أزمة تيار المستقبل والاستحقاق النيابي
ميسم حمزة
تتوالى أزمة تيار المستقبل فصولاً وتظهر معالمها بشكل أوضح في الاستحقاق الانتخابي النيابي، وبدأ هذا التيار يضيق ذرعاً بعدم قدرته على المحافظة على مقاعده النيابية، لأنّ حجم تياره تقلص بنسبة محسوسة جداً، وعلى استعادة حجم كتلته النيابية الذي أصبح أمراً واقعاً، إضافة إلى صراع بين مرشحيه على الصوت التفضيلي وصل حدّ التضارب بين عناصر مكاتب المرشحين في الشارع الواحد.
والاعتراضات كثيرة، والوعود التي أطلقت لم تنفذ، بل حتى الوعود التي تطلق على المنابر الانتخابية بات يعرفها المواطن ولا يصدّقها لأنه جرّب تلك الوعود منذ عدة سنوات ولم تؤت أكلها، فهذا التيار أصيب بانتكاسات كبيرة خاصة بسبب غياب الحريري الطويل عن لبنان، وعدم قدرته على تلبية مطالب جمهوره، والدفاع عن مصالح هذا الجمهور بحجة الدواعي الأمنية، كما فقد حاضنته العربية، وخسر جميع رهاناته السياسية، وخاض معارك عديدة تحت شعارات بدا أنها غير صحيحة، وأدخل جمهوره في أزمات تحت تلك الشعارات، وأثناء غيابه الأخير عن لبنان فتح قنوات مع خصومه السياسيين ليستعيد دوره في رئاسة الحكومة، فهذه التسوية التي يتحدّث عنها هي مقابل عودته إلى موقع الرئاسة الثالثة، لأنّ تأجيل الانتخابات النيابية كان بهدف أن يتمكن سعد الحريري من استعادة شيء من خسارته لقاعدته الشعبية من أجل تحضيرها للانتخابات القادمة.
وقد جاءت أزمته مع حاضنته الإقليمية وتصويره بأنه ضحية أستفاد منها لعودة قسم من جمهوره الذي انفضّ عنه، إلا أنّ هذه العودة بقيت محدودة لأنّ الوعي الشعبي خاصة في الشارع الإسلامي السني بدأ يدرك أنّ سعد الحريري لا يمثل القيادة القادرة على صيانة مصالحه، وأنّ خياراته السياسية الخاطئة أفقدت هذا الشارع قوته ودوره في الحياة السياسية اللبنانية، وأصبحت مصالح الحريري تتقدّم على مصالح الطائفة، لذلك بتنا مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي النيابي نشهد خروج هذا التيار عن أصول العملية الديمقراطية والاصطدام مع الشخصيات والقوى التي تنافسه انتخابياً، مع أنّ أكثرها من التوجه السياسي نفسه، فتكاد بيروت تشهد يومياً إشكالات يفتعلها التيار الأزرق مع مرشحين عديدين في العاصمة، كما في العديد من المناطق كالضنية وطرابلس والبقاع وإقليم الخروب، وهو ما حدا أيضاً بوزير الداخلية المرشح على لائحة المستقبل في بيروت إلى اتهام خصومه بلفظ لا يليق بموقع رسمي يقتضي أن يكون على الحياد، ووزير الداخلية نفسه اعترف بأنّ لائحة وحدة بيروت المنافسة له ستحصد 45 ألف صوت، أيّ ما يوازي بقليل نصف حجم الكتلة الناخبة قياساً بانتخابات العام 2009، وهو ما جعل الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل ومرشحيها ومن ضمنهم سعد الحريري يستجدون أهل بيروت لرفع نسبة التصويت. إلا أنّ البيارتة يعون تماماً مصالحهم ومصالح مدينتهم ولم تعد تنطلي عليهم الشعارات الفارغة المضمون، فكانت الانتخابات البلدية الدرس الأول الذي لقنه البيارتة للتيار الأزرق، وأكبر مثال هو الوعود بتوفير 900 ألف وظيفة التي ستنتج عن مؤتمر باريس 4، وهو أمر لا يصدّق، خصوصاً بعد أن رأينا أنّ الدورة الأخيرة لفوج إطفاء بيروت لم يتمثل البيارتة فيها كما يجب، والدورة الأخيرة لوزارة الخارجية والتي كان عدد الموظفين المقبولين فيها 25 موظفاً لم ينل السنَّة منها إلا مركزاً واحداً بينما ينتمي عشرون منهم لطائفة الوزير ومنطقته.
إلا أنّ الوعود الانتخابية الفاقدة للمصداقية يجوز إطلاقها بمفموم الحريري لدفع اللبنانيين للتعلق بتيار لم يجر على لبنان واللبنانيين إلا زيادة الهدر والمحسوبيات وتضخم الدين العام، وإرهاق المواطنين بضرائب جديدة.
كما أنّ الحريري الذي يخوض معاركه الانتخابية تحت نفس الشعارات التي خاض بها الانتخابات السابقة في عامي 2005، و2009، يستعيدها اليوم ومن ضمنها مواجهة الوصاية السورية على لبنان، في حين أنه يرسل وساطات للقيادة السورية للمشاركة في إعادة الإعمار، وقد بدأ تسجيل بعض الشركات في الاتحاد الروسي بأسماء وهمية من أجل المشاركة في إعادة إعمار سورية، كما أنّ رواياته في مواجهة المقاومة انتخابيّاً هي ذرّ للرماد في العيون، فالمقاومة كانت جزءاً أساسيّاً من التسوية التي يفاخر بإنجازها سعد الحريري، وهي شريكته على طاولة مجلس الوزراء، وقبل ذلك جرت 44 جلسة حوار مع المقاومة برعاية الرئيس بري في عين التينة، وهو نفسه اعتبر في تصريحاته أنّ حزب الله هو مكوّن لبناني أساسي، وهو قد خاض ويخوض العديد من الانتخابات المهنية بتحالف مع الثنائي الشيعي كنقابة المهندسين ونقابة المعلمين، كما أنه لم يتورّع عن أن تكون على لوائحه بعض القوى التي كان يتهمها بأنها جزء من الوصاية السورية، ويتحالف انتخابيّاً ايضا مع حلفاء المقاومة وسوريا كالأمير طلال أرسلان وسليمان فرنجية.
فإلى متى يبقى الحريري يخوض معاركه في الاستحقاقات الانتخابية تحت شعارات أصبحت مستهلكة ولم تعد قادرة على حشد المؤيدين واستعادة تياره من جديد، فالظاهر أن ما يطرحه في العلن يخالف ما يمارسه في الخفاء.