كيف حوّلت الاستراتيجية الروسية السورية منظومة «أس ـ 300» رسائل ردع استراتيجي؟
مهران نزار غطروف
شكّلت منظومة صواريخ أس 300 خلال سنوات الحرب السورية، أحد المفاصل الاستراتيجية الهامة، للحدّ الذي تجاوزت فيه الرسائل التي حملتها هذه المنظومة من الفعالية، فعاليتها القتالية بعشرات المرات، وربما أكثر..
فعند كلّ تصعيد جديد، وعند كلّ مفترق سياسي أو عسكري، مؤثر على مجريات الصراع، في هذه الحرب الكارثية، تعود قضية تسليم دمشق منظومة أس 300 إلى الواجهة من جديد، بين مدّ وجذر، هل تمّ التسليم، أم لا؟
وتتصدّر قائمة العناوين والتحليلات للأطراف المعنية بالأمر، وفي طليعتها الكيان الإسرائيلي، الذي يرى في حصول هذه الصفقة بين الجانبين الروسي والسوري، ما هو كاسر لقواعد التوازن، التي تعيشها المنطقة، على مستوى الجيوش النظامية، أقلها بعد حرب تشرين الأوّل/ أكتوبر 1973.
لكن المثير للاهتمام، أنّ أصداء إمكانية تنفيذ هذه الصفقة، تفاعلت بشكل كبير عقب العدوان الثلاثي الذي تعرّضت له سورية 14 نيسان/ أبريل الماضي، حيث ظهّر الجانب الروسي موقفه النهائي للعلن من ذلك، وعلى لسان وزير خارجيته سيرغي لافروف، في 20 نيسان/ أبريل الماضي، مصرّحاً بأنّ موسكو لم تعد تملك أيّ «التزامات أخلاقية» تمنعها من تزويد سورية «بالأسلحة»، بعد «الضربة الثلاثية المحدودة» على أراضيها.
كما نقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن مصدرين عسكريين روسيين في 23 نيسان/ أبريل الماضي، أنّ «المسألة لتسليم المنظومة لسورية قد حلّت»، مشيرة إلى أنه من المخطط تسليم المنظومة ضمن إطار «المساعدة التقنية العسكرية»، وستنقل إلى سورية إما عن طريق «النقل أو سفن البحرية الروسية».
وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وبتاريخ 24 نيسان/ أبريل الماضي، سرعان ما انبرى للردّ على تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قائلاً «إنّ إسرائيل ستردّ بقوة على سورية» في حال قامت باستخدام منظومة أس 300 ضدّ الطائرات الإسرائيلية».
في حين واكبت الصحافة الإسرائيلية تصريحات ليبرمان، وكلّ ما يخصّ الهواجس الإسرائيلية حول هذه الصفقة، فقد نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في 25 نيسان/ أبريل الماضي، تفاصيل حول «قدرات نظام الدفاع الصاروخي الروسي أس 300، مشيرة إلى أنه في حال تمّ «نصب تلك الصواريخ في دمشق»، فإنها ستكون قادرة على «إسقاط المقاتلات الحربية في سماء إسرائيل».
ما يفسّر الذعر الذي تحياه القيادات الإسرائيلية كافة، إضافة لكمّ الزيارات غير المسبوق، للعديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى موسكو تباعاً، على مختلف المستويات، وعلى رأسهم رئيس حكومتهم، لمحاولة منع تنفيذ مثل هذه الصفقات، التي تغيّر ميزان الردع الإقليمي – حسب زعمهم – خاصة بعد إسقاط طائرتهم «أف 16» شباط/ فبراير الماضي، على يد الدفاعات الجوية السورية.
بين النفي والتأجيل الروسي، والسعي الإسرائيلي الحثيث للإلغاء، واللا نفي واللا تأكيد السوري، أخيراً جاء الجواب من الجانب السوري، ليختصر كلّ الجدل المتعلق بهذه القضية، من خلال إجابة الرئيس بشار الأسد عن سؤال بهذا الخصوص، خلال لقاء أجرته معه فضائية «العالم» الإيرانية، بتاريخ 13 حزيران/ يونيو الفائت، حيث قال:
«إنّ العمل العسكري والجوانب العسكرية هي جزء من الجانب السياسي، وبالتالي التصريح ولو كان ذا طابع عسكري فهو يحمل بنفس الوقت رسائل سياسية»، مشيراً إلى أنه ربما يكون «ضمن التكتيك السياسي»، في ما يخصّ الجانب الروسي.
وفي ما يخصّ الشق العسكري السوري، فقد أوضح الرئيس الأسد أنّه «ليس من العادة أن نحدّد ما هي الأسلحة التي ستأتي أو التي لن تأتي… فنحن لا نعلن عن قضية ذات طابع عسكري تقني تقليدياً»، وتابع قائلاً «حتى لو كانت صواريخ أس 300 ستأتي، فنحن لن نقول بأنها وصلت إلى سورية»، ليغلق بذلك الباب نهائياً، على كلّ التساؤلات التي تدور في هذا الفلك، ويوجّه الأنظار نحو المستقبل، حول كلّ ما يتعلق بهذه الصفقة، «فالسلاح يُستخدَم عندما يجب أن يُستخدَم» على حدّ تعبيره…!
معركة الجنوب السوري على أهميتها الاستراتيجية، لما تشكله من ساحة مواجهة مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، شارفت على خواتيمها، من خلال التقدّم السريع والساحق للفصائل المسلحة، الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه، ما أثقل كاهل الإسرائيلي مجدّداً، وما أفقده توازنه التفاوضي فهو اليوم ما بين نارين:
أولهما إمكانية تزويد دمشق بمنظومة صواريخ أس 300 التي لم تزل قائمة، وثانيهما اقتراب الجيش السوري وحلفاؤه من الوقوف وجهاً لوجه معه، على تخوم الجولان السوري المحتلّ، ما يرجح فرضية وقوع المواجهة المباشرة، وهذا ما لا يتمناه، وما يفسّر مسعاه في محاولة إقناع موسكو، بمنحه ضمانات تمنع حدوث ذلك، على ما يبدو سلفاً أنها خائبة…
حيث صرّح سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي، في حديث لصحيفة «إل جورنالي» الإيطالية، أجراه بتاريخ 11 تموز/ يوليو الحالي: «أن ّالعدوان الأميركي البريطاني الفرنسي على سورية يظهر ضرورة وجود منظومات دفاع جوي حديثة لدى السوريين»، كما أكد أنّ موسكو مستعدّة لبحث مسألة «توريد صواريخ أس 300» لسورية، لكنها لم تتلقّ حتى الآن «طلباً من دمشق» بهذا الخصوص.
مع التنويه أنّ تصريح شويغو هذا، جاء قبل ساعات من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو…!
فهل هي رسائل سياسية جديدة؟ تريد موسكو إيصالها إلى أطراف العدوان على سورية، عبر رئيس وزراء قاعدتهم المتقدّمة في الشرق الأوسط «إسرائيل»، قبيل الموعد المرتقب في 16 تموز/ يوليو الحالي، لقمة هلسنكي، التي ستجمع كلاً من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب..!
وهل هي في سياق تكتيكي أم لستراتيجي؟
إن غداً لناظره قريب…