أولى

نتنياهو يريدها حرباً إقليمية… كيف يجري تفاديها وإحباطها؟

د. عصام نعمان*

تُنسب إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوط يمارسها على رئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو لعدم التشدّد في اجتياحه مدينة رفح تفادياً للانزلاق الى حربٍ إقليمية. بصرف النظر عن صحة أو عدم صحة هذه الضغوط، فقد بات ثابتاً أنّ نتنياهو مصمّم على اجتياح رفح أياً تكن التداعيات، بل لعله يتقصّد ارتكاب مجازر وتهجير علها تستفز ضراوتها أطراف محور المقاومة فيبادرون الى التدخل بشكل أو بآخر ما يدفع الولايات المتحدة الى الانخراط في الحرب الى جانبه على نحوٍ يتجاوز الساحة الفلسطينية الى إيران.
عمليات نتنياهو الوحشية لا تقتصر على جبهة قطاع غزة فحسب بل تشمل أيضاً لبنان، سكاناً وعمراناً ومقاومةً. آخرُ اعتداءاته المبرمجة قيام مُسيّرة حربية بقصف مبنى في عمق مدينة النبطية بجنوب لبنان تبعد عن حدود فلسطين المحتلة نحو 15 كيلومتراً حاصدةً 10 شهداء وأكثر من 20 جريحاً.
“إسرائيل” لا تتوقف عن ارتكاب عمليات وحشية في عمق الأراضي اللبنانية بدليل أنّ وزير حربها يوآف غالنت أبلغ نظيره الأميركي لويد أوستن أنّ “طائراتنا في سماء بيروت الآن التي تحمل قنابل ثقيلة وهي قادرة على ضرب أهداف بعيدة (…) في عمقٍ يتجاوز 50 كيلومتراً”.
أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لم يتأخر في الردّ قائلاً: “لا أفق لأيّ محاولة تأثير على تقديرات قيادة حزب الله وخياراته المسقوفة بالحفاظ على معادلة الردع التي تحمي مستقبل المقاومة والتصميم على مواصلة الضغوط على كيان العدو كجزء من إسناد المقاومة في قطاع غزة”.
في ضوء هذه الواقعات والتطورات، كيف يجري تفادي وإحباط عزم نتنياهو إغراق المنطقة برمّتها في الحرب بتواطؤ مع بايدن او بتغاضٍ منه؟
أرى أنّ محور المقاومة معني بالدرجة الأولى بالجواب، وأعتقد أنّ أطرافه العربية، أيّ المقاومة في كلٍّ من لبنان واليمن وسورية والعراق، قد باشرت فعلاً بالردّ. حزب الله، وهو الأقوى والأقدر بينها، يتولى مقاومة “إسرائيل” منذ مطالع ثمانينيات القرن الماضي، ويقوم ميدانياً منذ اليوم الثاني لاندلاع معركة طوفان الأقصى بمساندة حماس وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية، كما يقوم في الآونة الأخيرة بدورٍ أساس في مواجهة نتنياهو وزمرة وزرائه المتطرفين الساعين الى تطويل أمد الحرب لتحقيق هدفين خطيرين: تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، وإذا تعذّر ذلك افتعالُ مذبحة مدوّية بحقهم لاستفزاز أطراف محور المقاومة وحملهم على التدخل لوقف الجنون “الإسرائيلي” فيكون تدخلهم، في ظنّه، مبرّراً كافياً لتدخّل الولايات المتحدة وتحويل النزاع حرباً إقليمية يتّسع في سياقها نطاق الأهداف المعلنة والمضمرة بغية النيل من كلّ قوى المقاومة في لبنان وسورية والعراق واليمن وإيران.
طموحات نتنياهو الجنونيّة لا سبيل إلى تحقيقها في ضوء الحقائق والقدرات والطرائق التي يعتمدها أطراف محور المقاومة على النحو الآتي:
ـ في لبنان، اعتمد حزب الله معادلة التناسب والضرورة بمعنى التدرّج في استخدام القوة للردّ على اعتداءات “إسرائيل”، مكتفياً في المرحلة الأولى بضرب المواقع العسكرية في المستعمرات الإسرائيلية القريبة من حدود فلسطين المحتلة ما حمل قيادة الجيش الإسرائيلي على سحب نحو ثلث مجموع الألوية المحاربة من جبهة قطاع غزة الى الجبهة اللبنانية. وعندما صعّد العدو عنف ضربه للقرى اللبنانية الحدودية، صعّد حزب الله عنف قصفه للمواقع الإسرائيلية تدريجاً الى حدّ تدميره أولاً قاعدة ميرون للرصد البعيد المدى والتجسّس وتوجيه الطيران الحربي، ثم قام لاحقاً بتدمير مقرّ القيادة العسكرية الشمالية في صفد، وبعد أن نفّذ العدو الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي مجزرة النبطية قام بتدمير ما تبقّى من مقر القيادة في صفد. غير أنّ الحزب لم يعلن مسوؤليته عن ذلك كي لا يعطي العدو ذريعةً لتصعيد هجمته على رفح في أثناء المفاوضات الدائرة في القاهرة للتوافق على هدنة طويلة الأجل. لكن عندما عربد جنرالات “إسرائيل” في اليوم التالي مهدّدين بضرب لبنان في عمقه ردّ السيد نصرالله بأنّ “ثمن دماء نسائنا وأطفالنا سيكون دماءً وليس مواقع وأجهزة تجسّس وآليات فقط بحيث يبدأ العدو بتهيئة الملاجئ والفنادق والمدارس والخيم لمليوني مهجّر من شمال فلسطين المحتلة”. وعندما عاود غالنت تهديده بضرب بيروت، ذكّره السيد نصرالله بأنّ المقاومة تمتلك صواريخ دقيقة مداها من كريات شمونة في شمال فلسطين المحتلة الى إيلات في أقصى جنوبها.
ـ في اليمن، اعتمدت قيادة أنصار الله نهجاً يحاكي معادلة التناسب والضرورة إذ ثابرت على اعتراض او ضرب البواخر “الإسرائيلية” او تلك التي تحمل تجهيزات وسلعاً للعدو في البحر الأحمر وبحر العرب، متفاديةً عند ضرب مستعمرات النقب المحتلّ إيذاء المدنيين. هذا الإسهام اليمني في الردّ على العدوان الإسرائيلي أدّى الى إلحاق خسائر ضخمة ليس باقتصاد العدو فحسب بل باقتصادات دول الغرب الأطلسي عموماً ما حملها على مطالبة أميركا و”إسرائيل” بتسريع المفاوضات الهادفة الى إقرار هدنة طويلة.
ـ في العراق، صعّدت فصائل المقاومة قصفها للقواعد العسكرية الأميركية في وسط البلاد (قاعدة عين الأسد) وشمالها (قاعدة حرير) كما سائر القواعد الأميركية على طول الحدود بين سورية والعراق. كلّ ذلك أدى الى قيام واشنطن بمناشدة بغداد الضغط على فصائل المقاومة لوقف عملياتها لقاء وعدٍ بتسريع الإجراءات الآيلة الى سحب القوات الأميركية من بلاد الرافدين.
كلُّ هذه الواقعات والتطورات ستحمل بايدن، على الأرجح، تحت وطأة الضغوط الميدانية للمقاومة في سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية، على إرغام نتنياهو بقبول هدنةٍ طويلة ربما قبل ان يتمادى في جنونه الى حدّ ارتكاب مجزرة مدوّية في رفح.
في هذه الأثناء، بدأ يتكشّف احتمال بل تحدٍّ آخر بالغ الخطورة. فقد نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن مسؤولين وأمنيين مصريين محليين أن مصر تقوم ببناء مخيّم مسوّر في سيناء تحسّباً لاستقبال لاجئين فلسطينيين من غزة. غير أنّ الهيئة العامة المصرية للاستعلامات سارعت الى نفي “مزاعم مشاركة مصر في عملية تهجير الفلسطينيين من غزة الى سيناء”، لكنها لم تنفِ خبر قيامها ببناء مخيم مسوّر في سيناء لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.
أتساءل: لماذا تبني مصر هذا المخيم، إذاً، على مقربة من رفح حيث يحتشد ألوف الفلسطينيين المهجّرين من مدنهم وقراهم المدمّرة؟ وهل تمكّنت واشنطن وتل أبيب من إقناع القاهرة بالمشاركة في ترتيبات نكبةٍ ثانية تُعدّانها للشعب الفلسطيني؟
لا سمح الله.

*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى