لِمَ تسارع إيران لنجدة القطريين؟
روزانا رمّال
تحتلّ سياسة إيران الانفتاحية مساحة واسعة من الجدل المحلي والخارجي، ففيما تبدو هذه السياسة متعلقة بشكل السلطة الحاكمة وهوية الفائز بالانتخابات الرئاسية يعتبر البعض أنها ترجمة لرغبة القوى الشرعية او الروحية التي يقرّرها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. وهو الذي يرسم شكل السياسة على ما يعتقد كثيرون، وهذا الجزء هو أكثر ما يجعل من تداول السلطة في إيران محط جدل ومبارزة بين المحافظين والإصلاحيين ومناصريهم في الداخل والخارج.
وبغض النظر عن شكل السلطة وخلفياتها لدى القيادة الروحية وتجيير نقاط القوة لصالح فريق دون الآخر، فإن هذا لا يمنع اعتبار الخيارات الإيرانية في السنوات الأخيرة لجهة ادارة العملية السياسية ودعم الحكومة القادرة على التفاعل مع متغيرات الخارج كانت قراراً ناجعاً. فإعادة انتخاب الرئيس روحاني للمرة الثانية هو تعبير عن نيات تمسك الإيرانيين بسياسة الانفتاح التي أثبتت نجاحها بتقديم صورة مغايرة عن إيران مقدمة أفضل نماذج الدبلوماسية الإقليمية حديثاً مع الغرب مقدّمة إياها ساحة اقتصادية حيوية بمقوّمات عالية.
الأزمة الإيرانية – السعودية هي الأكثر خطورة على مستوى الأزمات في المنطقة. فهي نقطة الخلاف الوحيدة القادرة على تغيير مشهد السياسة برمّته إذا ما حصل أي خرق باتجاهها، لكن إيران التي تدرك عمق الخلاف، لطالما دعت للحوار مع السعودية، واستغلت المحافل الدولية مثل «مؤتمر ميونخ للأمن» و«مؤتمر دافوس» وغيرهما.. كمناسبات للتعبير عن هذه الرغبة لحل أزمات المنطقة، لكنها قوبلت برفض سعودي حادّ ورغم حجم الإساءة بحق إيران بدت مستعدة للعفو عن كل ما مضى إذا كانت هناك نية لحوار جدي سعودي ما يشكل نقطة تساؤل كبيرة.
يرى البعض في هذه الإيجابية الإيرانية، تصرّف «المنتصر» الذي يتعالى عن الجروح كلها لمعرفته بالمكاسب التي حققها الغير قابلة للاهتزاز، فكيف بالحال إيران التي استطاعت ضمان حقوقها النووية دولياً والاعتراف بها، وما لهذا من قدرة على تجييرها كمرجعية إقليمية نافذة تحيط بالدول العربية جغرافياً وتتداخل نفوذها بمصالحهم المباشرة؟
الانفتاح الإيراني على الغرب وتوافد الوفود الاقتصادية الأوروبية إليها جعلاها مقصد السنوات المقبلة وكرسها دولة جدية في إعادة تموضعها على الخريطة الدولية التجارية والاقتصادية وطي صفحة سنوات العزل. وهي على ما يبدو مستعدة لاستكمال دور التقارب نفسه في الازمة القطرية السعودية، بدلاً من أن تتخذ الحيطة والحذر من مبدأ التدخل كي لا تستعر النار أكثر خليجياً فيأتي إعلان مسؤولين إيرانيين عن مد يد العون للشعب القطري في نيات حصاره التي بدأتها المملكة السعودية خير دليل على أن إيران ليست على الحياد في هذه الأزمة، وأنها تدرك تماماً أن زجّ اسمها في اتهام قطر بأفضل العلاقات معها كدولة إرهابية بالتصنيف السعودية لن يمنعها من القيام بواجبها السياسي ولا حتى من الاستفادة من الظروف التي تصبّ في خانة مخططها الانفتاحي أيضاً.
بهذا الإطار بثت وسائل إعلام عربية وأجنبية مشاهد القلق الذي يعيشه القطريون منذ لحظة إعلان الحرب الدبلوماسية على بلادهم. وهو قلق يتمثل بالعزل الاقتصادي وإدخال البلاد بدوامة من الفوضى التي تهدد مصير العائلات. وبين هذه المشاهد حالات «تسوّق واقتناء حاجيات مضاعفة وتفريغ الأسواق من المواد الأولية اليومية بشكل سريع، ما يوحي أن البلد تتحضر لكارثة. فالازمة هذه المرة لم تقتصر على العلاقات الدبلوماسية بل تطورت لتشمل حصاراً اقتصادياً وحظراً جوياً بكل ما للكلمة من معنى من قبل دول عربية بارزة تعتمد قطر عليها في الملاحة الجوية والتجارة والخدمات بشكل متفاوت هي السعودية والبحرين والإمارات ومصر إضافة الى مقاطعتها من كل من اليمن والحكومة المؤقتة الليبية وجزر المالديف وموريشيوس.
التهمة السعودية هي دعم قطر للإرهاب والجماعات المتطرفة، وسياساتها العدائية وتدخلها في شؤون الدول العربية، أمّا الدافع من وراء دعم إيران لدولة متطرفة فعلاً مثل قطر يعتمد ولا يزال على مبدأ تتحكم فيه «الجغرافيا» التي تجعل من قطر جارة قادرة على انشاء علاقات تجارية وازنة مع إيران وتقدّمها سياسياً في الملف السوري كحليف مباشر لتركيا ومعني أساسي بالأزمة مع الأميركيين كنقطة ارتكاز اقرب لحل الازمة السورية منه الى السعودية وما التموضع الإيراني بجانب قطر إلا تعبير أبعد من الازمة ويشمل دعوة لقطر بالاقتراب أكثر لمحور إيران والانخراط معه بأمان وسلام بعد تكشف تقاطع المصالح بين إيران وتركيا وقطر.
الأزمة الخليجية تؤكد مكانة إيران ونفوذها خليجياً، وعدم القدرة على الاستغناء عنها كدولة مركزية. ففي وقت تعلن السعودية مقاطعتها، لا يمكن لدول مثل الكويت والإمارات وقطر وسلطنة عمان حذو حذوها واعتبار القطيعة قدراً لا مفر منه، وبالتحديد في مسألة دولة الإمارات فهي مقيدة ومتضررة من هذا الخيار اكثر من غيرها، والتقارير تشير لعدد كبير جداً من الإماراتيين ذوي أصول إيرانية وعلاقات متجذرة من رجال أعمال إيرانيين دوليين يدرّون على البلدين مكاسب كبيرة.
تُسهم قطر في مجاهرتها بعلاقاتها الجيدة مع إيران ونية توسيعها في هذه الأزمة كمخرج لأسطولها الجوي الواقع ضمن القطيعة العربية ومنفذ اقتصادي تجاري في «إبراز» موقعها الأساسي في الخليج وتكريس دورها بما يجعل منها دولة لا يمكن الاستغناء عنها خليجياً وإعلانها «عصب» الحياة والموارد مهما كابر السعوديون.