«بريكس» وقواعد اللعبة الاقتصادية
سماهر الخطيب
إنّ الحروب يمكن أن لا تنشب بسبب تهديد حقيقي، إنما بسبب الخوف من زيادة قوة الدول.. لذلك يشعر صانع القرار الأميركي بقلق متزايد من «القوة الجديدة»، حيث تزامنت عودة الحمائية المباشرة والحازمة إلى الممارسة العالمية مع فرض أميركا إجراءات تقييدية على الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في وقت واحد.. فكانت ثغرة خلصت بكين وموسكو إلى ضرورة تعزيز نفوذها في «أوراسيا وأوروبا والقارة السمراء» وعلى عتباتهم.
وتمتلك الصين بمواردها المالية الضخمة، وسياستها التنموية، فرصة لاستغلال نقاط الضعف في «البيتين الأبيض والأوروبي»، عن طريق ملء الفراغ في هوامش فاقدة الأمل في التنمية عبر علاقات ثنائية إن مع الدول الأوروبية وإنْ مع الولايات منفردة عبر شركاتها مستغلة «قانون» الولاية الأحادي، ولم يغب عنهما تلك «السمراء» المنهكة من الحروب والاستغلال والساعية نحو الإعمار وليس الاستعمار.
وفيما يشنّ الرئيس الأميركي حرباً تجارية معلنة وتوجه علني نحو الحمائية بشعار منحوت بتفرد «أميركا أولاً» يقود نظيره الصيني حرباً اقتصادية باردة، مستخدماً شتى الأساليب التنموية وعبر اللجوء إلى وسائل قانونية وتحت الشرعة الدولية، في محاولة لإضعاف خصمه مع تجنب الحرب.
إن أفكار بينغ حول التنمية العالمية لم تكن مجرد أطروحة أو فكرة معلنة بل تم إدخالها مؤخراً في ديباجة الدستور. لتتم دراسة هذه التعاليم، وتعميمها ليس على الداخل فحسب بل وعكسها على أحلاف ومنظمات متعطشة لأعمال تنموية.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أنّ «بلاده ستواصل مسار التنمية وأبوابها مفتوحة على مصراعيها»، داعياً إلى «وقف الحروب الاقتصادية حيث إنه لا يوجد فيها فائز، وسيلحق الضرر في العلاقات الدولية بمن يتبعون هذا النهج».
وشدد في كلمة له خلال فعاليات انطلاق قمة مجموعة «بريكس» على أنه «يجب رفض الحرب التجارية العالمية لأنّ لا فائز فيها»، مضيفاً أنّ «الحمائية توجه ضربة قوية للتجارة العالمية»، داعياً دول «بريكس» إلى «رفض النزعة الفردية بشكل حازم».
والآن، تقف الصين وروسيا والولايات المتحدة عند «الباب الأوروبي النيوليرالي» وعموده «التبادل الحر» وكذلك على عتبة «التناقضات الدولية»، وفي عصر الثورة الصناعية الرابعة، يجتمع قادة «بريكس» لمناقشة قواعد «اللعبة الاقتصادية»، لكن المباحثات «الرقمية» داخل بيت «السمراء»، ما يضفي على الدور «الجيوسياسي» للمجموعة طابع الجدية والوقوف في طابور «المنافسة» الشريفة مع البيتين «الأبيض والأوروبي».
فالاتجاه الأفريقي هو من بين أولويات واشنطن وبروكسل، وكذلك في مقدمة اللائحة المحدّثة من مفهوم سياسة البلاد الخارجية لموسكو وبكين.
فالمساعي «الشيوعية» في الحقبة الماضية حول إمكانات التعاون مع «القارة السمراء» لم تذهب مع الماضي. والآن، أصبح التوجه نحو التعاون وتبادل المنفعة والابتعاد عن «الإيديولوجيا» هو السمة الرئيسية في بناء العلاقات الخارجية.
بالتالي، انجذبت الشركات الروسية والصينية الكبيرة والمتوسطة الحجم بشكل متزايد إلى القارة السمراء، وتوسع التعاون مع الدول الأفريقية في قطاع النفط والغاز، والطاقة النووية والتكنولوجية عبر المساهمة في إنشاء أنظمة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ويبقى التعاون العسكري التقني مجالاً هاماً، كذلك لمنظمة شنغهاي دورها ولمجموعة بريكس ثقلها في القارة.
إن التفاعل بين روسيا والصين وأفريقيا يمكن أن يحقق اختراقًاً للمصالح الأميركية وكذلك الأوروبية، فالصفقات التنموية «الصينية» و»البزنس الروسي»، لديهما قاعدة كافية متعطشة في أفريقيا.
وانطلاقاً من ذلك، فإنّ العلاقات مع القارة السمراء متنوعة وستكتسب طابعاً نظامياً تنموياً يجعل الصين وروسيا بالنسبة للولايات المتحدة تشكلان تهديداً لا يمكن السهو عنه، لتبدأ الهواجس الأميركية تتصاعد خوفاً من أن تزاح أميركا كلياً عن موقعها كأكبر قوة مهيمنة في العالم.
ولكن الصين وكذلك روسيا، تؤكدان على الدوام «أنه لا داعي للتخوف من تقدمهما. فهما لن تذهبا في الاتجاه الذي ذهبت إليه القوى الإمبريالية في القرنين التاسع عشر والعشرين». إن المبدأ الذي تسعى الصين وروسيا إلى تطبيقه في العلاقات الخارجية، أنه «لا يجب التوسع إقليمياً، ولزوم التقيد بالقواعد الدولية القائمة ونبذ الحروب وجعل الشعوب تقرر مصيرها بأنفسها دون إسقاط لقرارات ونماذج جاهزة».
إلا أنه وفي ضوء سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «المتهورة» فإنّ توجه بينغ، أصبح أكثر خطورة بما ينطوي عليه من زيادة في «عدّاد التهور الترامبي» والذي يرى هاجساً أنّه في خلال 10 أعوام وربما 15 عاماً، سوف تصبح الصين الاقتصاد الأول في العالم، وليس فقط بمقياس القوة الشرائية، إنما وبمعيار تحويل الناتج المحلي الإجمالي عملة. من الواضح أن هذا سيؤثر على كل من السياسة والشؤون العسكرية.
على الصين، إقناع أميركا بأنها ليست مخيفة. وعلى أميركا فهم أنّ الخوف من فقدان نفوذها العالمي يجب ألا يؤدي إلى خلق احتمال لنزاع عسكري.