لماذا تعارض حكومات الغرب عودة اللاجئين السوريين؟
حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعمل بكلّ ما أوتيت من قوة لعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، علماً أنّ أكثر من 90 من سكان سورية يقطنون المناطق التي تسيطر عليها الدولة وعاد إليها الأمان والخدمات الضرورية. وتتواطأ الأمم المتحدة مع جهود الحكومات الغربية في الحؤول دون عودة اللاجئين إلى ديارهم.
مما لا شك فيه أنّ هناك حسابات ودوافع هي التي تدفع الحكومات الغربية إلى هذه العرقلة، متنكرةً لما تقوله بأنّ لجوء السوريين بات يشكل تهديداً للاستقرار في البلاد التي اضطروا للهجرة إليها.
بكلّ تأكيد هناك دوافع عسكرية مرتبطة بالحرب التي شنّت على سورية تقف في رأس قائمة الدوافع التي تدفع الحكومات الغربية إلى عرقلة عودة اللاجئين. معروف أنّ عدداً كبيراً من الشباب السوري في سنّ خدمة العلم هاجر من سورية عندما تحوّلت مناطق سكنه إلى ساحات حرب وسعى إلى إعالة أهله في المناطق التي لجأوا إليها. إنّ عودة هؤلاء الشباب وهم يعدّون بعشرات الآلاف يعني التحاقهم بخدمة العلم وتعزيز قدرات الجيش السوري البشرية، وهذا ما يتعارض مع مصالح الحكومات الغربية التي تريد إطالة أمد الحرب في سورية، في حين أنّ حصول الجيش السوري على الموارد البشرية الكبيرة يساعده على ربح الحرب في ما تبقى من مناطق خارج سيطرة الدولة بسرعة كبيرة.
هناك دوافع اقتصادية، إذ من المعروف أنّ جزءاً كبيراً من الأيدي العاملة الفنية والعادية قد هاجرت خارج سورية بسبب ظروف الحرب، ومعروف أنّ سورية تعاني من نقصٍ شديدٍ في الأيدي العاملة، وجميع المشرفين على المدن الصناعية في سورية اشتكوا من نقص اليد العاملة، وفي مرحلة إعادة الإعمار، التي بدأت في سورية، فإنّ الاحتياج إلى الأيدي العاملة أصبح ملحاً أكثر من أيّ فترة أخرى، وبالتالي عرقلة عودة اللاجئين تعني عرقلة عودة الأيدي العاملة، وعرقلة إنهاض الاقتصاد وعملية إعادة الإعمار.
دوافع أخرى ذات طابع سياسي تدفع الحكومات الغربية للعمل على عرقلة والحؤول دون عودة اللاجئين السوريين، وتتجلى هذه الدوافع بأمرين أساسيين، الأمر الأول، جعل هذه القضية وسيلة للتوظيف والاستغلال السياسي لفرض الاملاءات الغربية في أي تسوية نهائية للوضع الناجم عن الحرب في سورية، أي تحويل اللاجئين السوريين إلى دروع بشرية لتحقيق عبر السياسة ما عجزت عن تحقيقه الحكومات الغربية عن طريق الحرب الإرهابية التي استمرّت ثماني سنوات. الأمر الثاني، إبقاء اللاجئين حيث هم تحت سيطرة وضغوط الحكومات الغربية وبعض حكومات المنطقة للتأثير على مواقف هؤلاء في الانتخابات التي قد تجري في إطار الحلّ السياسي النهائي. إنّ عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تحرّرهم من ضغوطات الحكومات المستضيفة لهم، وتجعلهم يصوّتون في الانتخابات وفقاً لإرادتهم بعيداً عن ضغوط هذه الحكومات، والأرجح، قياساً إلى انتخابات عام 2014، أن يصوّت غالبيتهم في اتجاه لا تريده الحكومات الغربية، في حين أنّ بقائهم في مناطق اللجوء يحول دون تصويتهم الحرّ ويكونون عرضةً لضغوط الحكومات المضيفة.