أولى

المقاومة والفكر الأيديولوجي

‭}‬ مأمون ملاعب
من الواضح أنّ الانتماء الأساسي لكلّ حركات المقاومة الفلسطينية حالياً هو فلسطين، وأنّ الشعور العام بالاندفاع إلى التحرر والتخلص من الاحتلال حتى لو بكلفة كبيرة يطغى على أيّ شعور آخر وتتراجع الايديولوجية الدينية عند الأغلب واليسارية عند البعض إلى مرتبة أقلّ.
مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي مرحلة استعمار واسع من قبل دول الغرب الإمبريالية في الشرق الأدنى والأقصى وأفريقيا وأميركا اللاتينية وهذا ما يعكس حركات مقاومة مضادة للاختلال ذات طابع ايديولوجي مختلف بل مضاد خصوصاً في مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين الأطلسي الامبريالي ووارسو الاشتراكي. لبست حركات التحرر في أميركا اللاتينية لباس الاشتراكية، مع تشي غيفارا وكاسترو ضد الولايات المتحدة.
وهذا ايضاً حال ثوار فيتنام في حرب التحرير الكبرى التي كلفتهم تضحيات جسيمة جداً، ربما هي الأكثر في التاريخ. لم يكن هذا الثمن الكبير قرباناً من أجل الاشتراكية بل من أجل الحرية والسيادة الوطنية والكرامة القومية. وهذه فيتنام الموحدة المحررة تسير بعيدة عن النهج الاشتراكي.
في المقابل فإنّ المجر وتشيكوسلوفاكيا المحتلتين من قبل الاتحاد السوفياتي حاولتا التحرر في ثورتين مناهضين للاتحاد السوفياتي ولفكره الاشتراكي وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي نجد أنّ كلّ شعوب أوروبا الشرقيه اختارت مناهضة الاشتراكية ومناهضة الاتحاد الروسي متعطشة للانظمام إلى الرأسمالية، الضدّ.
شهدت منطقتنا بعد الحرب العالمية الأولى استعماراً غربياً خطيراً عمل جاهداً على إلغاء هويتنا القومية وحوّلنا إلى كيانات بهويات ثم استغلّ التنوع المذهبي لشعبنا العريق من أجل إنشاء خلافات وصراعات دينية داخلية خدمة لدولة العدو التي أقامها.
كانت المقاومات الأولى في فلسطين خلال مرحلة الانتداب ذات طابع قومي فطري. بعد الهزيمة الكبيرة عام 1967 انطلقت حركات المقاومة وبدأت تتخذ الطابع اليساري وهو الأمر الطبيعي ضدّ الصهيونية المتحالفة مع الإمبريالية وأملاً في دعم سوفياتي. حتى أنّ العديد من الدول العربية شهدت انقلابات في الحكم لصالح الايدولوجية الاشتراكية في مواجهة النفوذ الغربي خصوصاً دعمه العدو.
كان اجتياح لبنان نقطة فاصلة في الحرب الطويلة بين أمتنا والعدو من عدة جوانب…
ـ طرد منظمة التحرير الفلسطينية بالصفة العسكرية من لبنان الى تونس،
ـ قيام المقاومة في لبنان،
ـ تحرير لبنان على مراحل من الاحتلال دون قيد أو شرط، دون تنازل ودون معاهدات او تطبيع.
لم يلبث الاتحاد السوفياتي حتى انهار ومع انهياره تراجع الفكر الاشتراكي في العالم بدرجة كبيرة جداً وفقد الأمل بالاعتماد عليه من قبل الدول التي كانت حليفة فوجدت نفسها ضعيفة وفي مواجهة خاسرة ضدّ الأطلسي خصوصاً في منطقتنا.
شهدت نهاية السبعينات قيام ثورة الإيرانية في وجه الإمبريالية على الخصوص إنما ذاتي مستقلّ وبفكر ديني. انتصرت الثورة في الداخل الإيراني وصمدت في المواجهة مع الخارج ثم ما لبثت أن تمدّدت إلى الخارج مثل أيّ ثورة جديدة ناجحة وهي ما زالت في مرحلة التقدم والنمو وحصد النجاح مما يكسبها مصداقية أكبر وتأثيراً أكبر.
شهد العراق مقاومة تحمل الفكر الديني ضدّ الاحتلال الأميركي وضدّ أدواته في ما بعد، وشهد لبنان قيام مقاومة إسلامية بنفس الفكر الديني كما إيران في مواجهة العدو الإسرائيلي ومن ثم مواجهة التكفيريين الإرهابيين أدوات الإمبريالية والصهيونية.
الشعب والهوية والانتماء للأرض هم الأساس وحركات التحرر تنطلق من هذا المبدأ أولاً وأخيراً، إنما تأخذ ثوباً أيديولوجياً حسب الحاجة والظروف خصوصاً حين تكون بحاجة إلى عون وحليف.
خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان هو خروج لها من الصراع مع العدو لكن شعبنا في فلسطين لم ينسحب بل قام بانتفاضة كبيرة ثم بأخرى وأنشئت حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين واتخذت فكر الإخوان المسلمين.
شكل تراجع العدو أمام حركات المقاومة في لبنان وغزة انتصارات لها خصوصاً في حرب تموز 2006 وكان قد سبقها الانسحاب من غزة.
اعتمدت الخطة الصهيونية الأميركية على الايدولوجية الدينية لكي تواجه التحديات الجديدة، خلقت الربيع العربي ومن خلاله حركات إسلامية تكفيرية مدعومة بالمال الخليجي والاحتضان الخليجي والدعم اللوجستي الأميركي. النقطة الأهمّ أنه في غياب الصراع، أو تراجعه، مع العدو نجح هو في خلق الصراع الداخلي خصوصاً حين أذكى التباين المذهبي، وقد أسهم الخليج وأتباعه بتنفيذ خطة العدو التي دفعت فيها الشام الثمن كما المقاومة الإسلامية في لبنان والشام.
طوفان الأقصى. صحّح المسار. أعاد القضية إلى فلسطين.
القضية هي الشعب، والأرض والتاريخ والجغرافيا هي السيادة والكرامة والحرية والمثل العليا العدو هو الاحتلال بكلّ صفاته وملحقاته من جيش ومغتصبات ومستعمرين وكلّ أتباعهم وحلفائهم. طوفان الأقصى أعاد القضية إلى الوطن ورفعه فوق الايدولوجيات، وحد الفصائل في القضية، من يجرؤ على وضع أيّ نقطة كبيرة أو صغيرة امام القضية؟ الطوفان عاد بالشعب إلى الأصل إلى الانتماء قفز الجميع فوق التبيانات الطائفية والكيانية والحزبية في توق إلى الانتصار، انتصار القضية.
ما هو موقف تركيا الإخوانية من الطوفان؟ وما هو موقف اخوان مصر؟ وما هو موقف المعارضة السورية؟ ومن يهتمّ؟
طوفان الأقصى. منعطف تاريخي وضع العدو في بقعة المصير الوجودي ووضع فلسطين على مشارف التحرير ووضع الأنظمة العربية المطبعة والمتعاونة مع العدو على حافة الخوف ووضع العالم كله على عتبة التغيير…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى