الهدنة تحتاج إلى جولة قتال

‬ سعادة مصطفى ارشيد

بعد طول انتظار سلّمت المقاومة المتحدة بجميع فصائلها، بغض النظر عن حجم كل منها ومستوى مشاركته، ردها الموحّد للحكومة القطرية كممثل عن من اجتمع في باريس من إسرائيليين وأميركان ومصريين، إلى جانب تركيا صاحبة الدور غير المنظور. وجاء الرد بثلاث نسخ الأولى بالعربية والثانية بالإنجليزية والثالثة بالعبرية لكي لا تترك مجالاً لأن يبدو الرد حمّال أوجه بسبب الترجمة. وقد صيغ البيان بلغة سياسية دقيقة بعيدة عن الخطاب الديني ولغة الحماسة والشعارات. فهي لم تقل في ردها على ورقة أو اتفاق الإطار في باريس لا فقط، وإنما قالت نعم ولكن… فقد أكدت مطالبها التي أعلنتها قيادة المقاومة في غزة منذ اليوم الأول للحرب والتي تطالب بوقف العدوان أي وقف إطلاق النار الشامل وإعادة الإعمار ورفع الحصار الظالم المستمر منذ عام 2007 وفتح المعابر وتبادل الأسرى بما يكفل تبييض السجون (الإسرائيلية) من الأسرى الفلسطينيين وحماية المسجد الأقصى الذي حملت الحرب اسمه (طوفان الأقصى)، فيما تضمّنت آليات التنفيذ كثيراً من التفاصيل مقرونة بكثير من الحذر والتحوط الذي أملته على المقاومة مرارة تجاربها السابقة التي كان الاحتلال يتهرّب فيها من الالتزام بما كان يتم الاتفاق عليه، ولم يكن الجانب الكفيل والضامن للاحتلال جدياً في ملاحقة (إسرائيل) ومطالبتها بتنفيذ تعهداتها. بهذا تكون المقاومة قد أكدت أنها لن تلدغ من الحجر ذاته وردت الكرة للملعب الإسرائيلي ولملعب من اجتمع في باريس لا بل وأدخلت الكرة في مرماهم.
هكذا جاء رد المقاومة واحداً أحد متفقاً عليه من جميع الفصائل المقاومة، كما أنه متفق عليه بين الداخل والخارج، في ما يأتي الرد (الإسرائيلي) تائهاً بأربع طرق:
الطريق الأول أن ردودها على مشروع الهدنة الذي كانت قد شاركت في صياغته جاء بتكثيف الهجوم على غزة وارتفاع منسوب سعار القتل والهدم تجاه المدنيين.
الطريق الثاني أن لا ردّ موحداً من قبل (الإسرائيليين) وإنما ردود متفرقة؛ فنتنياهو يقول شيئاً فيما يقول غانتس شيئاً آخر وكذلك أيزنكوت وغالانت مع تعليقات وملاحظات مختلفة من الجيش والأمن تصل الى حد قول بعض المسؤولين أنهم بصدد البحث عن ملاذ في بلاد بعيدة مستعدة لاستقبال قادة المقاومة ليقضوا ما بقي لهم من العمر في حالة تقاعد مريح بعد هزيمتهم، مما يكشف عن حالة انفصال عن الواقع من جانب بعض منهم، وعن إدراك عميق من بعض آخر بأن هذه المعركة هي معركة وجود وبقاء لدولتهم، وخسارتها تعني بداية الفناء المتسارع.
الطريق الثالث هي في ارتفاع مستوى التحدّي الإقليمي ضد محور المقاومة في إيران والعراق وسورية واليمن وأخيراً لبنان، حيث يطالب الإسرائيلي بطرد المقاومة إلى شمال الليطاني وبما يبعدها 10 كيلومترات الى شمال الحدود مع فلسطين المحتلة؛ الأمر الذي لا يستطيعه لا الإسرائيلي ولا من اجتمع في باريس، كما أن الحكومة اللبنانية لها وجهة نظر مغايرة لوجهات النظر الغربية – (الإسرائيلية) تجاه المقاومة ودورها في الدفاع عن لبنان.
الطريق الرابع أن الإسرائيلي ما زال يفترض بنفسه على أنه الولد المدلل لدى العالم والذي يملك حق الدفاع عن النفس وفق تفسيراته، فيما لا يملك الآخرون إلا حق القبول والخنوع لما يريده الإسرائيلي والذي أثبتت معارك المقاومة في 2006 وفي 2023 أن ذلك زمان مضى ولن يعود.
يستطيع من يتابع التفاصيل أن يلاحظ كيف ان الجميع بمن فيهم الأميركان والأوروبيون قد أخذوا يعتادون على استعمال مفردات مثل المقاومة حماس بدل المفردات التي كانوا يستعملونها في السابق من وزن المنظمات التخريبية والإرهابية وداعش وما الى ذلك.
وكما نلاحظ أن رد المقاومة قد تأخر ومن أسباب ذلك المراسلات بين قيادة حماس في قطر وقيادة المقاومة في الخارج وبين غزة. فغزة هي مَن أملت الرد وهي صاحبة الحق في ما أنها كانت المبادرة في إعلان الحرب في السابع من تشرين الأول وهي من خاض غمارها وعانى من غبارها.
ولعل ما يمكن فهمه أن رد المقاومة قد أجاب على السؤال الصعب والذي كان يتساءله الجميع دون إجابة حول اليوم الثاني لما بعد الحرب، فكان الجواب في هذا الرد المكوّن من ثلاث صفحات اذ تقول فيه المقاومة إنها هي من ستكون سيدة غزة في اليوم الثاني لما بعد الحرب، وعلى مَن يفكر بغير ذلك أن يقلع عن ذلك النمط من التفكير فلا حاجة للبحث عن آخرين لا بل لا متسع لآخرين.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.