جمهوريو فرنسا في حلب و«فيون» يمهّد
روزانا رمّال
منعطف لافت خلط الأوراق على طاولة الانتخابات الرئاسية الفرنسية من اليمين الى يمين الوسط في فرنسا، بعدما كشفت آخر استطلاعات الرأي عن صعود ملحوظ للمرشح فرانسوا فيون. وهو المرشح عن حزب «الجمهوريون» الفرنسي. والمرشح فيون ليس غريباً عن الحياة السياسية الفرنسية فهو الرئيس السابق للوزراء في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي 2007 -2012، وكان يوصف بتوازنه السياسي وبمواقفه المعتدلة تجاه قضايا محلية وخارجية تعني الدولة الفرنسية ومصالحها.
يقول خبير بالشؤون الفرنسية لـ«البناء» عن الأجواء المتفائلة التي تحيط بالمرشح فيون كمرشح أوفر حظاً في المحطة الرئاسية المقبلة إن كل شيء وارد من الآن حتى موعد الانتخابات فشركات الإحصاء الانتخابي قد تلعب أكثر من دور من أجل العبث بمشاعر المواطن الفرنسي. وهي هنا تغدو كسيف ذي حدّين فبعض هذه النسب المرتفعة تجعل الاطمئنان يحول دون انتخاب المرشح هذا أو ذاك ويفقد الحماسة في التوجّه لصناديق الاقتراع واعتبارها معركة لدعم الحزب الأوفر حظاً، هذا من جهة. ومن جهة أخرى يمكن اعتبار المثال الأميركي درساً وافياً لكي ينسف التوقعات التي أرختها شركات الإحصاء الأميركي والجهات المتعددة، فكلها صبّت باتجاه المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وإذ بالنتيجة مفاجئة للكل. ها هو دونالد ترامب يستعد لتسلّم زمام الامور في البيت الابيض بعد أيام، ويختم «التغيير في فرنسا مقبل بالتأكيد، وهو الأمر الذي لا بدّ من اعتباره بحكم «المسلم» بالمرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ السياسة الفرنسية لا تزال واقعة او تابعة الى المنظومة الغربية المتمثلة بالموقف الأميركي وإذا كانت هوية الرئيس الأميركي الحالية قد اتضحت واتضحت معها سياسته الخارجية أيضاً فإنّ هذا لا شك سيؤثر على الناخب الفرنسي المتأثر أصلاً بالقيادة الأميركية والمنسجم معها سنوات».
وتبعاً لهذا الاعتبار، يبدو أنّ الحزب الجمهوري ملتزم ومنكبّ على الاستفادة من المرحلة التي تسمح له تسويق منهج مرشحه فرنسوا فيون، خصوصاً تجاه الشرق الاوسط، وما اعلن عنه لجهة العلاقة المنشودة مع سورية ورئيسها بشار الاسد، وفق ما يعتبره اولوية لمكافحة الارهاب الذي خض الأمن الفرنسي بشكل كبير واتضح معه موقع سورية وتأثيرها المباشر على الأمن الأوروبي. كل هذا مع ما كان قد كشف عن الصداقة والود الموجود بين الرئيس الروسي وفيون وهو الأمر نفسه الموجود بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
والى حلب تحديداً وصل وفد فرنسي برلماني الخميس 5 كانون الثاني، بهدف نقل حقيقة ما يجري فيها إلى الرأي العام الغربي والأجواء التي يعيشها الشعب في المدينة، حسبما أعلن مؤكداً أهمية بدء حوار بين كافة أطراف الأزمة السورية.
رئيس الوفد تييري مارياني كشف أنهم وجدوا صورة مغايرة لما ينقله الإعلام الغربي عن المدينة، مشيراً إلى «التفاؤل والمعنويات العالية التي شاهدها لدى السوريين وعزمهم على إعادة إعمار وطنهم».
وفي ختام زيارته للمدينة السورية قال مارياني إن «الهمّ الأساسي اليوم هو كيفية مساعدة سورية في إعادة الإعمار وخطر الإرهاب واحد أينما وجد…!
جولة الوفد أرخت جواً من الاهتمام الواضح بالأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في سورية مع تركيز على تفقد المؤسسات الصحية والإنسانية والمستشفيات، واللافت ما لاقاه من تعاون مع الدولة السورية والجمعيات المدنية والرسمية بين هلال أحمر وفرق تابعة للجيش السوري وغيرها مما أمنته الدولة السورية لتزويد الوفد بأكبر قدر ممكن من المعلومات ونقلها الى المعنيين في فرنسا.
الأزمة السورية أكدت مركزيتها في السياسة الدولية وشرحت تلقائيا مع تقدم السنوات أسباب تمسك القوى الدولية بأخذها نحو مجريات تتناسب مع ما تتوخاه في الشرق الاوسط. فالقوى الاساسية كأميركا وروسيا كانت الاكثر حضوراً في الساحة السورية، لكن من دون أن تستطيع التخلص من تداعيات الأزمة على السياسة المحلية وبعض تفاصيل السياسة اليومية فيها ومنها المفصلي أيضاً ففي الحالة الأميركية لعبت سورية بكواليس الانتخابات الأميركية بطريقة غير مباشرة ففي وقت تجهد أجهزة المخابرات الأميركية لتأكيد تدخل روسي في الانتخابات الأميركية تبدو روسيا حاضرة لأول مرة في محطة من هذا النوع، وبالواقع فان الحضور الروسي ليس الا ترجمة لما استحوذت عليه روسيا من ثقل ووجود كرّسته الازمة السورية او جيّرته لها كقوة عالمية كانت تسعى الى الوصول إليها بالسنوات الاخيرة او إعادتها على الساحة السياسية الكبرى ولا يختلف اثنان اليوم على ان روسيا اليوم للمرة الاولى بعد الاتحاد السوفياتي تحظى بمهابة الحضور وثقل التأثير في مجريات الاحداث التي ترسم السياسات الدولية.
دخلت روسيا السجال الأميركي السياسي من بوابة الدور الذي منحتها اياه سورية عبر أزمتها ولعبت دوراً في تحفيز الناخب الأميركي ضد سياسات أوباما الخارجية وأهمها ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والعلاقة مع الدول الخليجية وإشكالية الدعم الأميركي اللامتناهي لها اضافة الى ميل أميركي لانفتاح على مرحلة جديدة ترفع اولوية تعزيز الحركة الاقتصادية.
فرنسا التي لم تمانع في التحول نحو موقف انفتاح شامل مع ايران وانعطافة سياسية واضحة تجاه الملف الايراني النووي رغم موقفها الحادّ لسنوات، قادرة اليوم عبر التغيير الذي يحكم الرئاسة أن تكون جاهزة للتوجه نحو النظام السوري ويبدو الوفد الجمهوري الفرنسي الذي زار حلب قد أجاد استخدامها كورقة انتخابية كبرى لتغدو سورية لاعباً جديداً بالانتخابات الفرنسية بعد الأميركية.