السعودية تستنفر فريقها للتصعيد… وروحاني لدعم لبنان بوجه الإرهاب
كتب المحرر السياسي:
زيارة وزير الدفاع سمير مقبل إلى طهران، ومواقف القيادة الإيرانية الداعمة للبنان، قابلتها وسبقتها مواقف تصعيدية سعودية عبّر عنها فريقها اللبناني بالهجوم على حزب الله، بلسان وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي دعا إلى توازن أمني، رأى فيه الوزير محمد فنيش توازناً بين المقاومة والإرهاب، ووصفه الرئيس نبيه بري بـ»مشنوق الخطاب» كما نقل زواره الذين نعوا عن لسانه التمديد لمجلس النواب في أجواء ومناخات التصعيد المستجدة، بقوله هذه المرة «التمديد لن يمر»، بينما كان للنائب وليد جنبلاط وهو يواصل جولاته التصالحية ردّه بطريقته على كلام المشنوق، داعياً إلى صحوات فكرية توقف السجال العقيم.
المهمّ في المشهد الجديد، يتعدّى الاعتبارات المحلية ومأزق فريق هنا، أو طموحات شخصية هناك، أو رهانات وحسابات خاطئة هنالك، المهم أن العصفورية السياسية اللبنانية تجري في مناخ من انفراط عقد التواصل على أيّ مستوى بين إيران والسعودية، ما يعني أنّ مناخ التصعيد الذي بدأت ملامحه تظهر مع تطوّرات اليمن سوف تكون مرشحة للتصاعد، خصوصاً مع إقدام السعودية على إصدار حكم بالإعدام على المرجع الشيخ نمر النمر، الذي يشكل الرمز الأكثر شعبية بين أبناء المنطقة الشرقية في السعودية، وتلزم صفته الدينية كلاً من العراق وإيران التعامل مع قضيته كقضية ذات بعد يمسّهما مباشرة وهو شخصية لامعة في الحوزات الدينية في قم والنجف.
حرب باردة بين السعودية وإيران، تعكس مكانة إيران المتنامية على الساحة الدولية كحليف يستند إليه بين حلفائها وكشريك يمكن التعاون معه لحفظ المصالح المشتركة بالنسبة لخصومها، وقد صارت محسومة لها مكانة القوة الأعظم في الشرق الأوسط، وكلما اقتربت مؤشرات توقيع التفاهم الدولي حول الملف النووي الإيراني تصاعدت حمى الهستيريا السعودية، التي لم تصدق بعد أنّ زمن الحرب على سورية قد انتهى ولا تزال تحلم باستعادته، فكيف لها أن تتعايش مع تطبيع العلاقات الغربية بإيران، وهي تخسر كلّ يوم موقعاً ودوراً وعنواناً، فجاءتها الضربة اليمنية بمثابة كش ملك من اللعبة الإقليمية، فاختارت لبنان ساحة للردّ والمواجهة وإثبات الوجود، ووجدت من هو مستعدّ لتعريض استقرار بلده للخطر والمجازفة بمقوّمات أمنه، فقط لتسديد فواتير راهنة أو سابقة أو مقدّماً عن دور أو طموح.
وسط هذه الأجواء، كان موضوع الهبة الإيرانية المخصصة لتسليح الجيش اللبناني، محور محادثات وزير الدفاع الوطني سمير مقبل مع كبار المسؤولين الإيرانيين في طهران أمس وفي مقدمهم رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي أكد أن بلاده تدعم شعوب سورية ولبنان والعراق والشعوب كافة التي تحارب الإرهاب. وأمل «يقظة الشعب اللبناني بكل طوائفه متحدة في وجه الأعداء المتربصين بوحدة أراضيه وعظمته».
بدوره أعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني خلال استقباله مقبل «أن بلاده وإلى جانب استعدادها لتقديم الدعم التسليحي للجيش اللبناني فإنها جاهزة لنقل تجاربها للنهوض بالأمن في لبنان والمنطقة ومكافحة التيارات الإرهابية»، مشيراً إلى «سياسات إيران في سياق الدعم الشامل للفصائل والتيارات اللبنانية الأصيلة»، مؤكداً أن «دعم لبنان شعباً وجيشاً ومقاومة لا يزال في صلب سياسة طهران».
المشنوق يفتح النار على حزب الله
وفي هذا الوقت، كان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق يفتح النار على «حزب الله»، مركزاً على أن الأخير «يحمي المزورين والمهربين» في النبي شيت وبريتال، حاصراً كل المخاطر والتحديات التي تواجه لبنان بهذا الأمر. ولم يأت المشنوق في الكلمة التي ألقاها خلال رعايته احتفالاً تأبينياً لرئيس فرع المعلومات السابق اللواء وسام الحسن، على ذكر الاعتداءات على الجيش في الشمال وعرسال والجهات التي تقف وراءها خدمة لمخططات مشبوهة تستهدف وحدة لبنان والمنطقة وتغيير وجههما وهويتهما ودورهما.
واعتبر أن «الخطة الأمنية تحولت إلى خطة لمحاسبة بعض المرتكبين من لون واحد، وترك البعض الآخر، لأن هناك جهازاً رسمياً تفتقد قيادته للصفاء الوطني، والمطلوب تحويلنا إلى صحوات لبنانية كالصحوات العراقية». وأكد أن «لا أمن من دون توازن، ولا سياسة من دون مصارحة، وقلت ما قلت بحثاً عن أمن سياسي مشترك».
ورد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش، على المشنوق، من دون أن يسميه، سائلاً: «ماذا يعني الحديث عن التوازن الأمني؟ يعني أن نساوي بين المناطق التي لا تشهد مناصرة للجهات التكفيرية والإرهابية ولا تشهد تعدياً على الجيش والقوى الأمنية، وبين مجموعات تمارس مثل هذه الأعمال الإرهابية».
وخلال احتفال تربوي في النبطية، أشار فنيش إلى أن «البعض وجد نفسه محرجاً أمام جماعات أو مجموعات اعتادت منه أن يكون غطاء لها، ورأى في تحول موقفه إرباكاً، فأراد أن يعالج هذا الإرباك والإحراج بإلقاء الاتهام جزافاً وتحميل المسؤولية لمن لا يمكن لأحد أن يرميه إلا بوردة في مسألة الصدقية والممارسة واقتران القول بالعمل. فأي مجرم أو معتد في أي منطقة من مناطقنا حظي بغطاء أو منعنا القوى الأمنية من ملاحقته، فليأتوا بمثال واحد. أما أن نقول إن هناك حصانات حزبية ونحن لا نستطيع أن نكون إلا متوازنين، أنفهم من هذا الكلام أنه تبرير لإيجاد ممر آمن لبعض الجماعات الإرهابية التي اعتدت على الجيش وتهدد الأمن يومياً في عاصمة الشمال طرابلس؟ وهل هذه عودة من جديد إلى رهانات خاطئة وارتكاب خطايا؟ بالنسبة إلينا مسؤولية الوزارة والحكومة: من يؤدي واجبه ودوره هذه مسؤوليته لا ينتظر مقابلاً أو مقايضة».
بدوره، ردّ رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط على المشنوق، قائلاً: «لن أدخل في سجال مع صديقي نهاد المشنوق، إنما فقط إشارة إلى ما قاله بالأمس، نعم لا نريد صحوات، ولكن آن الأوان لتكون هناك صحوات فكرية ليخرج لبنان من السجال العقيم».
وقال جنبلاط أثناء جولته في عرمون: «نعم نريد صحوات فكرية لتجنيب البلاد المزيد من الأخطار، ولتحصين الجيش قبل تحصينه بالدبابات والمدافع».
السباق إلى رئاسة الحكومة
وردت مصادر مطلعة في 8 آذار مواقف المشنوق إلى التنافس بينه وبين وزير العدل أشرف ريفي على رئاسة الحكومة المقبلة. وأكدت المصادر لـ«البناء» أن «هذا التنافس تحوّل إلى عامل لإثارة الفتن في لبنان، فعندما أطلق ريفي موقفه الداعي إلى إلغاء المحكمة العسكرية خدمة للإرهابيين، خاف المشنوق أن يصبح لريفي قاعدة عند الإرهابيين تجعله في موقع متقدم عليه، فأعلن موقفاً في ذكرى اغتيال الحسن، نعى فيه الخطة الأمنية، وقدم طرحاً أثار استهجان كل من له علاقة بالأمن في لبنان». وتابعت المصادر: «ففي الوقت الذي كان يقول فيه أن عرسال مخطوفة من الإرهابيين، وأن اللحى والعباءات لا تحصن الإرهابيين، انقلب على موقفه ودعا إلى وقف العملية الأمنية في لبنان خدمة للإرهاب، سواء في عرسال أو في طرابلس في سباق محموم بينه وبين ريفي، أيهما يخدم الإرهابيين أكثر أو يتوسع داخل القواعد الإرهابية على حساب الأمن في لبنان». وسألت المصادر: «من الذي يؤمن الرعاية للمسلحين في عرسال؟ أين الخطة الأمنية من كلام فادي دندشي أن عميد حمود هو من قتل الشيخ سعد غيّة، وحسام الموري في طرابلس؟ أين الخطة الأمنية من وصف اللواء ريفي الإرهابيين بالثوار؟».
وأشارت المصادر إلى أن «الرجلين يحاولان تقديم أوراق اعتماد تؤهلهما لرئاسة الحكومة التي لا يمكن الوصول إليها من دون التوافق مع حزب الله»، لافتة في الوقت عينه، إلى أن المشنوق فتح النار على «حزب الله» بإيعاز سعودي.
من جهتها، أكدت مصادر نيابية أن موقف المشنوق لا يمثل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان المشنوق مثله ورئيس الحكومة تمام سلام في الاحتفال، وأشارت إلى أن بري رد على سؤال عن رأيه بخطاب وزير الداخليةً: «مشنوق الخطاب».
محاولات تسلل جديدة إلى عرسال
في غضون ذلك، واصلت المجموعات الإرهابية محاولات التسلل من الجرود إلى بلدة عرسال. ومساء أمس وفي هذا الإطار أطلقت وحدات الجيش المتمركزة على تلة الحصن في البلدة، النار باتجاه مجموعة حاولت التسلل، وأجبرتها على الانكفاء إلى الجرد الشرقي.
من ناحية أخرى، تحدثت مصادر مطلعة لـ«البناء» عن محاولات بدأ الإرهابيون التحضير لها لاتخاذ المخيمات الفلسطينية قاعدة وملاذاً أمناً لتحركاتهم، وأكدت المصادر أن الفلسطينيين رفضوا تحويل المخيمات قواعد للمسلحين غير الفلسطينيين، ورفض زجها في المشاكل اللبنانية والإقليمية. ولفتت المصادر إلى أن الفلسطينيين أبلغوا موقفهم للمسلحين عبر أكثر من قناة إقليمية، كما أبلغوا موقفهم هذا للجيش اللبناني.
أمنياً أيضاً، أكدت مصادر أمنية لـ«البناء» أن التحقيقات التي أجريت حول الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة التي عثر عليها بالقرب من منزل الأمين العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في كوثرية السياد، أظهرت أنها وضعت منذ نحو شهرين وأن التدابير المتخذة في المنطقة حالت دون استعمالها.
إلى ذلك، حذرت مراجع بارزة من استمرار الاعتداءات على الجيش في طرابلس، وقالت إن «الجيش يقوم بدوره بشكل فعال ويرد على المعتدين لكن المطلوب أيضاً من الفعاليات والقوى السياسية في الشمال الالتفاف حوله ومواجهة أصوات النشاز التي تصدر عن بعض النواب محرضة على المؤسسة العسكرية».
لا تغيير في اللجان النيابية والمكتب
نيابياً، يعقد مجلس النواب غداً الثلاثاء جلسة خاطفة وسريعة لانتخاب أعضاء اللجان النيابية وأميني سر وثلاثة مفوضين في هيئة مكتب المجلس. وأكدت مصادر نيابية أنه لن يحصل تغيير على مستوى هيئة المكتب أو اللجان سوى استبدال الوزراء النواب في اللجان بنواب آخرين.
أما في موضوع رئاسة الجمهورية فقد نقل زوار الرئيس بري عنه أمس أنه حتى الآن لم يظهر أي شيء جديد وأن الأمور تراوح مكانها، أكان بالنسبة للأجواء الداخلية أو الخارجية.
وفي شأن التمديد للمجلس النيابي توقعت مصادر نيابية أن يحصل هذا الأمر في جلسة تعقد نهاية الشهر الجاري، لكنها أشارت في الوقت نفسه، إلى أن هناك إرباكاً لدى بعض الكتل التي تريد أن يكون هناك إجماع حول هذا الموضوع، إلا أن قناة المنار نقلت عن مصادر بري «أن تمديد ولاية مجلس النواب لن يمر هذه المرة»، لافتة إلى أن مسؤولية التسويق عند الفريق الآخر.