إنها المرة الأخيرة
روزانا رمّال
خلال سؤال قيادي رفيع في حزب الله عن مصير المجموعات التكفيرية في جرود عرسال قبل شهور من الآن كان الجواب لـ«البناء»: ندعوكم الى اعادة طرح هذا السؤال علينا بعد سنة من الآن، فحينها لن يكون هناك أي أثر لهم في تلك المنطقة، أنفاسهم الاخيرة اقتربت والمسألة حسابات لا أكثر». اليوم وقبل موعد السنة افتتح حزب الله معارك جرود عرسال بعنوانها العريض.
ربما كانت حسابات حزب الله تلك خارجية تتعلق بامتداد هذه المجموعات التي تبعثرت من سورية حتى العراق لتتشتت على وقع ضربات الجيوش المقاتلة ومَن يساندها من الجيش السوري حتى العراقي والروسي وحزب الله والحشد الشعبي، لكن بالتاكيد أحد أوجه هذه الحسابات أيضاً بالنسبة لحزب الله، وربما تكون الأكثر اهمية بالنسبة اليه هي الساحة اللبنانية.
تعتبر هذه الساحة ظهير حزب الله الأقدر على تعويم حركته وفي الوقت نفسه الأقدر على استغلال نشاطه لتحريك مخططات خارجية واستقدامها للنيل منه. وهو الذي يدرك أن مشاريع «اسرائيل» والولايات المتحدة لم تتوقف أو تتوانى عن استهدافه حين سمحت الفرصة بذلك.
حزب الله الموجود في جرود عرسال منذ سنوات وهي المعركة التي رآها البعض تأخرت باتت ممكنة اليوم لأسباب خرجت عن ايدي المعترضين. واليوم بات الصوت الذي ينتقد حزب الله في عرسال البلدة بالتحديد هو الصوت نفسه الذي يشدّ على أيدي مقاتليه ويدعو للاقتصاص من الارهاب، اي كانت الجهة التي ستتبرع او تتطوع بذلك. رئيس بلدية عرسال مثلاً، البلدة التي ارهقتها الاشاعات ومحاولات إثارة الذعر فيها بترويج لفتنة سنية شيعية اذا ما تم الشروع بالعملية في جرودها، اكثر من يدعم حزب الله في كلامه عن أولوية تحريرها بدلاً من النظر في هوية المقاتل. فالعدو واحد بالنسبة لأهالي عرسال التي ظلمت كثيراً.
انتخاب رئيس الجمهورية وإقرار قانون الانتخاب وتعيين الحريري للحكومة اللبنانية بتوافق حكم الحريري بأجندته جعل من مهمة حزب الله في جرود عرسال أسهل بكثير كعوامل محلية بدونها تصعب العمليات وثانياً تدهور مشروع القوى التكفيرية من الموصل العراقية حتى سورية ما يصعب على القاطنين في جرود عرسال القتال ومقاومة الزخم الذي دخل فيه حزب الله المعركة من الجهة السورية والجيش اللبناني من الجهة المقابلة مع ما قد تفرضه من تدخل للجيش السوري من الجهة المقابلة.
ثقة واضحة ويقين «كامل» بالنصر عند حزب الله وقيادييه، هو الأمر الذي عوّد أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله جمهوره عليه. هو خطاب انتصار محتم بالنسبة اليهم رافق المقاتلين ومسارهم نحو هذه العملية، وكل المعارك التي خاضها حزب الله. لكن الأهم هو دقة التوقيت الذي يضع حزب الله ضمن دائرة السؤال عن معايير حساباته، وكأنه أجل العملية لظروف تنسجم مع متغيرات كان ينتظرها.
يقول نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بالامس «إن العمليات الآن تستكمل كجزء لحماية كل الحدود اللبنانية من الناحية الشرقية ليطمئن اللبنانيون ويواجهوا هذا الخطر الذي برز بمفخخاته وتفجيراته وعدوانه على اللبنانيين وعلى المنطقة كلها»، معتبراً «أننا الآن في مواجهة لضرب بؤرة توريد المفخخات وتعطيل الفتنة وأحلام الإمارة. وهذا امتداد لجغرافيا حماية لبنان وحماية مشروع المقاومة».
كل شيء واضح وكأنها فعلاً «المرة الأخيرة» التي أراد فيها نصرالله التحدث عن معركة عرسال التي حثّ فيها الحكومة اللبنانية مراراً على تغطية الجيش اللبناني سياسياً من اجل القيام بواجبه هناك بدلاً من ترك الأمور مفتوحة.
بعد ثلاث سنوات تغيرت امور كثيرة سياسية إقليمية ودولية مع حديث عن تغاضٍ سعودي عن العملية التي غطّاها الحريري. وهو يدرك جيداً أن حزب الله سيكون نجمها من دون أن يلفت النظر إلى أي اشتباك سياسي يتعلّق بخلافاته مع الحزب بالحساب السياسي الخارجي، كما اتفق الطرفان وكأن الاتفاق المحلي اليوم انسحب على الحسابات الخارجية أيضاً مع حزب الله، بما يتعلق بهذه النقطة.
هو ليس انفراج سياسي ولا اتفاقات على إدارة ملف مكافحة الإرهاب ضمن المنطوق نفسه الذي يؤيده الأفرقاء، كل حسب مفهومه بالتأكيد، لكنه أحد مؤشرات المتغيّرات التي طرأت على سلوك حزب الله وسياسته في الداخل. ومن الجيّد الإقرار هنا أن قوة حزب الله «المضافة» التي نتجت عن انتصارات متتالية لحليفه السوري بدأت تصرف محلياً من دون أن تشكل أي صخب او ضجة بما يشبه أمراً واقعاً تقبله معظم الأفرقاء فباتت استحقاقات عالقة لسنوات تنطلق بحساباتها بشكل سلس، ولو شابها بعض الموانع او العراقيل المحلية لا رغبات خارجية مثل التأخر في إنتاج قانون انتخاب او ما شابه.
تبدأ معركة عرسال بأصوات محلية خافتة هذه المرة، نجح فيها حزب الله باستثمارها لصالحه في أماكن عدة، خصوصاً ان التعاطف الشعبي معه ومع الجيش اللبناني ايلذين يجمعهما الهم والارض وهما واحد بالنسبة للبنانيين، رغم أنه لا يوجد اعلان مشترك من الطرفين. معركة عرسال والأجواء السياسية وبعض الهدوء في الأروقة الذي ينبع من قناعة بأمر واقع فرضتها أجندة المقاومة بات لافتاً جداً مع مرور ساعات دخول الحزب بمندرجات المعركة المنتظرة للمرة الأخيرة، كما اعلن نصرالله.