انتخابات الجنوب تحت سقف المقاومة بالتزكية والتنافس والفوز ومشاركة 50 صيدا أنصفت سعد… وحارتها لرئيسها… واليسار أثبت حضوره… وجزين عونية
كتب المحرّر السياسي
تتصاعد درجة الحرارة الميدانية في سورية مع تراجع صوت المبادرات السياسية وتبلور المشهد نحو المواجهة، في ظلّ تهرّب جماعة الرياض بغطاء سعودي تركي وتغاضٍ أميركي عن التجاوب مع مضمون المعلن من مقرّرات فيينا حول فكّ التشابك السياسي والميداني مع جبهة النصرة، بينما أدارت واشنطن ماكينتها العسكرية لترتيب وتنظيم جماعة سورية الديمقراطية المكوّنة من جماعات معارضة سورية تحت الرعاية الأميركية، ومن جماعات التشكيلات الكردية المنضوية في لجان الحماية والاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ترجمها حضور المستشارين الأميركيين وضباط قيادة كبار إلى شمال شرق سورية لإدارة معركة الرقة التي تراهن واشنطن على جعلها حصتها في الحرب السورية على الإرهاب، وفي المقابل أعلنت موسكو عن استئناف غارات سلاحها الجوي بكثافة، بدءاً من بعد غد على مواقع جبهة النصرة، فيما بدأت المواجهات شمال سورية، وخصوصاً على جبهات حلب في مناطق الكاستيلو وحندرات وبستان الباشا التي استعادت سخونتها بعد برود الأيام الماضية، فيما يصفه المتابعون بجولة اختبار للقوى والرهانات، فهل يغرق الأميركي وحلفاؤه في حرب استنزاف في الرقة تضطر أصحابها للخضوع لروزنامة روسيا والحلفاء الذين يخوضون الحرب على النصرة، أم يحدث العكس وفقاً للتوقعات الأميركية بتحوّل حرب النصرة إلى استنزاف وفوزهم بإحداث اختراق في الرقة؟
بانتظار جديد الميدان السوري وما سيحمل من نتائج تنعكس على الانتظار الذي يعيشه الملف اليمني والمراوحة العراقية، خاض لبنان الانتخابات البلدية في الجنوب الذي يشكل عرين المقاومة، حيث سجلت نسبة مشاركة 50 تقريباً، وتجاوزتها في كثير من المواقع، رغم حالات تزكية عديدة أضعفت نسبة المشاركة المحتسبة وسطياً، وكانت الانتخابات بكلّ ما تضمّنته فوزاً للمقاومة، التي تشارك المتنافسون في مبايعتها كخيار، وتحوّل اليوم الانتخابي الجنوبي الذي انتهى بفوز شبه كامل للوائح ثنائي حركة أمل وحزب الله، إلى مناسبة لتثبيت بعض الخلاصات السياسية أبرزها، أنّ فوز اللائحة المدعومة من تيار المستقبل ونسبة المشاركة المرتفعة قياساً بنتائج بيروت منحت الرئيس سعد الحريري زعامة صيدا مقابل خسارته صفة الزعامة، بنسبة مشاركة هزيلة في بيروت، بينما أنصفت النتائج الصيداوية التيار الشعبي الناصري وزعيمه الدكتور أسامة سعد بنسبة 40 من التصويت، رغم ضآلة الإمكانات وغياب التحالفات، بينما كانت حارة صيدا تعيد تثبيت رئيس بلديتها سميح الزين في وجه اللائحة التي دعمها تحالف أمل وحزب الله ليعلن الزين مبايعته لخط المقاومة ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، مؤكداً الطابع المحلي للتنافس بعيداً عن الخيارات السياسية. ومن بين خلاصات الجنوب وقبل ظهور نتائج مؤكدة للبلدات التي قام الحزب الشيوعي بخوضها انتخابياً، وحيث تؤشر النتائج الأولية لفوز لوائح الثنائي أمل وحزب الله، تمكن اليسار من تثبيت حضوره، وتأكيد امتلاكه قاعدة شعبية يمكن تظهيرها في أماكن أخرى والاستناد إليها في الانتخابات النيابية إذا جرت على قاعدة التمثيل النسبي، أما الخلاصة الثالثة فكانت في جزين، حيث كانت الانتخابات النيابية الفرعية التي حصد نتائجها بفارق كبير مرشح التيار الوطني الحر أمل بو زيد بوجه منافسه إبراهيم عازار.
غطت الانتخابات البلدية في محافظتي الجنوب والنبطية على باقي الملفات الساخنة التي ستشكل أولوية لدى المسؤولين هذا الأسبوع، وفي طليعتها ملف العقوبات المالية الأميركية على حزب الله، وموضوع النازحين السوريين وقضية توطينهم في لبنان الذي سيكون محور كلمة ولقاءات رئيس الحكومة تمام سلام في القمة الإنسانية العالمية التي ستعقد اليوم في اسطنبول.
انتخابات الجنوب – استفتاء على المقاومة
إلى ذلك حوّل أهالي الجنوب الانتخابات البلدية عرساً جديداً في عيد المقاومة والتحرير، حيث تميزت بنسبة الاقتراع العالية التي وصلت إلى 50 والتي شكلت محطة لتجديد الجنوبيين تمسكهم بخيار المقاومة.
وأعلن وزير الداخلية والبلديات خلال مؤتمر صحافي أن نسب الاقتراع في محافظتي الجنوب والنبطية بلغت 48,15 ، وتوزعت على الشكل التالي:
– صيدا 44 .
– قرى صيدا 57,5 .
– جزين 53 .
– صور 47 .
– مرجعيون 43,2 .
– حاصبيا 47 .
– النبطية 49 .
– بنت جبيل 42,5 .
وأشار المشنوق إلى أن اليوم الانتخابي في محافظتي النبطية والجنوب «كان أقل عمليات رشوة وأقل حماوة انتخابية أو شكاوى».
وقالت مصادر سياسية لـ«البناء» إن «نسب الاقتراع المرتفعة في مناطق الجنوب دليل على تأييد أغلبية أهل الجنوب لحزب الله وحركة أمل والقوى الحليفة وشكلت النتائج ونسبة التصويت استفتاءً على الخيارات السياسية لأمل وحزب الله وأهمها التمسك بالمقاومة، كما أسقطت رهان البعض على أي تراجع في نسبة الاقتراع لتظهيره كدليل على تراجع تأييد هذا الجمهور للمقاومة ولخيارات أمل وحزب الله السياسية».
وشدّدت المصادر على أن «النسب العالية التي أظهرتها انتخابات محافظتي الجنوب والنبطية تعني حزب الله إلى حدٍ كبير، وهذا ما دفع الأمين العالم للحزب السيد نصرالله في كلمته بذكرى أسبوع الشهيد مصطفى بدر الدين إلى دعوة جمهور المقاومة إلى الاقتراع والالتزام بلوائح التنمية والمقاومة حتى في القرى التي تمّ التوافق فيها، لأن التصويت كان على خيار المقاومة وليس على أشخاص وقطع الطريق على المدّعين بأن جمهور المقاومة اعترض على قتال حزب الله في سورية أو على تدخل الأحزاب في الانتخابات البلدية وتشكيل اللوائح إلا أن النسب المرتفعة التي وصلت في بعض القرى إلى 60 – 70 في المئة تظهر المشهد بوضوح».
.. وفوز لـ«التيار» في جزين
وفي قضاء جزين، حيث توجّه 58349 ناخباً إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب 31 بلدية من أصل 37 بعد فوز 6 بلديات و21 مختاراً بالتزكية، شهدت المدينة انتخابات نيابية فرعية لملء المقعد الشاغر بوفاة النائب الراحل ميشال الحلو، إذ تنافس عليه أربعة مرشحين، بموازاة انتخابات بلدية واختيارية، انتهت بفوز كاسح لمرشح التيار الوطني الحر أمل ابو زيد، حيث حصل على 15000 صوت مقابل 6000 لإبراهيم عازار، 1806 لصلاح نقولا جبران، و91 صوتاً لباتريك رزق الله، فضلاً عن 130 ملغاة و55 ورقة بيضاء بحسب النتائج الأولية غير الرسمية.
وقالت مصادر مطلعة في «التيار الوطني الحر» لـ«البناء» إن «نسبة الاقتراع في جزين تخطّت الـ 50 في المئة. وأوضحت أن «نسبة التصويت والنتائج تؤكدان أن جزين لا زالت مؤيدة للتيار الوطني الحر بشكلٍ كبير وكرّرت مشهد العام 2009، حيث فاز التيار ضد تحالف القوى الأخرى مع فارق أن حركة أمل في هذه الانتخابات لم تكن ضد لائحة التيار علناً، لكن الجديد هو تصويت حزب القوات للائحة التيار وبإعلان رسمي من رئيسها سمير جعجع، وبالتالي من الطبيعي أن يفوز التيار في جزين».
وأشارت المصادر إلى أن «قراءة النسبة والنتائج في جزين تدلّ على تدعيم تحالف التيار والقوات التي التزمت بلائحة التيار إلى حد كبير، لافتة إلى أن «الانتخابات البلدية شكلت بروفا للانتخابات النيابية التي بات حصولها شبه محسوم في العام 2017، وفقاً للقانون المختلط الذي بات شبه منجز أيضاً والذي لن يعارضه التيار، لأنه يبقى أفضل القوانين في الـ2017 بعد عجز القوى السياسية عن إقرار القانون النسبي لكن تبقى تفاصيل القانون المختلط لناحية عدد المحافظات والأقضية موضع نقاش ولم يحسم».
.. وتراجع «المستقبل» في صيدا
أما في صيدا، ففازت لائحة الرئيس المنتهية ولايته محمد السعودي المدعومة من «تيار المستقبل» و«الجماعة الإسلامية» وعبد الرحمن البزري في وجه لائحة «صوت الناس» برئاسة بلال شعبان المدعومة من «التنظيم الشعبي الناصري»، ولائحة «أحرار صيدا» برئاسة علي الشيخ عمار التي يدعمها سراً مناصرو الموقوف أحمد الأسير. ووصلت نسبة الاقتراع إلى 50 في المئة. ومع بدء صدور النتائج الأولية زار الرئيس سعد الحريري مساء أمس مدينة صيدا، حيث شارك أبناءها فرحة فوز لائحة «إنماء صيدا» برئاسة السعودي.
لفت الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد إلى أننا انطلقنا من الأوضاع السيئة لنقول كلمة «لا» كبيرة لها ورفضنا أي تسويات مع المسؤولين عما وصلنا إليه.
وأشار في مؤتمر صحافي، إلى «أننا مرتاحون بصرف النظر عن النتائج، لأننا نسير في الطريق الصحيح»، لافتاً إلى أننا لا نريد المشاريع التي يلفّها الفساد من كل جانب وتعود منافعها وأموالها إلى المحاسيب كما يجري الآن.
وقالت مصادر صيداوية مطلعة لـ«البناء» إن «نسبة الاقتراع في صيدا مقبولة مقارنة مع نسبة 43 في المئة عام 2010، حيث بدأ اليوم الانتخابي بإقبال عدد كبير من الصيداويين على الاقتراع نكاية ضد آل الحريري وليس تأييداً للوائح الأخرى»، ولفتت إلى تراجع شعبية تيار المستقبل وآل الحريري في صيدا بدليل أن السعودي عام 2010 نال 19 ألف صوت أما اليوم فلم يتخطّ الـ 15000 صوتاً».
ولوحظ بحسب المصادر أن «عدداً كبيراً من شباب الجماعة الإسلامية عملت على تشطيب أعضاء من لائحة السعودي ووضع أعضاء من لائحة عمار مكانهم، الأمر الذي سيؤدي إلى مشكلة بين المستقبل والجماعة مستقبلاً».
وعلمت «البناء» أن «بعض أقلام الاقتراع كان مقفلاً لصالح اللائحة المدعومة من أسامة سعد، وبالتالي فإن الفارق بين عدد الأصوات بين اللائحتين ليس كبيراً»، كما علمت أن «زوجة الأسير نقلت رسالة منه إلى مناصريه يدعوهم فيها إلى أن لا ينتخبوا لائحة علي عمار بل وضع ورقة مكتوب عليها أحمد الأسير وتبين خلال فرز الأصوات وجود عدد كبير من الأوراق باسم الأسير، لكن لائحة عمار نالت عدداً كبيراً من أصوات مناصري الأسير».
وكشفت مصادر لـ«البناء» أن «آل الحريري عملوا على شراء أصوات الحي الوسطاني في صيدا الذين تمّ تجنيسهم سابقاً، ونقلوهم عبر حافلات من بعض مناطق الجنوب إلى صيدا للاقتراع للائحة السعودي».
سلام: اللبنانيون متفقون على عدم التوطين
على صعيد آخر، وصل الرئيس سلام، إلى تركيا، حيث سيترأس وفد لبنان في القمة الإنسانية العالمية التي ستعقد اليوم في مدينة اسطنبول. وستكون له كلمة في المناسبة، ولقاءات مع قادة الدول المشاركة.
وأكد سلام في تصريح من اسطنبول أن «اللبنانيين متفقون على أن لا توطين»، مشيراً إلى انه «يجب على الجميع أن يتعاملوا مع الأمر بعيداً عن المزايدات».
مواقف عسيري محطّ متابعة
سياسياً، بقيت المواقف اللافتة التي أطلقها السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري خلال «عشاء اليرزة» الجمعة الماضي، محط متابعة الأوساط السياسية. فقد دعا عسيري إلى إيجاد الإرادة السياسية والحلول التوافقية للاستحقاق الرئاسي، «بحيث يحلّ عيد الفطر المبارك، ويكون للبنان رئيس عتيد يقود السفينة إلى ميناء الطمأنينة والازدهار، ويحقق آمال وتطلعات كافة اللبنانيين». مؤكداً أنّ السعودية «بكافة قياداتها كانت وستبقى الداعم الأساسي للوفاق الوطني والاستقرار السياسي والأمني في لبنان، ولصيغة العيش المشترك الإسلامي ـ المسيحي. وغير صحيح ما يشاع أنها تخلت عن لبنان».
السعودية تصحّح أخطاءها في لبنان
واعتبرت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن «هدف السعودية من خلال هذا العشاء الظهور على أنها عراب أهل السنة ولمعظم القوى السياسية في لبنان، ومن ضمنهم حلفاء حزب الله في 8 آذار، وهي بذلك تعوّض عن الأخطاء التي ارتكبتها خلال عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، خصوصاً طريقة إذلال قوى 14 آذار بعد تجميد المساعدات العسكرية السعودية للجيش اللبناني».
وشدّدت المصادر على أن «حضور حلفاء حزب الله طبيعي، لأن الحزب وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله أعلن أن الحزب لا يلزم حلفاءه بمواقفه السياسية، فضلاً عن أن حركة أمل والرئيس نبيه بري ليس في معركة مع السعودية، كما أن خطوط التواصل بين العماد عون والسعودية مفتوحة منذ وقت طويل، كما أن عون فتح حواراً مع الرئيس سعد الحريري وذهب وزير الخارجية جبران باسيل إلى السعودية لاستيضاح موقفها من رفض عون للرئاسة، فضلاً عن أن عون مرشح لرئاسة الجمهورية ومن حقه أن يكون على علاقة جيدة مع جميع الدول الإقليمية لا سيما السعودية، لكن لا يعني تخليه عن مبادئه وتحالفاته». لكن المصادر استبعدت أن «تترجم هذه الخطوة ومواقف عسيري قريباً بحل الأزمة السياسية في لبنان وإنجاز الاستحقاقات وأهمها الرئاسي».
كوهين إلى لبنان
أما في ملف العقوبات الأميركية المالية على «حزب الله»، علمت «البناء» أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قطع شوطاً كبيراً في معالجة الأزمة خلال لقاءاته أكان مع المسؤولين الغربيين، أم على صعيد تواصله مع المعنيين في الداخل»، متوقعة أن «تفضي جهوده إلى نتائج إيجابية في وقت قريب»، موضحة أن «استمرار الأزمة لا يشكل ضرراً على المواطنين فحسب بل على المصارف أيضاً بسبب مخاوف المواطنين من تجميد أموالهم، الأمر الذي سيدفعهم إلى عدم وضع أموالهم في المصارف».
ومن المتوقع أن يصل إلى لبنان الأسبوع المقبل، مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد كوهين، للإطلاع عن كثب على كيفية تطبيق القانون الأميركي لبنانياً، وللتشديد على ضرورة الالتزام بمندرجاته. في حين كان من المقرّر أن يوفد كوهين إلى بيروت مساعده دانييل غلايزر.