أولى

بطل الإنسانية اسمه ارون بوشنل

– الحدث نادر الوقوع، ويحدث للمرة الأولى، طيار حربي في قوات البحرية الأميركية يأتي بلباسه العسكري إلى مقر السفارة الإسرائيلية في واشنطن، ويسكب على بذلته وجسمه سائلاً سريع الاشتعال، ثم يُشعل النار بنفسه، وفي اليوم التالي توفّى.
– الطيار أرون بوشنل سجل فيديو شخصيّاً، وهو يسير نحو تنفيذ المهمة التي اختارها لنفسه، فقال وهو يعرّف عن نفسه بأنه جنديّ في الخدمة حالياً في القوات الجوية الأميركية، “لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعيّة”. وأضاف وهو في طريقه نحو مبنى السفارة الإسرائيلية: “سأنظم احتجاجاً عنيفاً للغاية الآن، لكن احتجاجي ليس كبيراً بالمقارنة مع ما يعانيه الفلسطينيون على أيدي محتلّيهم”. ثم أضرم النار في نفسه وهو يصرخ “الحرية لفلسطين” مراراً وتكراراً حتى توقف عن التنفس.
– هذا بطل من أبطال الإنسانية، لم يقبل أن يعيش شاهد زور فقرّر أن يستشهد شاهداً للحق، ليقول لرفاقه إنهم يخدمون هدفاً غير إنسانيّ، وإن قيادتهم تأخذهم نحو عالم الجريمة، وإن “إسرائيل” ليست دولة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بل كيان إرهابيّ للجريمة المنظمة، وإن الفلسطينيين ليسوا إرهابيين معادين للسامية بل مناضلون لأجل الحرية.
– ارون بوشنل ليس عربياً ولا مسلماً ومن أصحاب السحنة السمراء أو الحمراء، بل من أبناء البشرة البيضاء، أميركيّ باب أول، وقف شاهداً شهيداً للحق الفلسطيني. وقبل أن نسأل عن تداعيات شهادته على الداخل الأميركي والأداء الرسمي الأميركي دعونا نتساءل عن عقدة الذنب وعقدة النقص التي تسبّب بها لعدد من المواطنين العرب والمسلمين الذين شعروا بالتقصير والجبن بمقارنة ما يفعلونه وما لا يفعلونه من أجل فلسطين وفق ما تُمليه خلفيات الخوف والحرص على المصالح، ليأتيَ هذا الأميركي الأبيض الضابط الطيار ويصفع وجوه الجميع ويسكب الماء البارد فوق رؤوسهم.
– أرون بوشنل اسم سوف يكتبه التاريخ بأحرف من نور، لأنه صرخة من أعمق نقطة في الوجدان الجمعيّ للبشرية، وهو ليس انتحاراً ولا يأساً وإنهاء حياة، إنه تعبير عن شعور بالألم والوجع إلى حدّ الثقة بأن العالم النائم يحتاج إلى صرخة بهذا الحجم حتى يصحو، وإن لم يفعل، فهذا يعني أنه يحتاج إلى المزيد من الصرخات التي لا يجرؤ على إطلاقها إلا أحرار كبار وأبطال من أمثال أرون بوشنل.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى