الإعلام المعادي الذي افتقر إلى الحدّ الأدنى من الأخلاق ومن معقولية الطرح ومسؤولية البحث التي لا تحتمل مسايرة، وكانت «الميادين» الضوء الذي امتدّ في أصقاع العالم متجاوزاً المطبات التي وضعت أمام نقل الصورة الحقيقية وبوجوه لا ترتدي الأقنعة الخادعة، بل تعارض ما يسلم به الجمهور الغربي، الواقع تحت وطأة التدفق الهائل والمتزايد لصور الزيف الصهيوني عبر وسائل الإعلام المختلفة، غربية وعربية، والحكمة القديمة تقول «من رأى ليس كمن سمع» إشارة إلى أهمية الصورة ودورها التأثيري الكبير في وجدان الجمهور.
فمنذ بدايات القرن الماضي كانت صورة «العربيّ» مادة تهريجية كاريكاتيرية «بما يستلزمه الكاريكاتير من تضخيم في الملامح». كانت المتعة لا تكتمل إلا حين يحضر العربيّ على هذه الشاكلة حتى غدتْ نمطاً مهيمناً. لكنْ هذه المتعة المنمّطة فعلتْ فعلها وأوصلت رسالتها تامة غير منقوصة إلى أن ركزتْ في نفس الغربيّ صورة العربيّ الجبان الحقود كثير المال والذي يكره الآخر.
نظرة الغربيّ إلى العرب أسّست هكذا، وظلتْ هي النسخة الوحيدة التي يملكها المواطن الغربيّ عن حقيقة العربيّ إلى أن أتت ثورة الاتصالات فصار متاحاً للوجوه أن تتقابل بلمح البرق من دون حاجة إلى وسيط يحرف الحقائق بجمال فائق!
القضايا الكبرى كقضية فلسطين وصلت إلى الغربيّ مشوَّهة، عن طريق الصورة أولاً وبشكل مؤكد عن طريق السينما على يد مخرجين يعرفون صياغة مشهد جميل لكنهم شهود زور في ما يتعلق بالرسائل التي يبثونها.
وإذا قيل يوماً ما بأنّ في كلّ واقعةٍ ثلاثة أمور: روايتك وروايتي والحقيقة. فإنّ قضية فلسطين لم تكن لها رواية عالمية سوى الرواية الغربية التي صيغتْ لتكون بدلاً عن رواية الحقيقة.
***
العالم مصاب بالصدمة مما يحدث اليوم من مجازر في غزة على يد المحتلّ الصهيونيّ المتوحش، لأنه يرى بعضاً من الحقيقة التي تركها حين اكتفى بقصة مكذوبة ولكن سرعان ما تغيّرت روايته وكان لقناة «الميادين» دورٌ أساسيٌ في بث الحقائق ما استدعى اجتماعاً لـ «الكابينت» الصهيوني بهدف استصدار قرار يمنع هذه القناة المقاومة من بث حقيقة الوقائع في فلسطين المحتلة.
كلّ الشاشات المعادية، كلّ الصحف المعادية، كلّ الإذاعات المعادية، كانت تحثّ على دخول الجيش الصهيوني «الاحتفالي» إلى غزة بهدف جعل وهم انتصار العدو حقيقة، في ما كانت «الميادين» المقاومة بمراسليها ومحللينها تقدّم صوراً معاكسة لما يقدّمه الإعلام المعادي، ففي حين كانت صور «الميادين» تنقل وقائع الإجرام الصهيوني ضدّ المدنيين من الفلسطينيين، كانت أيضاً تقدّم صورةً ناصعة وحقيقيةً لبطولات المقاومة وشراستها في مواجهة قوات الاحتلال التي دخلت غزة من محاور متعددة، وقد بات «الصهاينة يحفرون قبورهم بأيديهم عند تقدّمهم إلى كلّ مترٍ في غزّة» بحسب قول مساعد قائد الثورة الإيرانية، العميد محمد رضى نقدي.
يُراد لهذا العدوان الصهيوني/ الأميركي ومن خلال الإعلام المفبرك أن يُعاد تركيبه الآن لتظلّ «تل أبيب» قبلة «الشرق الأوسط» عند المطبّعين معها من العرب، ولكن كيف للجندي الصهيوني الممنوع عليه الخروج من الدبابات في الكثير من المواقع، وقد دعمته قيادته بمجموعة حفاضات للاستعمال داخل الدبابة.. كيف له أن يكون قبلة «الشرق الأوسط»؟
اليوم تنتصر صورة «الميادين» على سيف العدوان الصهيوني الأميركي، وهي تشير إلى أهمية الإعلام المقاوم ودوره ورسالته السامية في بث الحقائق وإيصالها إلى العالم بخاصة العالم العربي. وشكلت «الميادين» نموذجاً حياً ورائداً في خلق هذا التوازن المؤثر في ساحة فلسطين، وسابقاً في ساحات العراق وسورية واليمن ولبنان.. وصولاً إلى البحرين، ومصر وليبيا، رغم التشويش الذي تتعرّض له، عبر ملاحقتها وتشويه رسالتها المقاومة الوطنية…
أهمية «الميادين» انها أخرجت إعلامها من الغرف المقفلة ومن المفاهيم المقفلة، وهي تدرك الآن أنها أمام زمن آخر يحتاج فيه عالمنا العربي إلى إعلام موضوعي يواكب الحدث بكلمة الحقيقة والصورة المباشرة التي تؤكد أنّ الحقيقة هنا هي «وجود ومعرفة».
الإعلام الصهيوني المعادي الضالع في الكوميديا، وفي التراجيديا، لا يزال يهلل للاستيلاء على تلة، أو على قرية، أو على انتصار واهم على المقاومة.. حتى أنّ البعض من العرب ينتظر أن يوزع الحلوى على المارة، وبتلك الفوقية وبتلك الميكيافيلية احتفالاً بتصفية «حماس».. ولكن ماذا يعني حين تسقط هذه الهياكل العظمية التي رأينا صورها في محرقة الإعلام وفي محرقة الخيانة المتواطئة ضدّ كلّ بيت فلسطيني، ضدّ كلّ جدول ماء، ضدّ كلّ حديقة، ضدّ كلّ مصنع ومشفى، ضدّ كلّ جامعة، ضدّ كلّ كائن بشري.. كاد هذا الإعلام أن يفوز ليعلن أنّ فلسطين/ الدولة ذاهبة الى «ليلة العدم»، لولا أنّ «الميادين» وبما ملكته من رصيد أخلاقي ووطني لكان الإعلام المعادي حوّلنا إلى مستودعات للغيب.. كما الى مستودعات للغياب؟
***
لا يمكن رؤية أثر العدوان الكوني القائم على فلسطين إلا من خلال النظر إلى دور الإعلام المعادي وطابوره الخامس في بث الاكاذيب والدعايات، التي اشترك فيها إعلاميون ومثقفون عرب، للإيحاء بانتصارات وهمية على المقاومة في معارك غزة. ومَن تابع بعض الفضائيات يدرك دور الإعلام الأسود المتابع لهذه المواجهة المقدسة التي تخوضها المقاومة ضدّ العدو الصهيوني/ الأميركي..
هنا كلام لـ «إسرائيل»، وكلام لـ «قنوات عدوة» إضافي، كذبة وكذبة إضافية، قنبلة وقنبلة إضافية، كما لو أنّ هذا الإعلام لا يكون إلا وسيلة اتصال بين المستنقع والمستنقع، في حين نرى لعبة الأفكار في الإعلام المقابل على تواضعه تأخذ المنحى الآخر الذي يُعنى بإعادة ترميم القوة البشرية، وهي كادت أن تتعرّض بفعل العدوان، للاهتزاز إنْ لم نقل لمحاولة تفكيك… ولكنها لن تنجح.
أحدهم لاحظ كيف يتمّ تعذيب اللغة الإعلامية بالصدمات الكهربائية.. الذين يعشقون اللغة بإيقاعها الفذّ وبمحتواها المترامي، لا يغتصبون الكلام بتلك الوقاحة الصهيونية، بل وبذلك الإرهاب العالمي الذي لم يأخذ بالاعتبار أنّ فلسطين لا تزال رزمة واحدة، كلما كانت الزلازل تحيط بها من كلّ حدب وصوب، وما دام الفلسطينيون يرفضون أن يُعاملوا على أنهم مجرد حقول من الاسفنج!
إذاً، هي دعوة إلى الإعلاميين، والمثقفين، وإلى كلّ مَن يشعر بأنّ الفضيحة الراهنة تحطّم كلّ ما بقي لهم من أخلاق.. ولكن هل بقيَ لديهم أخلاق بعض الإعلاميين العرب الذين يؤسّسون لكارثة قد تطرق ابوابهم في أيّ لحظة؟ وهل تعي الشعوب العربية مسؤولياتها، ويشكلون جبهة موحدة ضدّ من يستخرجون من جدران المقابر كلّ تلك البلاغة ويلقونها في وجوههم؟
لا.. ولنقل للارهاب الاعلامي إنّ «الميادين» ستبقى في كافة الميادين ولن تسكت، لأنّ سكوتها هو الوجه الآخر للهزيمة، ومن اعتبر نفسه منتصراً في الإعلام المعادي لن يجد امامه سوى أصابعه المحترقة.. وجثث جيش الاحتلال ومستوطنيه.
لعبة الدومينو حين تمضي في هذا الإيقاع الإعلامي المجنون لن تتوقف إلا بعد ان تعلن المقاومة الفلسطينية في بياناتها المقبلة دحر العدوان عن أسوار غزة وقلعتها وأهلها الجبارين…
هل نخطئ عندما نصف معارك غزة بين المقاومين والمحتلّ بأنها مماثلة لمعركة ستالينغراد التي غيّرت مصير الحرب العالمية الثانية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى