الإنتاج الدرامي السوري في دوّامة الأزمة
آمنة ملحم
لم يكن مسلسل «الندم» ليقف مختالاً بنفسه شبه وحيد على ضفة تميّز الدراما السورية لموسم 2016، لو أنه جاء قريناً لـ«ضيعة ضايعة» أو «غزلان في غابة الذئاب» على سبيل المثال لا الحصر في الموسم الدرامي ذاته. إلا أن التراجع الذي شهدته الدراما السورية مقارنةً بالسنوات الأخيرة ما قبل الحرب، جعل من التميّز طفرة قد تلحق بعمل واحد، وتساق بعده الأعمال كأعداد مكمّلة للطبق الدرامي بعيداً عن جودة المحتوى.
الدراما السورية تعرّضت خلال الأزمة لهزّة عنيفة كما سورية كلّها على حدّ تعبير المخرجة رشا شربتجي. وتابعت: لقد هبطت الجودة وارتفع الكمّ. كنت أخجل أحياناً من بعض الأعمال المقدّمة. والمشكلة تبدأ من النصّ.
ولم يعد خافياً على أحد أنّ الأزمة الاقتصادية الملمّة بالبلد تعدّ أبرز عوامل ضعف الدراما. حيث يرى الفنان محمد قنوع أنّ تأثيرها تجلّى بتخوّف شركات الإنتاج وتردّدها بالعمل نتيجة مقاطعة المحطّات التلفزيونية للشراء.
كما ترى الفنانة وفاء موصللي أنّ الأزمة دفعت بكثيرين من المنتجين للهجرة خارج البلد، ما انعكس سلباً على الدراما. ليؤكد الفنان باسم ياخور انقلاب حالة الدراما السورية من مدلّلة لدى المحطات العربية، إلى دخولها بحالة شبه موت سريري من ناحية البيع، إضافة إلى الحصار الذي تشهده البلد والذي حرمها كثيراً من فرص التسويق، لا سيما أنها منتج تصديريّ برأي الفنان محمد خير الجراح.
مع قلّة حيلة صنّاع الدراما وضعف الخيارات أمام الفنانين، وضعف الرأسمال المطروح، وجد الكثيرون نافذة أمل لضمان استمرار الظهور السوري على الشاشات بـ«تفنغة» الدراما العربية المشتركة كما يسمّيها الفنان محمد خير الجراح. معتقداً أنها من اختراع السوريين السبّاقين بالطروحات. ويوافقه الرأي الفنان باسم ياخور الذي يرى فيها دراما هجينة لكن الدخول في غمارها أحياناً خيار لا مفرّ منه أمام قلّة الفرص.
وبمعادلة أخرى، أقحمت بعض شركات الإنتاج الفنانين العرب بالأعمال السورية حتى ذات طابع البيئة الشامية منها تحت ذريعة المبرّر الدرامي، ولكن الدفاع عن رأس المال وتأمين أرباحه، يبقيان الحقيقة التي لا تخفي نفسها في هذا الخيار والذي أثار في أحيان كثيرة حفيظة الفنانين السوريين تجاه صرف شركات الإنتاج للجزء الأكبر من ميزانية تلك الأعمال مقابل استقطاب النجوم العرب، ضاربين عرض الحائط بأجور السوريين. وهذا برأي الفنانة غادة بشور يشكل سبباً للاعتذار عن أعمال عدّة نتيجة المعاملة بمبدأ «الخيار والفقوس» في الأجور ما بين السوريين والعرب. لترى الفنانة دانا جبر أن دخول العرب لا يشكل ضيراً فلكلّ مكانه. ولكن الفنان السوري هو من يقدّم للدراما العربية الكثير، ويدعم وجود الفنان العربي عبر إدخاله في درامانا لا العكس.
ترى المخرجة رشا شربتجي أنه مع توفّر النصّ الجيد والنوعية الجيدة يعود ألق الدراما وتعود لتفرض نفسها في السوق مرّة أخرى. وعندما تقدّم شركات الإنتاج دعماً نفسياً ومعنوياً ومادياً تتخطّى الدراما مشكلة التسويق، وهذا ماحصل مع مسلسل «شوق» لشركة «إيمار الشام»، فهناك أعمال تفرض نفسها، متمنّية تكاتف كافة الجهود لنعود بالإنتاج الجيد والدراما الناجحة.
وفي حين رأت الفنانة وفاء موصللي أنّ لمحة أمل هلّت هذا الموسم مع عودة بعض المنتجين إلى سورية وإيمانهم بدراماها، متمنّية عودتها إلى الواجهة لتبقى سورية الأولى بالدراما، ترفض الفنانة غادة بشور فكرة وجود أيّ تحسّن في الإنتاج الدرامي أو الأجور، رافعة عتبها على شركات الإنتاج. ويرى الفنان محمد قنوع أنّ الحل الأهمّ يكون في إيجاد محطات تلفزيونية سورية تشتري الأعمال الدرامية وتسوّقها.
ويبقى المنتج حجر الأساس في لعبة الدراما. فإما أن يدفع بها إلى الأمام لتعود إلى مكانتها المرموقة… أو يبقيها على حافة الانتظار.