سورية: الإعلام والأزمة الاقتصادية ـ الاجتماعية
عامر نعيم الياس
لا يخفَ على أحد حجم الرهان الأميركي ـ الإقليمي على الوضع الاقتصادي في سورية، وتداعيات أربع سنوات من التدمير الممنهج للبنى التحتية السورية على الوضع المالي في البلاد، وتداعياته أيضاً على قدرة الحكومة السورية على النهوض بالتزاماتها تجاه الكتلة الصامدة، والتي تحوّلت اليوم إلى كتلة غير صامتة. تحوّلٌ دفع بعض المسؤولين الحكوميين إلى الخروج عن القوالب المحضّرة لمخاطبة الرأي العام السوريّ، ما أضحى في حدّ ذاته كارثة توازي في بعض الأحيان انفلاتاً نقدياً لا يمكن الدفاع عنه حتى النهاية، لكنه مفهوم ومبرّر لرأي عام يعاني في خضمّ حرب وجودية تستهدف وجوده وكيان دولة يدافع عنها حتى اللحظة وبكل ما أوتي من قوّة.
البعد الاقتصادي ـ الاجتماعي للحرب، وآليات العمل الحكومي، ومفرزات الحرب من مافيا اقتصادية أخلاقية تسفّه مقوّمات الصمود العظيم للشعب السوري، مصحوباً بأداء إعلامي لم يخرج حتى اللحظة عن التصلّب غير المبرّر، عوامل مجتمعة أدّت إلى تسليط الضوء على ملفّ مواكبة الصمود الأسطوري للسوريين داخل البلاد، والذي يشكّل الإعلام رافعته وأداته القادرة على تحريض الجميع على التغيّر والتغيير لا العكس. إعلام محرِّك لا محرَّكاً، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الدورة البرامجية الجديدة للقناة الفضائية السورية والتي يشكّل برنامج «من الآخر» الذي يقدّمه الصحافي جعفر أحمد، نموذجاً عن دور يجب على الإعلام الاضطلاع به في المرحلة الحالية. فالأساس يبقى التقرّب من العامة والتماسّ مع همومهم، وإطلاق برامج حوارية وتقارير تدفع بمعالجة أسباب الهم المعيشي ومناقشتها إلى الواجهة، فضلاً عن مراعاة البعد السياسي ـ الميداني الذي يرتبط بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي. وهذه النقطة يدركها الجميع في سورية نخباً وقيادات ومواطنين.
إن دور الإعلام السوري في هذه الفترة يجب أن يواكب حركة الشارع والدولة وبرنامج رئيس الدولة، ويحاسب الكادر الحكومي والإداري ويفضح الممارسات الخاطئة من دون انتقائية. وهنا قد يقول البعض: هل ننتقل مرّة واحدة من تحفّظ لا مثيل له إلى انفتاح يهاجم مكامن الخلل المتعدّدة؟ ألا يساهم ذلك في إضعاف الجبهة الداخلية؟ ألا تجب مراعاة أننا نعيش حرباً وعلينا قبل كل شيء العمل على رفع المعنويات وقطع الطريق على كل خبر يحمل وجهاً سلبياً أو بوادر فتنة؟
إن ما سبق من تساؤلات لها أجوبتها في استمرار طريقة التعاطي الإعلامي الحالي مع الأزمة، والذي أفرز بدوره التعاطي الحكومي والذي دفع للمرة الأولى أحد وزراء الحكومة السورية إلى تقديم اعتذاره عبر الإعلام الخاص السوري إلى الشعب السوري. وهنا تطرح التساؤلات التالية: لماذا هذا الإهمال المتعمد لهموم الناس؟ أليس دور الإعلام مواكبة هموم الناس البسطاء أولاً، أم أن الانفصال عن الواقع حلّ لا يحمل أيّ تبعات؟ لماذا اعتذر الوزير السوري عبر أثير إذاعة خاصة، ألم يصل الخبر إلى الإعلام الرسمي، لماذا لم يتحرّك ويبثّ الاعتذار عبر منابره؟ هل يفترض القائمون على الإعلام أنهم المصدر الوحيد للخبر في البلاد وبالتالي تجاهلهم بعض التطوّرات الميدانية والسياسية والأزمات الاقتصادية، سيؤدّي بشكل أوتوماتيكي إلى عدم معرفة الرأي العام بهذه المشاكل والتطوّرات؟ ألم تثبت التجربة بالدليل القاطع أن المصدر الأول للخبر، من يوجّه الرأي العام ويحرّكه، وكل ما يلي الرواية الأولى لا يعدو عن كونه ردود فعل غير قادرة على تغيير التوجه العفوي للرأي العام لدى سماع الخبر للمرّة الأولى؟
أربكت الأزمة القائمة حالياً الطاقم الحكومي على الصعيد الإعلامي، ولو كان وجود الإعلام أكثر فاعلية لتغيّر مجرى الأمور، ولكان وُجِّه الهمّ المجتمعي والفعل الحكومي في خانة الفعل من أجل سورية، لا في خانة السخرية التي تساهم في زيادة الإرباك ليس إلّا.
كاتب سوري