أشدّ حزناً من الماء
جمال العفلق
عاش نحو خمس وسبعين سنة وأرضه محتلة.
عاش نحو خمس وسبعين سنة… ينتظر فرسان العروبة والعرب.
عاش نحو خمس وسبعين سنة… يجدل من حروف اللغة بنادق للمقاومة.
عاش ينتظر لكنّه اليوم سيعيش أبد الدهر لأنه لم يقبل أن يسلّم مفاتيح أرضه للاحتلال، ولم يسلّم تاريخه وتراثه، ولم يسلّم للهزيمة رغم المرارة والألم.
عاش سميح القاسم حياته مثل غيره من المقاومين، ليبقى أبد الدهر… فهو القائل:
ولدت ومهدك أرض الديانات
مهد الديانات أرضك
مهدك، لحدك…
اليوم لا عزاء لنا إنْ بقينا على حدود فلسطين ننتظر ونترقّب ساعة الحسم، نودعك وأنت الباقي وهم الذين رحلوا – نودعك وأنت المقاوم – والصابر والمتفائل والداعم – كم من الكلمات كتبت؟! فمن حافظ على تاريخ أمته ووثق جرائم الاحتلال الصهيوني وفضح من تواطأ على هذه الأرض هو كمن أسقط أسطول طائرات معادية.
بلى، كنت تنتظر الفتح والتحرير، ورحلت وبقينا نحن في الانتظار مؤمنين بالنهج المقاوم، مؤمنين بأصحاب سلاح الحق، فمنهج الباطل المظلم طال وجوده على أرض الديانات والمقدسات.
يسعدني أن أنقل إليك خبراً أنت تعرفه، ولن يدهشك إنْ سمعته، لكن يجب أن أخبرك به.
اليوم قال السيد أوباما إنّ مقتل صحافي أميركيّ على يد «داعش» صدم ضمير العالم كله. اليوم قال لنا السيد أوباما إنّ العالم لا يزال فيه ضمير. وكم ناشدت أنت يا سميح القاسم العالم والضمير الإنساني كي يستفيق للحظات لأجل أطفال فلسطين؟
لأنني لا أجيد تقديم العزاء، ولأنني مؤمن بأننا نحن المستضعفين في الأرض خالدون إنْ بقينا على مواقفنا، وبأننا سنعيش أكثر مما سيعيش قاتلنا، وبأنّ علينا عهداً وميثاقاً أن نحفظ دماء شهداء المقاومة ونحفظ الأرض والعرض، أن نحمي الإنسانية من طاغوت العصر، أعدك بأنني لن أغنّي للسلام… مثلما كتبت أنت، وكيف نغني للسلام وهم يتمنّنون علينا بجزء من أرضنا التي سلبوها؟!
كيف نغني للسلام ومال من يقولون إنهم عرب يُدفع لقتل أهل العراق وسورية ولبنان وفلسطين؟!
كيف نغني للسلام وخرج علينا من يقول إن القرآن العربي يجب تصحيحه، وإنّ «خليفة» المسلمين لهذا العصر يصف مرتزقته بأنهم ملائكة من السماء؟!
كيف سنغني للسلام وفي بيروت من حمل الخنجر المسموم لطعن المقاومة؟!
كيف سنغني للسلام وفلسطين تذبح… والطائرات الصهيونية تقصف بيوت عوائل القادة بحجة أنها تملك معلومات عن وجودهم في تلك البيوت، وهي كاذبة مثل طبيعتها الإجرامية، لكنها تريد زرع الخوف في صدور المقاومين بقتل طفلة لم تتجاوز الشهور الستة من عمرها.
سنبقى نقاوم بالخنجر، بالحجر، بالبندقية، سنبقى نقاوم… فالذي صدم السيد أوباما بحساب الأرقام مثلما اعتاد أهل الدولار هو شخص واحد يحمل في جسده ستة ليترات من الدم ودمه أحمر مثل دمنا، فهل حسَبَ السيد أوباما كم ليتراً من الدماء دفعنا في هذه الأرض حتى الآن؟ وكم إنساناً أهمّ من الصحافي الذي حزنّا بالتأكيد على قتله، ليس لأنه أميركيّ، بل لأنّ الإنسانية تذبح.
سميح القاسم وداعاً… سوف نردّد دوماً رسالتك الى غزاة لا يقرأون… ونردّد رسالتك الى بغاة لا يفقهون… فهذه الأرض لنا وسنعيد المجد من بغداد الى القدس عبر دمشق وبيروت.