ثورة آذار والحراك السوري… التغنّي الثوري وجرمنا!
د. محمد بكر
في مقابلة له مع صحيفة «الثورة» السورية الرسمية، ولمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لثورة الثامن من آذار، أكد الرئيس الأسد أنّ الثورة أتت لتعزِّز الوطن والمجتمع والإنسان وكذلك لنشر العلم والمعرقة عبر بناء آلاف المدارس وإرساء الخدمات، ولتعزِّز الواقع الاقتصادي عبر خلق فرص عمل للجميع، كلّ بحسب كفاءته، ولتدعم الشعب بفلاحيه وحرفييه، مضيفاً أنّ هذه هي الثورة وليس ثورة اليوم التي سقطت منذ البداية، إذ لا يمكن المقارنة بين هذه وتلك.
وهنا نقول: نعم لم تكن ثورة آذار مجرد انقلاب عسكري للجنة العسكرية لفرع الإقليم السوري لحزب البعث ضدّ الرئيس ناظم القدسي وحكومته برئاسة خالد العظم، بل كانت نتاج حراك ومنظومة عمل ثورية، وإن أنتجت نظام الحزب الواحد، لكنها تصدّت لتغلغل رأسمالية القطاع الزراعي واحتكار النُخب التقليدية لأغلب مصادر الدخل، إذ استقطبت شرائح المستضعفين، لا سيما الفلاحين، فحققت حضوراً مهمّاً بارزاً.
لكننا اليوم، ومع إيماننا باختلاف جملة من القيم الثورية وتشويه مساراتها وانحرافها عن الدروب التنويرية، وارتهان الحراك الذي حدث في سورية وتسلقه على شجرة الغرب للوصول إلى الحرية وتأسيس دولة عصرية، سرعان ما تبخرت فيها الأحلام وتلاشت الغايات النبيلة لتسقط بقوة وتداس بأقدام اللاعبين الدوليين ولعنة الحروب الباردة والناعمة، نقف لنسأل: أين غدت اليوم الحالة التنموية والنهضوية والعدالة الاجتماعية التي كرّستها ثورة آذار في ظلّ تغلغُل فساد منقطع النظير في أداء الحكومات المتعاقبة، لا سيما خلال الخمس عشرة سنة الماضية، حيث تآكلت كلّ مؤشرات الانتماء للوطن وسادت «الداعشية» الاقتصادية لتنهش في جسد الوطن وتصيب مقدّرات المواطن في مقتل، وتراكم سيولاً من الأخطاء والكوارث في منظومة الإدارة من دون أن تُقابل بمبدأ محاسبة فاعل ورادع يضع حدّاً للفاسدين ويصفّي كلّ صور المحسوبية والبيروقراطية والأوليغارشية التي ناضل وقاتل الكادحون من أجل إنهائها فشكلوا إحدى أهم مكونات ثورة آذار التي ما زلنا حتى اليوم نتغنى بقيمها ومبادئها ومساراتها؟
نعم نؤمن بأنّ المؤامرة على سورية، الوطن والشعب، كانت حاضرة وجلية ولكنّ التطور المتسارع للأحداث وانتهاء الأمور إلى ما انتهت إليه كان من خلال الحطب الذي راكمته هذه الإدارات البائسة المقيتة التي نصرُّ على بقائها أو إعادة إنتاجها، فكان لزاماً على النار أن تتقد لهذا المستوى وتالياً الارتهان للعبة دولية باتت تتقاذفنا كالكرات.
بين ثورة آذار التي حملت شعارات التحرُّر من الاحتكار والاستغلال والتسلط، وبين حراكٍ حمل شعارات الوصول إلى دولة مدنية عصرية يحكمها القانون على قاعدة لا أحد فوقه اغتيل بواجهات تمّ تجهيزها وتنميقها لتؤدي أجندات سياسية بعينها كانت مساراتها ولم تزل على قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه، هذا الحراك الذي أسّس له حطبنا وأخطاؤنا وتغليب القيم المصالحية على القيم الوطنية فكان كلّ ذلك بمنزلة الجسر المتين، والمنافذ السلسة لولوج خبائث الصراع الدولي وتناطح الرؤوس وتصفية الحسابات وتخريب الوطن وتلاشي قيمنا القومية، وتالياً الانحراف المقيت عن بوصلة يقولون إنها فلسطين، كلّ ذلك وعلى أهميته ومحوريته إلا أنّ الداخل أيضاً هو ما يجب أن يشكل الأساس في وجهة تغييرنا، ونحوه يجب أن تبقى العيون مسمرة، فسورية المُبتلاة بأخطائنا وفسادنا وجرمنا بحقها أولاً والجريحة بسكاكيننا قبل سكاكين «داعش» ثانياً، لن تنتصر، وحتى ولو انكفأت الأيدي الخارجية، إلا بصياغة منظومة إدارية جديدة وطنية جامعة تؤمن بحقّ بأنّ الوطن أولاً وأخيراً وهذا ما لا تلوح بوادره في الأفق القريب.
كاتب صحافي فلسطيني مُقيم في ألمانيا