سقوط سلاح الدولة الأعظم بالسلاح

على هامش كل حرب كبرى تشغل العالم ينشغل خبراء الأسلحة في تقييم فعالية ما تضخه الدول والشركات العالمية الكبرى من أسلحة إلى ميدان الحرب، حيث الاختبار الفعلي لجودة السلاح، بعيداً عن مبالغات التسويق والتشويق التي تسبقها، وتتاح فرصة استثنائية لفحص التوازنات العسكرية الفعلية بعيداً عن البروباغندا التي تصنعها الدعاية، ومن بين ما تُتاح فرصة فحصه هو مدى صدقيّة الحديث عن جاهزية الدول المحاربة للحروب، خصوصاً الدول التي بنت نفوذها على فرضيّة القوة العسكريّة المطلقة.
خلال عام واحد نعيش تداعيات حربين كبيرتين، هما حرب أوكرانيا وحرب غزة، وقد حفلت كل منهما بالكثير الكثير على هذا الصعيد، خصوصاً بالنسبة لكل من أميركا و”إسرائيل”، كقوتين دولية وإقليمية بنتا الكثير من الأمجاد على مزاعم القدرة العسكرية المطلقة.
كشفت الحربان محدودية قدرة منظومة الباتريوت لصدّ الصواريخ والطائرات المسيرة، وتقاس عادة فعالية هذا النوع من المنظومات بعيداً عن النسب المئوية لقدرته على إصابة الأهداف، لأن قيمة الصاروخ الذي تبلغ تكلفته 8 ملايين دولار وفقاً لأسعار آخر صفقة بيعت بموجبها مئة صاروخ لتايوان بقيمة 883 مليون دولار، تسقط عندما يسهل تشتيت قدراته بإطلاقات لطائرات مسيرة وصواريخ تبلغ قيمتها 10% من سعره، ويتمكّن نصفها من العبور بين ثقوبه.
كشفت الحربان أن أميركا والغرب كله معها عاجزان عن إمداد كل من أوكرانيا و”إسرائيل” بما يكفي لخوض الحرب من قذائف المدفعية من عيار 155 ملم، وأن دول الغرب “المحاربة”، هي محاربة بالكلام فقط، وها هي فرنسا وقد خسرت حضورها الأفريقي تحت السلاح، ويكفي القول إن كل خطوط إنتاج قذائف الـ 155 ملم في دول الناتو خلال شهر لا تعادل ما تستهلكه أوكرانيا و”إسرائيل” في يوم حرب حقيقية.
أهمية ما يجري في شمال فلسطين المحتلة وعبر البحر الأحمر، أنه مواجهة مع أعلى تقنيات الصدّ الأميركية للصواريخ والطائرات المسيرة، وأن الحصيلة التي يسلم بها الأميركيون، هي أن النسخ المصنعة محلياً في لبنان واليمن من هذه الصواريخ والطائرات المسيّرة تصل إلى أهدافها ولا تفلح منظومات التقنية الأميركية العالية في منعها.
هذا يحدث والحرب الفعلية لم تقع بعد لا هنا ولا هناك، وعندما تقع سوف تكون إطلاقات الصواريخ والطائرات المسيّرة بأضعاف ما فشل السلاح الأميركي المتطور في التعامل معه.
القضية الأهم هي أن هؤلاء الفقراء ولكن الذين يتعاملون بأعلى درجات الجدّية مع حروبهم، قد قاموا بتخزين عشرات الآلاف من كل صنف يحتاجونه لحربهم، بينما الأميركي يحتفل بموافقة اليابان على إعارته عشرات صواريخ الباتريوت لأن مخزونه منها قد نفد بعد آخر شحنة لكل من أوكرانيا و”إسرائيل”، فكيف إذا اندلعت الحرب الكبرى هنا وهناك وهنالك؟

التعليق السياسي