بين الميدان والانتخابات… حزب الله عصيّ على الكسر
هتاف دهام
نجح حزب الله في تغيير موازين القوى العسكرية على الأرض سواء في لبنان أو في سورية إلى جانب الجيش السوري في الحرب ضدّ الإرهاب بكلّ أشكاله. لم يكن حزب الله ليستمرّ في «جهاده» لولا البيئة الحاضنة للمقاومة. استطاع أن يثبت وجوده في الميدان السوري، وأن يُنجز الاستحقاق البلدي في البقاع والجنوب وجبل لبنان. لم يشغله تدخله في سورية عن واجباته في تعزيز وتنمية بلداته. فحقق انتصارات أكدت صوابية خياراته.
لبّى جمهوره نداء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بكثافة الاقتراع والالتزام بلوائح التنمية والوفاء. تدخل السيد في الانتخابات، لأنّ لعبة البيئة المحيطة به التي يظهرها أيّ صندوق اقتراع هي جزء من مشروع الردّ والمواجهة. يؤكد صندوق الاقتراع الشرعية الشعبية. والشرعية الشعبية أكبر ردّ على كلّ عمليات الاستهداف والحديث عن تململ في بيئته.
حرصت حارة حريك على إجراء الانتخابات البلدية من دون أن تتسبّب بأيّ شرخ ضمن مجتمع المقاومة. أكدت التحالف مع حركة أمل. أخذت برأي الكثير من العائلات الجنوبية والبقاعية. أظهر الأداء الانتخابي أنّ السلاح لا يؤثر في العملية السياسية، وتجلّى ذلك بحرية الترشيح والانتخاب والمنافسة، حتى كادت بعض اللوائح تطيح بلائحة حزب الله وحركة أمل، كما حصل في بلدة كفرمان وغيرها، من دون أن يلجأ إلى أية ضغوط.
يُنظر إلى النتائج التي تتحقق من أية انتخابات من زاوية الربح أو الخسارة، لأنّ كلّ معايير الانتخابات في العالم تستند إلى ذلك. ولكن لأنّ حزب الله هو الذي يُقرأ، ولأنه حقق نصراً في كلّ المناطق التي خاض فيها معارك انتخابية، وفي كلّ الخيارات التي انتهجها حتى التي كان فيها مقاطعاً، كان المطلوب من ماكينات مسلطة أن تبحث في ثنايا هذا النصر عن هزيمة افتراضية. وصارت نسبة الاعتراض بشكل عام في وجه حزب الله وحركة أمل، حيث التحالف بينهما، أكثر وضوحاً ورغبة بالتعبير عن نفسها.
من هذه الزاوية، يمكن القول إنّ حزب الله استعاد بلدية بريتال من أمينه العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي بعشرات الأصوات. وفي مدينة بعلبك حصلت لائحة بعلبك مدينتي برئاسة غالب ياغي العضو في المجلس الوطني في 14 آذار على 45 من الأصوات. وفي برج البراجنة فاز المخاتير الخمسة المدعومون من النائب السابق باسم السبع. وحصلت اللائحة المضادّة للائحة التنمية والوفاء على 40 من الأصوات.
لا تبنى اجتهادات هؤلاء على وقائع ملموسة. تختلف حساباتهم عن حقائق الأمور. أكدت الانتخابات البلدية أنّ المجتمع المقاوم يحتضن حزب الله سياسياً وعسكرياً. وهذه أهمّ رسالة وجّهها هذا الجمهور في زمن حصار الضاحية الاقتصادي والمالي والملاحقة.
يقاتل حزب الله في سورية ضدّ الإرهابيين والجماعات المسلحة دفاعاً عن لبنان قبل سورية. يقدّم عشرات الشهداء. تضجّ قراه في الجنوب والبقاع والنبطية والضاحية الجنوبية بالتشييع والمشيّعين. يُضطهد من الولايات المتحدة الأميركية. تُفرض عليه وعلى بيئته الحاضنة عقوبات مالية قاسية. يُصنّف إرهابياً في عدد من المؤسسات والمنظمات الإقليمية والأميركية والأوروبية. فقد حزب الله أحد أهمّ قادته القائد الشهيد مصطفى بدر الدين السيد ذو الفقار ، وقبله الشهيد الحاج علي فياض علاء البوسنة وقبلهما الشهيد أبو محمد الإقليم وكثيرين غيرهم. اضطر البيت الأبيض أن يصدر بياناً باسم الناطق الرسمي جوش ايرنست جاء فيه «أنّ المنطقة التي قتل فيها بدر الدين في دمشق لم تكن فيها أية طائرات للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة».
استطاع حزب الله مالئ الدنيا وشاغل الناس تحت كلّ هذه الظروف الضاغطة أن يخوض انتخابات بهذا المستوى من الاتساع والتشابك والتداخل. رَبح وأثبت أنّ بيئته لا تزال على ولائها وإيمانها ومحبتها، وأنّ الجمهور الوطني يزداد التصاقاً وإخلاصاً لمقاومته وحزبه. وبالتالي جدّد الحزب التأكيد أنه وجمهوره عصيّان على الكسر وعلى ضرب الانتصارات، وكما في الميدان كذلك في الانتخابات.