الأقصى وعرسال… تكامل الشعبي وتآمر الرسمي
صابرين دياب
في الوطن العربي، ربّما بغير ما هو في معظم البلدان، يتناقض الشعبي والرسمي إلى مستوى تناحري. أينما يتّجه الرسمي، يأخذ الشعبي اتجاهاً آخر ينقضه وينفيه، ذلك لأنّ الرسمي نتاج تراث سياسي أنتجته الثورة المضادة على الأقلّ منذ سايكس – بيكو، فكان جرَّاء ذلك النبت القطري ببنيته السياسية المرتبطة بالخارج ارتباط يؤكده حبل سري مع المستعمر الغربي والكيان الصهيوني.
ودون عودة بعيدة حتى للتاريخ والوقائع الحديثة في الوطن العربي، فإنّ ما يدور اليوم وخاصة في لبنان، وفلسطين، يقدّم لنا صورة كاشفة عن حدثين نقيضين يعمل كل منهما في اتجاه مضادّ للآخر ونافٍ له.
على المستوى الشعبي في فلسطين، ولأكثر من أسبوعين دخل الشارع الفلسطيني المقدسي ومن تمكّن من الوصول من المناضلين/ات من المحتلّ 1948 جولة مواجهات ساخنة مع جنود وشرطة ومخابرات الكيان الصهيوني بكلّ ما وهبتها أميركا والغرب من سلاح وتقنية. اعتمد العدو أشدّ قمع ممكن وأسوأ حرب نفسية بهدف التحطيم المعنوي.
سلاحه القمعي ما وهبته إياه أميركا والغرب
وسلاحه النفسي تهافت معظم الحكام العرب على الاعتراف والتطبيع، وحتى التنسيق مع الكيان ضدّ المقاومة. لكن لا هذا ولا ذاك ثنى الفلسطينيين عن الإصرار عن مواجهة العدو بلا أيّ سلاح، سوى الوطنية والثقافة والدين والتاريخ، وهي الأسلحة التي يفتقر لها العدو مقابل افتقار جماهيرنا لسلاح القتل والخبث والفتك النفسيّين.
وكان للفلسطينيين ما أصرّوا عليه، لا معابر إلى ثالث الحرمين، إلى الأقصى، لا بوابات معدنية ولا خشبية ولا إلكترونية، ليعود العدو للبوابتين الكلاسيكيتين: نقاط التفتيش، وعيون العسس.
حاول المخروقون نفسياً ومعنوياً التقليل من الانتصار في حرب الموقع هذه، وحرب الموقع هي نعم: الانتصار في موقع، ومن ثمّ التكامل مع موقع، فمواقع أخرى منتصرة كما كتب انطونيو غرامشي، المناضل الإيطالي ضدّ الفاشية وصولاً إلى اصطفاف المواقع معاً لتشكل حرب جبهة واسعة.
ولكن، من جانبنا، لنا العبرة في ما يقوله العدو حيث الاشتباك الداخلي في أوساطه نقداً لسلطته الحالية التي تمثل أقصى العنجهية الصهيونية. هذا ناهيك عن استخدام معارضي سلطة العدو لهذه الهزيمة، في تعزيز رصيدها الانتخابي. وعليه، اعتقد محترفو الهزيمة من العرب بأنّ القدس انتصرت أم أنكروا ذلك، فلا قيمة لما يزعمون.
ولم يكن لدى نتنياهو سوى المتاجرة بقاتل المواطنين الأردنيين بدم بارد في عمّان، ليستقبل القاتل ويسأله السؤال الذي قُصد به تحقير النظام الأردني، وكأنّ هذا القاتل كان يقوم بعمل بطولي: «هل تحدّثت مع صديقتك»؟ وهو سلوك استفزازي تحقيري بمنتهى الصلف والصفاقة.
بعد انتصار الأقصى أو الانتصار للأقصى، لم تخجل أنظمة عربية وإسلامية كثيرة، من محاولة السرقة العلنية لشرف الموقف، لم يكن ذلك مدهشاً ولا مستغرباً، حيث الوقائع ظاهرة للعيان، ولكنها تكشف عن هشاشة البحث عن نصر ما، وسرقته بعد أن كانت هي نفسها في صف العدو بهذا الأسلوب أو ذاك!
في المقلب الآخر، كانت حرب الموقع تأخذ مجراها الشريف المشرّف في جرود عرسال في لبنان، حيث تتكاتف المقاومة والجيشان السوري واللبناني ونصف الدولة اللبنانية، للإجهاز على إرهابيّي النصرة بأسرع التوقعات وأقلّ التكاليف.
وكذا كان المقدسيّون وفلسطينيّو 1948 قد أهدوا نصر الأقصى للعرب والمسلمين، فإنّ المقاومة وسيّدها قد أهديا نصر عرسال لجميع اللبنانيين، وجميع المقاومين.
وأيضاً، إذا كان نصر القدس الجزئي، قد طعنته أكاذيب الأنظمة مكشوفة العورة، فإنّ انتصار عرسال طعنته الأنظمة نفسها، وقطاعات كثيرة من السياسيين في لبنان نفسه.
صحيح أنّ الأنظمة العربية التابعة تتواصل مع بعضها ومع الكيان الصهيوني، وتتمظهر جبهتها بلا مواربة، ولكن قوى المقاومة ودعمها الشعبي من القدس إلى عرسال إلى بيروت إلى دمشق، تتواصل على الأرض ميدانياً وروحياً.
ولعلّ هذا ما يؤكد لنا حقيقة، أن ّالمشترك العربي هو شعبي لا رسمي، وهذا ليس بالأمر البسيط، بل هو الأساس.