1949 ـ تنفيذ أحكام الإعدام 8
اياد موصللي
نقلنا الى سجن الرمل بعد صدور الأحكام بحقنا ووضعت في القاووش رقم 3 مع الرفقاء: عبد الهادي حماد وداد شلبي..
دخلنا القاووش وتلقانا من فيه بالودّ واللطف ثم مددنا البطانيات في وسط الغرفة ونمنا بجانب بعضنا. بعد ثلاثة أيام وبتاريخ 19/7 سنة 1949 في الساعة الثالثة صباحاً استيقظت على يد تنكزني. رأيت السجين محمد المغربي الذي اشار إليّ بالنهوض وكان يقف بجانبه عدد من السجناء تجمهروا قرب باب الغرفة ينظرون من الشراقة عبر مرآة صغيرة يمدّونها وينظرون من خلالها إلى ما يجري في الجانب الآخر، توجهت نحوهم وكان السجناء يعرفون انّ عبد الهادي له شقيقان محكومان بالإعدام، لذلك حرصوا على الهدوء كي لا يشعر، نظرت في المرآة فوجدت بعض رفقائنا المحكومين بالإعدام ينقلون من زنزاناتهم تمهيداً لأخذهم إلى مكان تنفيذ الأحكام، وأفسح لي السجناء للنظر فرأيت كاهناً وشيخين وشيخ درزي وعدد من رجال الدرك يقفون في الممرّ، وبعد قليل فتحت أبواب الانفرادات شاهدت الرفقاء محمد شلبي ومعروف موفق وعبد الحفيظ علامه ومحمد الزغبي الذين أمضوا عدة دقائق مع رجال الدين ثم أخرجوهم من البناية مكبّلي الأيادي، فمشوا بخطوات ثابتة طبيعية ولم أعد أراهم، فأدركت انّ آلة القتل قد تحركت، وانّ رفقاءنا سيكونون ضحاياها.
بقية المحكومين من رفقائنا لم أرهم لوجودهم في بناية أخرى، ولكني أيقنت أنهم هم أيضاً ذاهبون إلى درب الشهادة، عدت إلى مكاني دمعت عيناي ثم تساقطت الدموع بغزارةلا سيما وأنا أنظر إلى عبد الهادي الممدّد بجانبي وشقيقاه في ظني بين الضحايا، كان يغط في نوم عميق جلست في مكاني القرفصاء وبعد حوالي نصف ساعة تقريباً سمعت صوت إطلاق الرصاص من مكان قريب علمت في ما بعد أنه الرملة البيضاء خلف مقابر مار الياس بطينا والمكان ليس بعيدا ًعن سجن الرمل في الطريق الجديدة، دوّى الرصاص وانهمرت دموعي غزيرة وكنت أخفي صوتي وحشرجتي لئلا يسمعني عبد الهادي ويعرف انّ اخويه قتلا شهيدين،لكن يبدو ان غزارة دموعي سقط بعضها على وجهه ففتح عينيه فرآني أبكي فنهض وجلس بجانبي ومدّ نحوي يده ومسح وجهي وقال لي فوراً: لقد استشهد رفقاؤنا أليس كذلك؟ لماذا تبكي يا اياد؟ أولم تكن دماؤنا وأرواحنا فداء لعقيدتنا ووطننا؟ أولم يكن هذا طريقنا من البداية؟ أولم يسبقنا الزعيم إليه ؟ازدادت دموعي انهماراً… رجل شقيقاه يقتلان وهو يهدّئني أنا وبأعصاب صلبة وروح عالية، ما أروع عبد الهادي حماد ورحم الله عباس وسعيد حماد. استيقظ كلّ من في القاووش من السجناء وبدأوا ينظرون إلى عبد الهادي بإعجاب وتقدير، ثم قال لي عبد الهادي: نم يا رفيق اياد هذا هو طريقنا وقد سبقنا زعيمنا اليه
آه… أنطون سعاده… ماذا فعلت؟
في اليوم الثاني بدأت تصلنا من الحراس أخبار ما جرى، نفذ حكم الإعدام بستة فقط من رفائنا، اختيروا حسب التنوّع الطائفي والشهداء هم: محمد شلبي، محمد الزعبي، معروف موفق، عباس حماد، أديب جدع، عبد الحفيظ علامه. وكان رفقاؤنا الشهداء الأبطال وهم في الطريق إلى ساحة الإعدام يضحكون وينشدون… سورية لك السلام بلادي بلادي فداك دمي… كان عباس حماد قومياً بالفكر لم ينتسب للحزب نظامياً فطلب من الرفيق محمد شلبي ان يؤدي القسم الحزبي أمامه وهذا ما حصل وأقسم عباس حماد اليمين ليكون مكملاً واجباته الحزبية الدستورية. قبل استشهاده أقسم اليمين في الطريق وقال: الآن سأموت مرتاح البال. أعود فأسأل: أنطون سعاده… ماذا فعلت؟