استدعاء قضايا جزئية لإشغال الأمة عن القضية الفلسطينية
محمد شريف الجيوسي
هناك من هو معني بصنع احتياجات جديدة تافهة أو هامشية واعتيادات و ألعاب ومشكلات ومشاغل جديدة، تلهي عن القضايا المركزية وتحرف البوصلة، وهناك من هو معني أيضاً باستدعاء الاختلافات والاحترابات ودواعيها فيزرعها في الأرض والعقول والقلوب والنفوس والمناهج ومنابر المعابد والثقافة، ويجعل منها حقائق التاريخ الوحيدة والحاضر والمستقبل.
وهناك من يتبنّى الكثير مما سبق، مغلقاً دماغه فلا يسمع إلا بأذن واحدة ولا يرى إلا بعين واحدة، ويبلغ به حدّ غسيل الدماغ أن يحسب أنه المسطرة الوحيدة التي تقاس عليها صحة المواقف وأنّ غيره على ضلال، أبواب الجنة مفتوحة لهم في الآخرة ونصيبه من الحور العين مضمون بشهادة مفتين جهلة عبدة الدولار، وزاد من عماهم وغيّهم، سياسيون من رواد فنادق الـ 7 نجوم ساعدوا الأجنبي على أوطانهم واستدعوه لاغتيال كلّ ما هو جميل وحضاري ومنجز فيها، أوهموا المضللين من الشباب أنّ أبواب الدنيا مفتوحة أمامهم بانتصارات ربيعهم الأميركي المستحيلة، وتحقيق ما زعموا أنه الديمقراطية والحرية.
هؤلاء وأولئك ومن شغّلهم ودرّبهم وموّلهم وسوّغ لهم ودعمهم سياسياً وإعلامياً وفتح المعابر لهم… وزوّدهم بالسلاح والعتاد والإحداثيات والمعلومات الاستخبارية والتحركات ووسائل الاتصال الأحدث، يلعبون ذات اللعبة جميعهم، حتى مع تباينهم في أمور، وهو ما أشرت إليه في الفقرة الأولى صناعة احتياجات تافهة أو هامشية ومشكلات ومشاغل جديدة واختلافات واحترابات ودواعيها، وزرعها في الأرض والعقول والقلوب والنفوس والمناهج ومنابر المعابد والثقافة، وجعلها حقائق التاريخ الوحيدة والحاضر والمستقبل تلهي عن القضايا المركزية وتحرف البوصلة .
وبكلّ أسف فإنّ شوارعنا العربية والإسلامية تنشغل عن الكلّ بالجزء وعن القضية أو القضايا المركزية بالفروع والتفاصيل الثانوية نسبياً عن الجوهر، غير متنبهين إلى أنّ تلك التفاصيل والأجزاء والفروع، ما كانت لتحدث لولا ما يعتور الجوهر او القضية المركزية الفلسطينية من خلل وغياب وفشل وامتهان وتردّ وضياع.
فالعسكري الأردني معارك التوايهة الحويطات ـ مثلاً ـ وامتهان حرمة الأقصى ومنع المصلين من الصلاة فيه، واستيلاء الصهاينة على العديد من أملاك الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية وحادث استشهاد أردنييْن على الأرض الأردنية برصاص ضابط صهيوني وتركه يغادر للقاء نتنياهو كفاتح عظيم… ومزاعم عضو كنيست صهيوني، في أعقاب عملية الإعدام الميداني للشهيدين الأردنيّين، بأنّ الأردن الذي تسقيه إسرائيل الماء وتحمي ظهره، في حاجة للتعلم …
السؤال هل كان في وسع «إسرائيل» امتهان كرامة الأقصى ومنع الصلاة فيه واعتقال المئات من الفلسطينيين وبينهم مقادسة، والاستيلاء بالحيلة على أملاك الكنيسة الأرثوذكسية، لو أنّ القضية الفلسطينية لم توجد ولم يقم الكيان الصهيوني، وهل كان سيتعرّض العسكري الأردني التوايهة لهذا الحكم الذي تقول عشيرته إنه حكم ظالم وتلبية لضغط أميركي ما كان ليكون لولا قاعدة التدريب الأميركية للجنود السوريين المنشقين الذين كان هدفهم الاستيلاء على الحكم في بلدهم الرافض مصالحة «إسرائيل» والداعم للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية ؟ وهل كان للشهيدين الجواودة والحمارنة أن يقتلا لو لم تكن هناك سفارة «إسرائيلية» على الأرض الأردنية؟ وهل كان يمكن أن يستشهد القاضي زعيتر لولا أنّ «إسرائيل» موجودة على الطرف الآخر من المعبر إلى الضفة الفلسطينية؟ وهل كان يمكن أن يقضي الجندي الأردني الدقامسة نحو 20 عاماً في السجن لولا وجود «إسرائيل»؟ وهل كان يمكن أن يكون في السجون إلإسرائيلية نحو 50 أسيراً أردنيا وممفقوداً في سجون تل أبيب لو لم يقم الكيان الصهيوني هذا على صعيد الأردن فقط .
من هنا فالسبب الرئيس في كلّ ما سبق هو قيام الكيان الصهيوني ـ «إسرائيل»، دولة احتلال إحلالي استعماري عنصري توسعي… وهي سبب حتى تخلفنا الاقتصادي وفساد أنظمة الحكم في منطقتنا العربية وتبعيتها، فهي أنظمة مزروعة بقوة الأجنبي ومحمية منه وليس من شعوبها، وهي لتضمن بقاءها تعمل وفق أوامر مشغّليها وحماتها، وتمارس الفساد المطلوب منها، باعتباره جزءاً من الدور، لتبقى ضعيفة أمام شعوبها وفي حاجة في آن للحماية الخارجية، وبالتالي تنفيذ الأوامر الأجنبية بحرفية وإتقان وتفان!
أقول لا بأس من أن نعظم قضية الأقصى وباقي القضايا، ولكن علينا الإنتباه الشديد إلى أنّ قضية الأقصى جزء من القضية الأكبر، القضية الفلسطينية، وأنها تُفتعل وغيرها من القضايا الأخرى لإشغالنا في القضايا الفرعية ونسيان القضية المركزية القضية الفلسطينية، التي هي جذر كلّ القضايا الأخرى، وما لم تحلّ بإزالة «إسرائيل» فستبقى المشكلات الأخرى تتفجّر، ومنها إشغال الجيوش الوطنية في دولنا بحروب داخلية كما يحدث في سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا والصومال، وكما يعدّ للجزائر ثانية.
لقد أثبتت عملية إعدام د. الحمارنة والشاب الجواودة من قبل العدو الصهيوني كما أكد نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي أنه لا يفرّق بين كبير وصغير، بين بروفيسور وطالب لم يكمل دراسته الثانوية، بين مليونير وبين من يعمل لتوفير قوت يومه، بين شرق أردني وغرب أردني، بين مسيحي ومسلم، بين مطبّع أجّر بيته للإسرائيليين وبين غير مطبّع، الكلّ هدف إسرائيلي ولن يحميك حتى قبولك به وتعاونك معه… وأنّ قادته يجعلون من المجرمين الإسرائيليين القاتل «أبطالاً» يُستقبلون رسمياً من قياداتهم ويحظون بحب العشيقات.
القضية الفلسطينية جذر كلّ قضايا الأمة، بل باتت جذر الصراعات في العالم، رغم أنف المفتين والمنظرين الموغلين بالجهل والخيانة، ولا بدّ أن تبقى القضية الفلسطينية هي بوصلة القضايا، رضي من رضي وغضب من غضب، والأحمق المقامر الخائن من يقول بغير ذلك، سراً أو علانية، من تحت الطاولة أو من فوقها، أو من يكتفي بذلك قولاً دون عمل.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk