اللقاء الشامي العراقي على الحدود بين الكيانين هل يكون خطوة على طريق مجلس التعاون المشرقي؟
محمد ح. الحاج
لا يمكن لأحد الادّعاء بأنّ استهداف العراق قبل أكثر من عقدين معزولاً عن استهداف الشام، وأيضاً العكس صحيح، فالشام والعراق توأمان يكملان بعضهما بعضاً، وفي ذلك مكمن القوة التي يدركها الغرب والعالم، وهذا ما دفع بالغرب ومعه أزلامه وأدواته في المنطقة لاعتبار أنّ اللقاء خط أحمر، وأكثر من تبناه من العملاء الأدوات هم بنو عبد العزيز بن سعود.
الوحدة بين أيّ من كياناتنا الممزقة ممنوعة، ومحرّمة في قاموس الغرب وبعض العالم، وهذا أمر بديهي، فالوحدة تؤدّي إلى قوة مهما كان شأنها، وهذه تستقطب أطرافاً أخرى إنْ هي كانت صادقة، وعليه ينشط الجميع في المعسكر المعادي للعمل على استمرار التجزئ، بل ومحاولة تكريس وتشجيع انقسامات جديدة على قواعد مستحدثة.
بلاد الشام التي كانت إلى أمد ليس بالبعيد وحدة جغرافية وشعبية متكاملة موحدة في دورتها الحياتية، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً عائلات تنتشر على امتداد الكيانات ، وحتى الاثنيات تتكامل بين أجزائها، هي الأقرب إلى الوحدة ولو بشكل كونفدرالي مؤسساتي بما تملكه من إرث حضاري وقابلية للاستمرار والانتقال خطوة إلى الأمام على طريق التكامل والوحدة.
إنّ أول مظاهر وحدة الحياة في منطقة جغرافية ما، هو سهولة الانتقال ويسر الحركة وتكامل العمل، دون عوائق أو موانع إلا ما كان منها طبيعياً، وبلاد الشام كما في وحدات جغرافية أخرى تتوفر فيها كلّ شروط التكامل البيئي والبشري وسهولة الانتقال وقرب المسافات وتواصل العائلات، وتنوّع المنتجات حسب تنوّع البيئة من السهول إلى الجبال إلى المروج والمساحات المروية إلى مناطق الرعي شبه الجرداء، ولقد استمرّت دورة الحياة فيها طبيعية على امتداد آلاف السنين وتداول الحكومات والحكام وصولاً إلى مطلع القرن العشرين حيث سقطت امبراطورية بني عثمان وباشرت ذئاب الغرب تنهش وتمزّق جسد الأمة وتتقاسمها، من ثم أقامت حراساً مخلصين على رأس الكيانات التي صنعتها وأقامتها، وهؤلاء حافظوا على الواقع من منطلق المحافظة على مواقعهم واسترزاقهم من العمالة.
انتقال البشر والغلال والثروات بين كيانات الأمة السورية هو ما يساهم في تطوّرها وكفايتها وانتقالها إلى مصاف الدول الكبيرة، فثرواتها وغلالها تكفي كلّ الكيانات وتفيض، وقدراتها الدفاعية إنْ تكاملت تشكل الدرع الكفيل بالدفاع عنها وحفظ سيادتها ووحدة استقلالها، والارتكاز إلى موروثها الحضاري يعيد لها ألقها وتطوّرها العلمي والبحثي، لكن كلّ ذلك مرفوض في عالم الغرب، وحتى في عالم الشرق والعربي منه على وجه الخصوص إذ أنّ من يعتبرون أنفسهم رأس العرب والعروبة يتخذون شعارهم العمل لمنع وصول اليد العراقية إلى الشامية والعكس، كما يعملون جاهدين على استقطاب مصر حتى لا تقف إلى جانب حليفها التاريخي والطبيعي من عهود التاريخ القديم… الشام.
الإدارة الأميركية التي سخّرت طاقاتها وقواها وما زالت في خدمة المشروع الصهيوني، وأقامت تحالفاً جلّه من الأعراب لمنع التقاء القوة العراقية والسورية، ولفرض منطقة عازلة على الحدود لحماية داعش واستمرار استثماره، لم تمنع نفسها من استخدام القوة في ضرب الجيش الشامي وحلفائه خلال التقدّم نحو الحدود، أكثر من مرة، وإطلاق أكثر من إنذار وتحذير لوقف هذا التقدّم، ومع ذلك واصل جيشنا تقدّمه بإصرار ووصل، وهذا حقه المشروع فهو على أرضه المنوط به الدفاع عنها، والتقى مع الحشد العراقي وأدّى الطرفان تحية الانتصار لبعضهما البعض، ونراها سابقة وفأل خير بعد أن نجح الأغراب والأعراب في توتير الأجواء قديماً بين الجيشين وكاد اللقاء بينهما أن يكون دامياً.
وللتذكير فإنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي قدّم لقيادات كيانات الأمة مشروع إقامة مجلس التعاون المشرقي لكيانات بلاد الشام، وهو لا يتناقض واستقلالية هذه الكيانات حالياً، لكنه يمهّد لوحدة المجتمع التي افتقدها بعوامل الوصاية الخارجية والتحريض وتكريس الفرقة على قواعد مختلفة، هذا المشروع لا يقوم على حساب أحد، بل هو لخير الجميع، تكامل اقتصادي وثقافي، وتوزيع للخير وليس الفقر، ويخلّص كيانات المنطقة من الوصاية والتبعية إذا ما أنجزت مؤسّساته القادرة على الفعل، من مجلس تمثيلي برلمان لكلّ الكيانات، وربما مجلس شيوخ أو مستشارين، ومجلس قيادة جماعية سياسي ، قيادة عسكرية مشتركة بعد توحيد العقيدة القتالية للدفاع عن هذا التحالف ومنجزاته، ومؤكد أنّ المشروع تضمّن الخطوط العريضة وترك للجهات المختصة إنجاز ووضع النظام المطلوب القادر على تحقيق الهدف السامي الذي يرجوه الجميع.
انّ استهداف الكيانين الشامي والعراقي بالتخريب من قبل الأعداء المتضامنين من أغراب وأعراب خدمة للمشروع الصهيوني يفرض على الكيانين وحدة في الموقف الدفاعي، ووحدة في الرؤية والتخطيط لمستقبل إنشاء قوة عسكرية غايتها الحفاظ على الوجود والسيادة والتقدم بوجه المؤامرات والتخريب الذي يستهدفهما، وأيضاً حدود مفتوحة لتكامل اقتصادي، ففيهما التنوّع الإنتاجي، الزراعي والصناعي يكمل أحدهما الآخر، وفي حال تمّ إنجاز هذين الأمرين واستقرار الأوضاع وتحقيق هزيمة المشروع المعادي الحالي، فإنّ ذلك كفيل بدفع كلّ من الأردن ولبنان إلى اللحاق بالمشروع فهو مجالهما وملجأهما الحيوي، وعامل استقرار على كلّ الأصعدة لكلّ منهما، الحدود المفتوحة، والانتقال السلس للمنتجات والثروات والأموال يكفل التقدّم والرخاء للجميع، ولن يجد الفلسطينيون بداً من الالتحاق ببيئتهم القومية الملتزمة قضيتهم منذ الأزل، والتي تحمّلت بسبب موقفها من هذه القضية الويلات والتضحيات، مقابل رفضها التخلي والحصول على المكافآت والرشاوى.
دول الغرب تتجه إلى الوحدة والتكامل وتجميع قواها لفرض سيطرتها واستمرار نهبها لثروات العالم، بينما نطالب نحن بوحدة بيئاتنا وتكامل قوانا للدفاع عن وجودنا واستمرار الحياة العزيزة الكريمة لشعبنا والانتقال به إلى حيث يستحق من التطور والحداثة، وهذا ما يدفع الغرب لمحاربتنا من أجل منعنا من الوصول إليه، ونرى مع كلّ الوطنيين المخلصين والشرفاء من أبناء أمتنا أنّ كلّ من يقف إلى جانب الغرب والأعراب في حربهم ضدّنا هو خائن لقضية الحق والعدل، وأنه مرتزق لا حق له بمشاركتنا الوطن وخيراته.
اللقاء الشامي العراقي على حدود البادية خطوة جدّ هامة، وهي كسر لقيد يمنع اللقاء وتجاوز للخطوط الحمر التي يريد العدو فرضها، فهو الخائف وليس نحن، لذا وجب علينا في قيادة الدولتين تكريس هذا اللقاء وتطويره والتمسك بمنجزاته واعتباره خطوة أولى على طريق تحقيق مشروع التعاون المشرقي لبلاد الشام، تذكير لا بدّ منه، نطلقه حباً بالوطن وإخلاصاً له فهل من مستمع…؟