عماد مغنية: روح المقاومة
ناصر قنديل
– قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ذات مرة، «إن إسرائيل هزمت في الحروب الماضية وستُهزم في الحروب القادمة، لأنها فقدت الروح، فروح إسرائيل مهزومة». ومَن يواكب تاريخ الحروب يعرف أن العبرة الأهم فيها على المستوى الاستراتيجي، عندما تكفّ الحروب عن أن تكون كرّاً وفرّاً، وتصير سياقاً متصلاً لانتصارات مستدامة متصاعدة على ضفة وهزائم متراكمة على ضفة مقابلة، ليست في العناصر التكتيكية للحرب التي يمثلها العتاد والعديد والخطة، بل في روح الجيوش، والروح ليست المعنويات التي يذهب بها الجيش إلى الحرب، فالمعنويات ليست إلا بعض الروح، والروح هي حجم الإصرار والمثابرة على تحقيق النصر والثقة بالقدرة على تحقيقه، والعمل بكدّ وجدّ لأيام وشهور وسنوات للتمكّن من أسبابه، وتحويل الفوز به قضية شخصية لكل جندي أو مقاتل تعادل الوجود وتستحق التضحية به، والتمكن فلسفة قوة تقوم على معرفة العدو عن كثب ودراسة نقاط ضعفه ونقاط قوته، ومعرفة الذات بواقعية ورفع منسوب نقاط القوة وسد الثغرات ونقاط الضعف. وبهذا يصح القول إن الشهيد القيادي المقاوم عماد مغنية كان روح المقاومة، والروح لا تموت مع رحيل صاحبها، بل ربما تتجذّر أكثر.
– عرفت الشهيد عماد منذ إثنين وأربعين عاماً، وكان في الخامسة عشرة، ويقينه بالنصر على مشروع كيان الاحتلال لا يقبل الشك، ومشروعه لبناء روح المقاومة كان سيرة الإمام الحسين. ولما عدتُ والتقيته بعد عامين، كان مشروعه لبناء روح المقاومة قد صار بناء حالة عابرة للتنظيمات الفلسطينية واللبنانية والعربية بمختلف خلفياتها العقائدية يجمعها قتال كيان الاحتلال. ولما عدت والتقيته إبان الاجتياح الإسرائيلي على خطوط المواجهة، صار مشروعه تأسيس المقاومة. وبعد سنوات كان المشروع قد تبلور بحزب للمقاومة، وإمام للمقاومة، ودولة عمق وإسناد للمقاومة، وكانت الروح في فلسفة الحاج عماد بسيطة تقوم على ركائز ثلاث: الأولى هي قتل الخوف بالتوحيد، فهو يقين بأن لا أحد يمكن أو تجب خشيته إلا الله، فكيف نعبده ونخاف سواه وهذه الـ «سواه» هي أميركا و»إسرائيل»، والثانية قتل الجهل بالعلم، والتفوق على العدو بالعلم طريق النصر، والثالث تحويل الاختلال بين السعة والكثرة في البعد الجغرافي والديمغرافي والجيواستراتيجي للبيئة العربية والإسلامية بوجه الضآلة والضيق والمحدودية في حال «إسرائيل» إلى وقائع تستحضر في ساحات الحرب.
– في الأولى كان الإمام الخميني ومن بعده الإمام الخامنئي تجسيداً للروح، وفي الثانية كانت ثنائية الصواريخ والأنفاق طريق تحقيق التفوق الاستراتيجي، وفي الثالثة كان الوصل الجغرافي مع سورية وفلسطين والعراق واليمن والانفتاح على باكستان وأفغانستان طريق بناء المدى والعمق وإكمال الطوق، وقد اشتغل الحاج عماد على المحاور الثلاثة بدأب وجدّ وبالتوازن والتوازي، لا يختلّ ضلع من الأضلاع الثلاثة على حساب سواه، وكما كانت معادلته في الأولى «الطريق إلى فلسطين تقودك إلى الإمام والطريق إلى الإمام تقودك إلى فلسطين». وهو واثق بأن معادلة الإمام «اليوم إيران وغداً فلسطين» هي استراتيجية الدولة والثورة في إيران، كانت معادلته في الثانية أن كل الترسانة النووية والكيميائية لدى العدو لا قيمة لها، بل تصير عبئاً على أصحابها إذا امتكلت المقاومة القدرة على استهدافها، والصواريخ هي السلاح الاستراتيجي الذي يجب امتلاكه وتصنيعه والتمكن من استخدامه، وكان يقول لرماة الصواريخ أريدكم قناصة تستطيعون إدخال الصاروخ من نافذة مقرّ أو موقع ومن فتحة التصويب في متراس، وكما كانت الصواريخ نصف حربه، بالمقابل كانت الأنفاق نصف حربه الثانية، فهي وسيلة اتصال وخزان تموين وذخيرة وموقع مرابض وطريق اقتحام ومناورة والتفاف، وصولاً لتكون تعطيلاً لتفوق النيران التي يمتاز بها جيش الاحتلال، حتى يتحقق الالتحام رجلاً لرجل فيكون النزال الذي يغيّر معادلة الجيش الذي لا يُقهر، وعندها يبدأ قتل الروح في جيش الاحتلال حتى تصير الهزيمة محققة قبل دخول الاشتباك، أما في الثالثة، فقد كان يردّد مقولة العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله «إن قضية الحرية في العالم لا تتجزأ كما قضية العبودية في العالم لا تتجزأ». ومقولة الإمام الخميني «أن مَن يكسر قيداً من قيود عبوديته هو إنما يفتح نافذة من نوافذ حريتي أنا» ليضيف إليهما مقولته، «إن فلسطين تحرّركم، أياً كنتم وأينما كنتم، فهنا فقط يسقط المشروع الإمبريالي الذي يسند حاكماً مستبداً يعذبكم، أو احتلالاً يغتصب أرضكم، قاتلوا لأجل فلسطين تنتصرون في بلدانكم». وكانت المقولة تصير أشدّ حماسة وقوة عندما يتوجه الخطاب للعرب والمسلمين عن القضية المركزية وعن مكانة القدس الدينية، فكان ينجح في العراق وفي سورية وفي اليمن وفي فلسطين وفي فنزويلا وفي كثير كثير من أماكن سيكون لها دور في يوم مقبل.
– نجح القائد العبقري عماد مغنية في بناء روح المقاومة، كما نجح في تدمير روح الكيان. وتستمر المواجهة، لتضيف المزيد من الوقائع على الروح المهزومة عندما تتقابل مع الروح المفعمة بالنصر، وفي مثل هذا اليوم الذي ترجّل فيه عن حصانه، نهدي دمعة حارة لروحه المنتصرة، وباقة ورد عربون حب وإكبار.