حالة وجدانية محفّزة للسعادة في معرض تشكيلي للفنانة هالة مهايني
لورا محمود
ترى أنّ الكون هو لغز محيّر نحاول اكتشافه والتماس جزء منه لذا نمعن النظر في ما حولنا ضمن فراغ كبير وصمت عميق. هذا الفراغ الذي تتلاشى فيه كلّ التفاصيل التي نحن جزء منها وصمت تختفي داخله كلّ الأصوات.
واليوم في معظم لوحاتها تعيد صياغة الطبيعة والأشجار والصخور لتحولها إلى بقع لونية تتخلّلها ظلال يحركها الخيال بإيقاع منوع وخطوط متداخلة ولمسات وألوان تحمل صفة الصدق الذي تتسم به تكوينات الطبيعة.
هي الفنانة التشكيلية هالة مهايني صاحبة التجربة الفنية الطويلة والمتميزة والتي تعتبر من أهم الفنانات التشكيليّات على الساحة الفنية وقد استضاف معرضها المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق وضمّ لوحات بألوان زاهية ومرحة تجلب السعادة وتتآخى مع الضوء لتضفي عملاً لا هو منظر، ولا هو تجريد، بل هو روحية هالة الفنانة نفسها.
«البناء» التقت الفنانة التشكيلية هالة مهايني التي تحدثت عن المعرض قائلة: هذا المعرض تجربة جيدة وتقريباً كلّ الأعمال التي أنجزتها كانت في عام ٢٠١٨ وكلها أعمال زيتية، وهناك بعض الأعمال القديمة التي اشتغلتها في السابق. أعمل على التكوين وهو عبارة عن اللون والضوء والمساحات اللونية وهناك بعض المفردات مأخوذة من الطبيعة والبيوت والجو الذي أعيش فيه. فثمة لوحات تأخذ وقتاً أكثر من غيرها ولا يوجد لدي قاعدة بل الموضوع يعتمد على الطاقة التي تكون موجودة لدي خلال العمل.
وعن الألوان الزاهية الطاغية على اللوحات لفتت مهايني إلى أنها شخص يحبّ الفرح في الحياة وبهذه الفكرة ترسم وتتابع عملها الفنّي وبشكل عام تركز دائماً على الألوان النظيفة والمشرقة.
أما عن رسالتها التي تحب أن توجّهها من خلال المعرض قالت مهايني: رسالتي هي للإنسان، فهناك أشياء جميلة في الحياة والإنسان عليه أن يخرج من الحزن والتعب وتكون لديه نظرة إيجابية إلى الحياة ليمضي قدماً. حاولت أن أخرج من الأزمة في سورية من خلال هذا العمل لأنّ الحزن يجعل الإنسان غير قادرعلى متابعة عمله.
وأشار مهايني إلى أنّ العمل الفني يبدأ وينتهي والإنسان أحياناً يكون في ذهنه شيء لا يستطيع أن يضعه في لوحة واحدة لذا يتابع العمل أكثر ليخرج كل ما في ذهنه من أفكار.
أما عن المختلف الموجود اليوم في هذا المعرض، قالت مهايني: لا يوجد شيء مختلف طريقتي هي نفسها، وأكمل بها وبشكل عام فإنّ أسلوبي في الرسم ليس تجريدياً بل هو اختصار وتركيز على أشياء موجودة ولدي نوع من الموجودات وتكثيف للفكرة.
ورأت مهايني أنّ أهم ما في الحياة الوقت والعمل والإنجاز في هذا الوقت فليس العمل هو المهم بحدّ ذاته إنما القدرة على الاستمرار.
وعن الحركة التشكيلية في سورية اليوم، قالت مهايني: لا أستطيع أن أقيم الحركة التشكيلية كلّها والفنان لا يمكن تقييمه إلا بعد أن تصبح لديه سنوات من العمل تظهر التجربة التي لديه.
أما بالنسبة إلى مشاركاتها العالمية وأهمية أن تكون للفنان السوري بصمته في العالم، لفتت مهايني إلى أنّ الفنان طالما بدأ تجربته الفنية فهو سيتابع فيها وموضوع العالمية وغيرها ليس هدفه، فهذه أمور تأتي وحدها وحتى لو لم تحدث المهم أن يكون الفنان على ثقة عالية بعمله ويستمر فيه.
الأخرس
ورأى رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس أنّ أهم ما يميز هالة أنها منسجمة وحقيقية مع ذاتها ففي المجتمع التشكيلي نرى تشابهاً كبيراً في اللوحات لكنّ هالة هي نفسها فعندما نرى اللمسات الصغيرة بفرشاتها بألوان الزيتي تشعرنا بأنها لوحات حقيقية وتعطينا فرحاً. فهي غير مقلدة لأحد وما تشعر به تنقله على اللوحة وهذا يميزها عن غيرها.
وأضاف: الفنانة هالة لا تلعب اللعبة التشكيلية ولا تشبه إلا نفسها، فهي حساسة ومرهفة جداً ومجتهدة وجادة في عملها ولا تفتعل الأشياء بل ترسم كلّ ما تشعر به. المرئي بالنسبة إليها مخزن في ذاكرتها ويخرج في وقته واليوم خرج بهذه اللوحات.
وتابع: نحن في المركز نحاول أن نعرض لمن لم يدخل بعد إلى النشاط التشكيلي الاجتماعي لأنّ هناك من هم أولاد سوق وهناك من هم مخفيون والاستديو برأي هو أكبر عدو للفنان لأنه منغلق على نفسه لذا يجب أن يتحرك ويخرج ليرى ما يعرض لفنانين آخرين. فاللوحة يجب أن لا توضع على الحائط فقط بل يجب أن يحكي الفنان معها فهي كالإنسان ومتطلبة أيضاً.
وعن كثرة المعارض التشكيلية التي تقام في اليوم نفسه وتأثير ذلك على الحركة التشكيلية ودور وزارة الثقافة، قال الأخرس: يجب معالجة هذا الموضوع فكأنّ صالات العرض التشكيلي تتسابق وبالنسبة إلينا نحن لدينا برنامج عمل، على المدى البعيد، أما الآخرين فليسوا كذلك ومن المفروض أن يكونوا على علم ببرنامج المركز الوطني وأن لا يقام معرض في اليوم نفسه لأنّ تاريخ إقامة أي معرض لدينا ثابت. وللأسف كثرة صالات العرض لا يعني كثرة المعارف. فالمعرض مشروع
ورأي للآخر وكأنّ الموضوع يشبه المنافسة السوقية ففي الثقافة والفن لا يوجد كذب لذلك هذه مشكلة كبيرة ولا أعرف أين دور وزارة الثقافة هنا. لكن، على الأقل، وعلى سبيل الزمالة يجب أن يكون هناك تواصل بين صالات العرض للتنسيق في ما بينها لأنّ هذا الموضوع يؤثّر على الفنان نفسه وعلى المتلقي وعلى الصحافي لأنّ هناك حالة من الضياع وهذا يحزّ في النفس.
عانا
أما الفنان التشكيلي غازي عانا فقد تحدث عن معرض الفنانة مهايني قائلاً: المعرض مهم للناس الذين لا يعرفون الفنانة هالة كفنانة تشكيلية فهي غابت لفترة طويلة عن العرض وأنا متابع لها منذ التسعينيات والمعرض مفرح وفيه سعادة، وهو يضمّ أعمالاً للفنانة رسمتها في سنوات سابقة واليوم هذا المعرض مهم جداً وفيه نضج كبير في التجربة وفيه مادة تصوير مهمة وفهم خاص بالفنانة بالنسبة للتجريد وهذه مسألة مهمة. أضاف: أنا متعصّب للتجريد والمعرض فيه توزيع للكتلة والفراغ بطريقة جميلة جداً والمشهد برغم الازدحام الموجود فيه إلا أنه ملتم على نفسه ومساحات الضوء فيه مريحة ولا يستطيع أحد أن ينجز عملاً تجريدياً بهذه الطريقة فهذا تجريد مقنع وممتع للمشاهد وحتى الأشخاص الذين يرسمون واقعياً يجدون في اللوحات واقعية لأنّ الفنانة مستندة على الواقع في كل الأحوال.
القاسم
بدوره، قال الناقد التشكيلي سعد القاسم: في السيرة الإبداعية لهالة جائزتان من الصين ومهرجان المحبة في اللاذقية ومشاركات وفيرة في المعارض الجماعية
ومنها معرض أربع تجارب فنية عام ١٩٩٩ ولها معارض فردية من أهمها معرض «ذاكرة مدينة» الذي أقيم بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإسيسكو عام ٢٠٠٦.
وتحفل سيرتها الإبداعية بالتقدير الواسع فتجربتها من الوسط الثقافي التشكيلي، وهذا المعرض هام جداً، لا سيما أنه يقام في المركز الوطني للفنون البصرية وبإدارة الفنان غياث الأخرس.
الفنانة في سطور
ولدت الفنانة هالة مهايني في مدينة دمشق، عام 1947. تخرجت عام 1970 من كلية الفنون الجميلة قسم العمارة الداخلية في دمشق. وعملت في مجال التصميم الداخلي منذ عام 1970. عام 1977 عملت أستاذة محاضرة في كلية الفنون الجميلة. وفي عام 1985 عملت في وزارة الثقافة ـ مديرية الفنون الجميلة. أقامت عشرات المعارض الفردية والثنائية والجماعية داخل سورية وخارجها.
وشاركت في معرض في مدينة ليدن ـ هولندا تحت عنوان» Syria-new».
بعض من أعمالها محفوظ لدى وزارة الثقافة السورية والمتحف الوطني في دمشق ومتحف الشارقة ومتحف عمان ومتحف قطر. وفي عام 1993 حازت على ميدالية ذهبية من وزارة الثقافة في جمهورية الصين.