انتهاء الدور الوظيفيّ لـ»داعش» فماذا عن الدور الكرديّ؟!
سعد الله الخليل
كيف تحوّل تنظيم «داعش» خلال أقلّ من عام من تنظيم يثير الخوف والهلع حول العالم، قادر على اجتياح الجغرافيا وعبور الحدود، إلى مجرّد مجموعات معزولة لا حول لها ولا قوّة، تتلقّى الصفعات من العراق إلى بادية الشام، وتتنازل عن آلاف الكيلومترات في البادية السوريّة بمعركة كسرت ظهر التنظيم الأكثر دمويّة في تاريخ الحروب الوظيفيّة التي شهدها العصر الحديث، والتي توحي بمستقبل مشابه لآخرة تنظيم القاعدة بعد الحرب الأفغانيّة؟
القراءة العسكريّة الدقيقة للظروف التي يمرّ بها «داعش»، مكّنت الجيش السوري وحلفاءه من اختيار التوقيت المناسب لضرب التنظيم في المقتل، بما يفقده القدرة على المناورة لإيجاد قواعد عسكرية وموارد تمويل جديدة ليفرض نفسه بقوّة على الساحة الإقليمية، كطرف قويّ قادر على خلط الأوراق يؤمّن حماية المصالح الأميركية على المدى البعيد.
نهاية 2016، رمى تنظيم «داعش» الإرهابي آخر أوراقه على الأرض السوريّة، وبالرغم من وصوله إلى مدينة تدمر نقطة الارتكاز الأقوى في البادية السورية، إلّا أنّه فشل بالإمساك بشريان استراتيجي يمتدّ من الحدود اللبنانية إلى الحدود العراقية مروراً بالمنطقة الشرقية، يجبر حلفاء سورية على تغيير قواعد المعركة بالرغم من تواجده بمناطق حسّاسة في جبهات القلمون وريف دمشق، وسريعاً تمكّن الجيش السوري وحلفاؤه والقوى الرديفة من إنهاء الحلم الـ»داعشي». ففي معارك تدمر بدا تحوّل تنظيم «داعش» من الهجوم إلى الدفاع، بل إلى الانهزام، واضحاً، ومع تثبيت النقاط في محيط تدمر بدأت ملامح معركة البادية الكبرى بالتبلور على الأرض.
سياسياً، شكّل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فرصة مواتية لضرب التنظيم، فرؤية ترامب تقوم على الاستثمار في قوى جديدة جناحاها الجانب الكردي المتمثّل بقوّات سورية الديمقراطية في الشمال السوري، وبقايا فصائل ما سُمّي يوماً بـ»الجيش الحرّ» في البادية، فضخّ في جسدها بعضاً من الروح الأميركيّة للإمساك بنقاط حسّاسة على الحدود السورية العراقية والسورية الأردنية، بما يضع خطوطاً أميركيّة حمراء تمنع القوّات السورية من الوصول إلى الحدود، وربط الجبهات السورية مع نظيرتها العراقية التي تشهد سيناريو مشابهاً لاستئصال التنظيم الإرهابي، اختُرقت الخطوط الحمراء عشرات المرات، وبالرغم من الغارات الأميركيّة التي استهدفت القوّات المتقدّمة باتجاه الحدود العراقية، تمكّن الجيش السوري وحلفاؤه من كسر الاحتكار الإرهابي للحدود السوريّة العراقيّة، والتقت القوّات السوريّة بالعراقيّة، وبذلك أسقطت الأحلام الأميركيّة بالتقسيم والفدرلة وغيرها من المشاريع التفتيتيّة.
في الشمال السوري، تزامن تقدّم القوات الكرديّة المدعومة أميركياً ودخولها إلى الرقة، مع تقليص الجيش السوري المسافة التي تفصله عن مطار الطبقة العسكري الخاضع للقوى الكرديّة وسيطرته على عدد من المحاور الهامّة، ما جعل الخيارات الكرديّة تتقلّص إلى خيار من اثنين لا ثالث لهما، فإمّا السير في الركب الأميركي وهو ما سيؤدّي بالتأكيد إلى المواجهة الحتمية مع الجيش السوري، كما حصل في محيط قريتَيْ شويحان وجعيدين شمال مدينة الرصافة، عقب سيطرة الجيش السوري على الرصافة، وتدخّل التحالف الأميركي بإسقاط المقاتلة السوريّة بعد مرور ساعتين على الاشتباكات لنصرة «قوّات سورية الديمقراطية» جنوب الطبقة، وبالتالي فتح الباب واسعاً أمام معارك عنيفة، حضّر لها الجانب الكرديّ خلال الأسابيع الماضية، عبر تكثيف حملات تجنيد أبناء القرى العربيّة ممّن تتراوح أعمارهم بين 18 – 32 سنة في المناطق الخاضعة لسيطرته للمواجهة المرتقبة، سواء في منطقة الغمر والتي تضمّ في غالبيّتها عشائر تعود جذورها لمحافظة الرقة، والتي لطالما حرص الأكراد على عدم المسّ بها أو إرغامها على التحالف معها منذ بدء الأزمة السورية، أو غيرها من مدن وقرى الحسكة في خطوة لقطع الطريق على إنشاء حشد العشائر بريف القامشلي الجنوبي. خيار المواجهة قد يعيد خلط الأوراق ويقود الأكراد لمعادلة وضع كلّ البيض في السلّة الأميركية غير المضمونة النتائج في ظلّ التطوّرات المتسارعة في المحيط الكردي، سواء في العراق أو على الأرض السورية، وتغيّر موازين القوى لصالح الجيشَيْن السوري والعراقي، ما يفرض على الأكراد السير في الخيار الثاني المتمثّل في التنسيق مع الجيش السوري من بوابات عدّة، ليست بعيدة عن موسكو وطهران وتحت يافطات من قبيل تخلّف الأميركي عن كبح الجماح التركيّة، وهو ما بدأ الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطيّ الكرديّ صالح مسلم بالتلويح بها من خلال التهديد بتسليم مدينة عفرين شمال حلب للجيش السوري، كما حصل في منبج بعد الطلب من أميركا وروسيا التدخّل لإيقاف العدوان التركيّ على عفرين لقطع الطريق أمام تركيا كونها أرضاً سوريّة، ولن يسمح لتركيا باحتلال شبرٍ من تراب سورية بحسب تصريح مسلم. وفي تصريحات كهذه، رسائل متعدّدة الاتجاهات تضمن للأكراد مقعداً ومكان حيثما تميل الكفّة على الأرض من وجهة النظر الكرديّة.
مع اقتراب المعارك من خواتيمها، لا ينفع الأكراد اللعب على الحبال، ولا الاختفاء وراء الكلام المعسول، فمع لحظة إقرار الحقيقة يتوجّب عليها الاختيار بين سوريّتها ومستقبلها على الأرض السوريّة، وبين تحالفاتها التي جعلتها ورقة أميركيّة في الحرب السورية قد تلقى مصير «داعش» في نهاية الحرب، والأيام المقبلة ستحكم توجّه البوصلة الكرديّة.