الدور التخريبي للتحالف الأميركي في الشمال السوري!
محمد ح. الحاج
سجل التحالف الأميركي هزيمة مشروعه بالخط العريض، وبدأ عملية التحوّل إلى الخطة البديلة «قسداعش» أيّ عملية توحيد لمرتزقة التحالف استعداداً لمعركة المصير والتي يثق التحالف أنها خاسرة لكنها بالضرورة تؤدّي الغرض منها المتمثل بعملية إنهاك الجيش السوري ومن معه والمزيد من الخسائر والتخريب.
ما معنى أن تربط الإدارة الأميركية خروج قواتها من الأراضي السورية بنجاح مؤتمر جنيف، ويعلم العالم كله بما في ذلك مجلس الأمن أنّ القوات الأميركية دخلت الأراضي السورية وأقامت لها قواعد بطريقة التسلل دون إذن أو موافقة الدولة صاحبة السيادة على الأرض، وأيضاً دون قرار من مجلس الأمن يكلفها بذلك على أنها في سياق محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المصنّفة عالمياً، أما حقيقة هذا السلوك الأميركي فقد كان فصلاً من مسرحية بعنوان محاربة داعش، والغاية الحقيقية حماية التنظيم وتوجيهه ووضع الخطط لهجماته أو دفاعه بوجه القوات التي تحاربه فعلاً، ودعمه لوجستياً بكلّ ما يلزم بما في ذلك توفير نقل وحداته بالطائرات الحوامة العملاقة، أو إخلاء هذه الوحدات عندما تكون مطوّقة وعلى وشك السقوط، وهذا حصل فعلاً في عديد من المناطق منها الرقة وأطراف دير الزور والمناطق المحيطة بها في الميادين، وفي الختام تقوم بزجّ الوحدات التي قامت بنقلها وإخلائها في معركة البوكمال باعتبارها المعركة الأخيرة والحاسمة.
من نافل القول إنّ التذكير بالتدخل الأميركي يعود بنا إلى ثلاث سنوات وأكثر حيث أعلنت الولايات المتحدة عن قيام تحالف دولي لمحاربة داعش، ثم لتأتي العمليات غاية في الغرابة لأنّ هذا التحالف في البدايات استهدف البنية التحتية في المناطق الشرقية والشمالية حيث كان انتشار داعش وغيره من التنظيمات، واللافت للنظر استهداف كافة الجسور على امتداد الفرات، من شمال وغرب الرقة حتى الحدود مع العراق وهي جسور عملاقة ذات اتجاهين وعلى وجه الخصوص جسر مدخل الرقة الرئيس، وجسور دير الزور التي تربطها بالجزيرة، فهل كانت قوات داعش تتجمّع على الجسور أو المنشآت الحكومية من مستودعات ومنشآت صناعية أو زراعية أو مستودعات وقود ومحطات مياه أو كهرباء؟
التحالف بقيادة الولايات المتحدة قدّم للعالم كله الدليل عن نية واضحة في منع تحقيق نهاية سريعة للحرب سواء في العراق أو الشام، وكان كلما رجحت الكفة لصالح الجيش السوري والوحدات الداعمة له ضرب مواقعه وتدخل نارياً ولوجستياً لصالح العصابات وعلى وجه الخصوص داعش في الوقت الذي كانت الاستخبارات المركزية تنشط على جبهة الأكراد لاستقطاب مجموعات من الشباب وتشكيل تنظيم رديف لداعش بطريقة سرية تحت يافطة أنهم من القوات التي تحارب داعش أيضاً، لكن اللعبة تكشفت قبل أشهر منذ أن تمّت عمليات التسليم والتسلّم لمنشآت سدّ الطبقة ومدينة الطبقة والامتداد نحو الرقة التي تمّ تسليمها لاحقاً بعد معارك صورية، لكن التنظيم لم يخرج من الرقة بل استمرّ تواجده تحت الحماية الأميركية إلى أن قرّرت زجّ من بقي في مناطق الميادين والبوكمال وقبل ذلك في عملية وضع اليد على الحقول النفطية والمحطات الغازية وظهر للعيان التعاون والتنسيق بين الطرفين داعش وقسد تحت الإشراف الأميركي في أكثر من حالة وموقع.
أن تخرج أرتال داعش بطول سبعة كيلومترات من الرقة، مئات العربات والآليات وبكامل أسلحتهم تتجه شمالاً وشرقاً بحرية تامة ضمن قطاعات ومناطق تواجد وسيطرة قسد وتحت رقابتين أميركية وروسية، حيث يهدف التحالف الأميركي لحماية أرتال داعش ونقل مئات المقاتلين إلى جبهة البوكمال، وقبلها إلى محيط دير الزور وشرق الفرات، وعند طلب الجانب الروسي التنسيق لمهاجمة داعش يقابل برفض أميركي! هنا يطلق المواطن السوري العديد من الأسئلة أولها:
ـ هل ينتظر الروسي موافقة أميركية لضرب داعش في المناطق ما بعد الفرات، واستطراداً هل يعترف الجانب الروسي بسيطرة الأميركي على تلك المناطق؟
ـ هل حقاً محظور على الطيران السوري والروسي العمل في الأجواء السورية الشمالية أيّ فوق مناطق الجزيرة، وكأنها مناطق معترف للتحالف الأميركي بأحقيته في أجوائها، وإذا كان الروسي لا يريد الصدام مع القوات الأميركية أو مرتزقتها فهل يكبّل اليد السورية ويمنعها من ضرب من تعتبره عدواً ينتهك سيادتها التي تعترف فيها كلّ الأطراف؟
ـ هل فرض علينا أن نبذل كلّ هذه الدماء والتضحيات لتحرير بلدنا، أم لتنعم القوة الأميركية المحتلة ومن معها بالأمن والتحرك بحرية على أرض ليست أرضهم وأجواء ليست من حقهم إلا إذا أصدر مجلس الأمن قراراً بحظر الطيران فوقها لغير التحالف وهذا لم يحصل، ربما هناك قرارات سرية لا نعلم عنها.
ـ ما الذي تتضمّنه التفاهمات الروسية الأميركية بخصوص سورية وعلى حسابها، وندرك أنه لولا ذلك لما أطلقت إدارة ترامب شروطها والقول إنّ قواتها لن تخرج من سورية إلا بعد نجاح جنيف… وهل يتحدّد في أيّ رقم من جنيف سيتحقق النجاح، وتقديراتنا تشير إلى أنّ لا جنيف العاشر ولا العشرين يمكن أن يصل إلى الحلّ على الطريقة الأميركية وحلفها لأنها لن تحصل في هذه الحالة على ما تريد بالمفاوضات بعد أن عجزت عن الوصول الى تحقيقه بالحرب.
المقارنة الأميركية لقوافل الخارجين من الرقة بأقرانهم الذين تمّ اجلاؤهم من الجرود اللبنانية يتجاوز المعقول، فما حصل في جرود لبنان يختلف كثيراً، لبنان له قضية تختلف، وجاء خروجهم بموجب اتفاق وبعد تسليم أسلحتهم وتقديم المعلومات التي أدّت إلى كشف مصير العسكريين اللبنانيين وموقع دفن جثامينهم، وجرى التفاوض تحت إشراف الحكومتين السورية واللبنانية، ما حصل في الرقة مختلف حيث خرجت داعش بآلياتها ومعداتها وما قدّمته كان عملية تسليم بناء على أوامر المشغل للطرفين، قسد وداعش، وكانت حركة القافلة بحماية جوية من التحالف، بينما في الحالة الأولى قام طيران التحالف الأميركي بقصف من تمّ إجلاؤهم بحافلات مدنية مع عائلاتهم وسلاحهم الفردي.
إجلاء مقاتلي داعش من جرود لبنان ونقلهم إلى جهة محدّدة بناء على اتفاق جرى بإشراف رسمي، فمن هي الجهة الرسمية التي أشرفت على خروج دواعش الرقة، وهل يعتبر تحالف أميركا نفسه جهة رسمية وصاحبة حق في التواجد على الأرض السورية دون أيّ سند قانوني دولي أو بموافقة الدولة صاحبة العلاقة؟ التحالف الأميركي ليس صاحب ولاية ولا وصاية بأيّ شكل من الأشكال على أية بقعة من الأرض السورية، إنه وجود عدواني طفيلي وهذا ما يجب أن تفهمه إدارة ترامب كما فهمته من قبل إدارة أوباما.
لم يكتف التحالف الأميركي الغربي العربي بتخريب البنية التحتية والمنشآت والمصالح الحكومية في المناطق الشمالية والشرقية وعلى امتداد الوطن، وتحت عنوان الخطأ أودى بحياة مئات المدنيين الأبرياء، بل هو يعمل على تدمير البنية الاجتماعية ورمي الوقيعة بين مكونات المجتمع في الجزيرة السورية إثارة العرقية لتفتيت هذا المجتمع ونفهم أنّ كلّ ما يفعله يصبّ في خدمة الكيان الصهيوني وبناء على رغبة التنظيم الماسوني الدولي بإقامة كيانات على قواعد عرقية ومذهبية ليبقى الكيان الصهيوني هو الأقوى والأقدر على السيطرة بما توفر له من قدرات عسكرية ومادية عبر عقود، مقابل عدم استقرار وصراع مديد في محيطه يمنع قيام هذا المحيط من التصدّي لمشاريعه، وليبقى ساحة للنهب وسوقاً مفتوحة للغرب.
الكذبة الكبرى هي الحرص الأميركي المعلن على وحدة الأرض السورية، في الوقت الذي تعمل الاستخبارات المركزية بكلّ طاقاتها لتكريس حدود تمّ إعلانها ونشرها عبر خريطة في موقع البنتاغون منذ سنوات، وإذا كانت تلك هي رغبة أميركا ومعها الغرب لخدمة الكيان الصهيوني فإنّ تصميم الدولة السورية والموقف المبدئي على رفض هذا التقسيم وإفشال مخططه وتحرير آخر حبة تراب سيكون الردّ الحاسم والإجراء الكفيل بتحرير الجزيرة وكلّ شبر تتواجد عليه قوى عسكرية بطريقة التسلل ودون موافقة الدولة، حكومة وقيادة وشعب وجيش ومؤسّسات.