من يُدخِل لبنان في نفق «القمة» وهل يتحرّك حلفاء سورية؟
محمد حميّة
حسم رئيس الجمهورية ميشال عون النزاع الداخلي حيال انعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت بتأكيد انعقادها في موعدها، مُسقطاً بذلك خيار التأجيل حتى الآن، بانتظار نتائج المشاورات القائمة بين القوى الداخلية ومع المعنيين في الجامعة العربية بشأن بت مسألة توجيه دعوة الى سورية لحضور القمة.
والى حين اجتماع مندوبي الدول الأعضاء في الجامعة الأسبوع المقبل لاتخاذ القرار، فإن السؤال هو ماذا يُخفي إصرار بعض القيادات اللبنانية على عقد القمة في بيروت في ظل حالة التشظي العربي القائمة وما جدواها الاقتصادية من دون سورية والعنوانين الرئيسين لها: أزمة النازحين ودور لبنان في إعادة اعمار سورية؟
وكيف يتخذ لبنان قراراً مصيرياً كهذا من دون العودة الى مجلس الوزراء، علماً أن قرارات أقل أهمية بكثير كانت تسقُطُ بفيتوات سياسية من أي مكون داخل الحكومة، فلماذا تجاوز المجلس في هذا القرار الذي وإن تلقفته سورية سلباً فقد يُخلِف نتائج كارثية على لبنان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحتى وجودياً لجهة معضلة النزوح السوري، والى متى سيبقى «الشقيق اللبناني» لسورية ساحة لاستفرادها سياسياً وخرقها عربياً وقاعدة لضربها عسكرياً؟
ووفقاً لمصادر مطلعة فإن القمة محل انقسام سياسي لبناني، وبالتالي إن التفرد باتخاذ القرار مراعاة ومجاراة لأحد أطراف السلطة ودول الخليج يخرق مبدأ الإجماع الوطني وسياسة النأي بالنفس، إضافة الى الضرب بعرض الحائط اتفاق الطائف الذي ينص بشكل واضح على العلاقة المميزة مع سورية، ما يدفع للتساؤل عن موقف حزب الله الحليف الاستراتيجي الأول لسورية والحلفاء الآخرين – فهل يستدركون الموقف قبل فوات الأوان أم يغضون النظر ويكتفون ببيانات الرفض مراعاة للرئيس عون؟ علماً أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري كان أول المحذرين من انعقاد القمة في لبنان من دون سورية وقد خرجت إشارات حاسمة من نواب حركة أمل ومسؤولي الأحزاب الوطنية والقومية في هذا الاتجاه بلغت حد التأكيد بأن لا قمة بلا سورية.
مصادر مطلعة تحدثت لـ«البناء» عن ضغوط فرنسية وأميركية وسعودية على لبنان وتحديداً على رئيس الحكومة المكلف برفض أي انفتاح على سورية في الوقت الراهن. وقد أبلغ الأخير رئيس الجمهورية بذلك طالباً دفع الإحراج عنه وتمرير القمة بأقل الخسائر مع تأجيل تأليف الحكومة الى ما بعدها».
فالدول المؤثرة في الساحة اللبنانية ورغم محاولتها سبر أغوار دمشق بخيار «العودة القسرية» الى الشام فإنها لا تريد بيع ورقة مجانية لسورية قبيل انتهاء التفاوض على جملة من الملفات التي تتعلق بالمنطقة لا سيما القضية الفلسطينية وأمن «إسرائيل» ومصير الجولان المحتل وأمن النفط، إضافة الى موقع ودور الولايات المتحدة ودول الخليج في خريطة سورية الجديدة بعد التقدم السوري الكبير في الجبهات كافة، ما يعني استخدام لبنان ورقة تفاوضية بيد السعودية ومن خلفها واشنطن للمساومة مع دمشق، أما لبنان فهو مَن سيدفع الثمن في نهاية المطاف فيما تحاول الدول الأخرى قطف الثمار عندما يبدأ موسم القطاف.
فمن يدخل لبنان في نفق «القمة» المُظلم؟ ومن يريد استغلال هذا الاستحقاق لتحويله صداماً داخلياً يجعل ولادة الحكومة أمراً مستحيلاً؟
أما السؤال الذي يثير المخاوف ماذا لو اتبعت سورية سياسة المعاملة بالمثل المعتمد في العلاقات الدبلوماسية بين الدول ووضعت لبنان في المرتبة الدنيا بين الدول على مستوى العلاقات الاقتصادية عندما تدق الساعة الصفر لإعادة الإعمار؟ وماذا لو وصل الأمر حد إقفال الحدود السورية على لبنان الذي يرزح تحت ثقل الأزمات المتنوّعة، هل يتحمل المسؤولون عن القرار المسؤولية وماذا عساهم فاعلين أمام الوضع الكارثي؟
إن استضافة قمة عربية على أرض لبنانية قد ترى فيه قوى المقاومة انكساراً للمحور الإيراني – السوري في ظل الانتصارات التي يحققها على مستوى المنطقة، ما يجعل قوى المحور الآخر تتقدم في الساحة اللبنانية كجائزة تعويض عن تراجعها في ساحات أخرى ومنصة لمفاوضة سورية من موقع قوة، فإذا كان فريق المقاومة لا يستطيع صرف الفائض السياسي لهذه الانتصارات فأين يصرفها؟ وهل يسمح للآخرين بصرف هزائمهم بكسب أثمان سياسية عبر لبنان؟
ما الحل إذاً؟
الوقت لم ينفُد لاستدراك الموقف وتحديد مصلحة لبنان العليا والاستراتيجية، هل هي في مراعاة دول الحرب على سورية التي تهمُ لفتح صفحات جديدة مع دمشق خلال شهرين؟ أم مصلحته مع دولة تستعيد العالم أجمع الى حضنها فيما حضنها الجغرافي والديمغرافي والتاريخي والقومي يخرجُ منها بقمة لا تُسمن ولا تغني من جوع وفي زمن الزحف العربي الى الشام؟ هذا الى جانب ضرورة توجه حكومة لبنان بطلب لانعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب لبحث هذه القضية وتسجيل موقف لبناني تاريخي يُحتسب لدى القيادة السورية في القريب العاجل.
ووفق معلومات «البناء» من أوساط مطلعة، فإن الجهود لإيجاد مخرج لم تنتهِ وتنصبّ على احتمالين: تأجيل القمة لحين البت بمصير عودة سورية الى الجامعة وقد قطع شوطاً متقدماً أو توجيه دعوة الى سورية للحضور، وأن هناك ضغوطاً من حزب الله ومساعي مع رئاسة الجمهورية للتوصل الى واحد من الاحتمالين إلا أن هناك متسعاً من الوقت لحسم الأمر.