من ربط البحار الخمسة.. إلى ربط الدول الخمس
غسان يوسف
هل تكون حلب هي التي وحدت الأطراف المتحاربة في المنطقة؟ سؤال يُطرح اليوم مع بدء التعاون، الذي رأيناه ما بين جميع الأطراف. إيران، الحليف الطبيعي لروسيا وسورية، فتحت قواعدها للقاذفات الروسية. العراق سمح للقاذفات الروسية «تو ـ 22 إم3» و«سو ـ 34» بالمرور عبر أراضيه وضرب الإرهابيين في سورية. أما بالنسبة لتركيا، فيقول برلماني روسي، إنّ تركيا قد تمنح قاعدة «أنجرليك» الجوية لاستخدامها من قبل الطيران الحربي الروسي، في عملياته ضدّ الإرهابيين في سورية، وإنّ القرار، بهذا الشأن، يمكن أن يُتخذ على خلفية موافقة كلّ من سورية وإيران على استخدام سلاح الجو الروسي لقاعدتيهما، حميميم وهمدان.
أمّا بالنسبة للولايات المتحدة، فيقول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أنّ «روسيا والولايات المتحدة تقتربان من إيجاد صيغة ستسمح بإعادة السلام إلى حلب». مضيفاَ: «أننا دخلنا مرحلة نشطة من المفاوضات مع الشركاء الأميركيين في جنيف وعمّان. كما أننا على اتصال دائم مع واشنطن.. ونحن نقترب، خطوة بعد أخرى، من صيغة مشتركة. وأنا أتحدث هنا فقط عن حلب حصراً، ستسمح لنا بأن نبدأ العمل معاً من أجل استعادة السلام على هذه الأرض، لكي يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم».
كلام شويغو يناقض مع ما صرّح به روبرت مالي، منسّق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج، وهو الذي يشغل أيضاً، منصب مساعد الرئيس الأميركي، في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي» يؤكد فيه أنه إذا فشل التعاون بين الجانبين، فإنّ الولايات المتحدة ستواصل تزويد المعارضة السورية بالأسلحة، على الرغم من أنها تدرك جيداً أنّ هذا الأمر يؤدّي إلى إطالة أمد النزاع المسلح إلى أجل غير معروف! ليكشف في تصريحه هذا، النوايا الأميركية الحقيقية في سورية، وأنّ الولايات المتحدة هي من تؤجّج الحرب فيها. ويؤكد ما كانت تقوله مراكز صنّاع القرار والتقارير الصحافية، من أنّ الداعم الأكبر للإرهاب في سورية هو الولايات المتحدة، الأمر الذي يؤكد ما قاله المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، من أنّ الرئيس أوباما والمحتالة هيلاري كلينتون هما من أسّسا «داعش». وما ينطبق على «داعش» ينطبق على المجموعات الإرهابية الأخرى.
لنعد إلى العوامل الأساسية، التي ساهمت في هذا التغيّر الجوهري في مواقف الدول المعنية بالأزمة السورية، خصوصاً تركيا، قد يكون السبب الرئيس هو محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرّض لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الخامس عشر من الشهر الماضي، واكتشافه أنّ أصدقاءه المفترضين، أيّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية الإمارات والسعودية بالتحديد كانوا هم الذين تآمروا عليه، لا بل يريدون قتله وتصفيته.
ربما لم يكن أردوغان يتوقع أن يأتيه الطعن ممن كان بالنسبة لهم حصان «طروادة»، الذي حملهم جميعاً إلى سورية لتحقيق مطامعهم في السيطرة عليها ونقلها من محور طهران ـ موسكو، إلى محور ـ واشنطن ـ أنقرة ـ الرياض، وأن يكونوا هم من سيغدر به ويتمنّون موته!
أردوغان، بطبعه الأحمق، وردود فعله السريعة، لم يجد سوى موسكو حليفاً قوياً يستطيع أن يؤدّب الأصدقاء ـ الأعداء في الغرب، فكانت الزيارة إلى «الصديق» فلاديمير بوتين.
وعلى اعتبار أنّ الغرب المنافق، برأي أردوغان، يتعامل مع إيران من تحت الطاولة، ويهاجمها إعلامياً من فوقها، كان لا بدّ من توطيد العلاقة مع حليف موسكو الرئيس في المنطقة، وعدو الغرب، لتكون زيارة ظريف إلى أنقرة مقدّمة لزيارته إلى إيران، ليكتمل المثلث الجديد: روسيا، إيران وتركيا!
لكن السؤال هل تنجح خطة أردوغان في بناء هذا المثلث، من دون تقديم تنازلات في سورية والانسحاب تدريجياً من حلف «الناتو» وفتح قاعدة «أنجرليك» أمام القاذفات الروسية؟!
علي بن يلدريم، رئيس الوزراء التركي الحالي، يجيب عن هذه التساؤلات بإعلانه خطّة لحلّ الأزمة في سورية، وتذليل المشاكل مع كلّ من سورية والعراق، كما حدث مع كلّ من روسيا و«إسرائيل».
إذاَ، نحن اليوم على أعتاب تغيّر إستراتيجي في المنطقة، يبشّر بانهيار أحلاف وقيام أخرى، يكون قطب الرحى فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اقتنع، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، أنّ كلّ سياسته السابقة كانت خطأ وأنّ ما قدّمه الرئيس بشار الأسد، أيام الودّ السوري التركي، كان الأفضل!