حب ـ حرب..والراء اللعينة!
نظام مارديني
في سيل التعاقب والصراع بين الخير والشر يتمايز الخصوم وكل يدافع عن أشيائه الخاصة ومعتقداته التي يكتنزها في سراويله وجيوبه وتحت وسائده المخفية والمعلنة ولهذا فقد بنيت الحياة على الخصومة حتى مع الذات والنفس والأهواء المتضاربة والجماعات المتنازعة ذات اللغة الواحدة.
ما نعيشه في وطننا منذ بدء الاستيطان اليهودي في فلسطيننا الغالية، توقف، انسداد، مأزق، شلل، مواجهة.. وبهذه المعاني يمكن وصف العدوان الدائر على سورية والعراق «سوراقيا».. ولكن كان من الممكن أن تسري الأمور على نحو مختلف لو لم يكن بعض أدوات هذا العدوان من بني جلدتنا وحواضر البيت!
لألبير كامو.. «إن هذا العالم المليء بالآثام لم يصل الى تلك الدرجة، إلا لأن كل إنسان قد أعطى لنفسه الحق في أن يحكم»..
ما الذي حلّ فينا؟ كيف تحوّلت مواطننا ومدننا الجميلة إلى أنقاض دمرتها قنابل الحقد الأعمى والإرهاب الوحشي المستورد؟ إلى متى نرى أمام أعيننا كيف يُذبَح ويُفجَّر ويُعذَب أبناؤنا.. وكيف توجه قوى العدوان زبانيتها وبيادقها لتقسيم وتفتيت وطننا، تارة باسم المذهبية وتارة باسم العرقية؟
مَن الذي أشعل الحريق في وطننا.. ومدننا التي كانت تفيض جمالاً يختال فيها خيرة أبنائنا وهم الآن يخوضون في البحار هرباً من القتل الوحشي ومن الدمار الذي تسبّب به العدوان، ومن الحروب التي تقوم في شوارعنا بالنيابة عن المتآمرين علينا من الدول الإقليمية والعالمية؟
صحيح أن الحياة في «سوراقيا» أشبه بلوحة فسيفسائية متعدّدة الألوان والحوادث والوقائع، تتقارب قطعها ولكنها لا تتحد، ولكن لكل آحاد المجتمع لوحته الخاصة به يتشكَّل بها وتتشاكل معه ولا يحيد عن إطارها العام، لوحة رسمها بأفعاله وقلم لسانه وريشة جنانه، ذات ألوان كثيرة متزاحمة، متقاربة في جزء من اللوحة ومتنافرة في أجزاء أخرى، تتواشج في مكان وفي آخر تتحشرج، ولكنها في نهاية الأمر لوحة تشكيلية، ينظر إليها الناظر فيُعجب بها بعضاً أو كلاً، أو يرفضها جمعًا، ولا يعرف مغزى الألوان وتداخلها إلا من حرّك ريشته وغمسها في ألوان الحياة.
ولوحة الإنسان التي يراها البعض بعين السخط، ليست على الدوام أبيض وأسود، أو رمادية، فهناك بصيص نور من ألوان قوس قزح، ترتفع درجة التردّد الإشعاعي فيه أو تنخفض حسب المؤثرات الداخلية أو الخارجية.
مَن سينتصر في نهاية المطاف؟ الحب أم الحرب.. هذه الراء اللعينة؟ أم سيخسران معاً فيكون العدم سيد الموقف؟ هي تساؤلات مشروعة تنتهي عند العاصفة الكاسرة التي تضرب وطننا ولا ينجو منها سوى الذين أحبوا قلوبهم وأفردوا لها مساحة كافية للنبض والسلام.
من الجميل جداً أن يستحضر المرء مفهوم الحياة من فسيلة يغرسها والقيامة قائمة دائرة به من كل حدب. ومن الجميل جدًا أن يدرك المرء مفهوم الشهادة، وللسوراقيين أن يفتخروا بأن النهضوي أنطون سعاده خاطبهم ومازال: «إن لم تكونوا أحراراً ومن أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم».
للأديب الكبير سعيد تقي الدين «زحزح الصخر عن باب كهفك أيها الخائف، واطفر إلى الشمس، فتكتشف أنك كنت تعيش وحدك. في العتمة، وأصبحت تحيا مع أبناء النور ـ أبناء الحياة».