الفنان سعيد سرحان لـ«البناء»: أشارك في مسلسل «الهيبة» عن اقتناع لأن الشخصية تُشبهني… والممثلون السوريون أكثر جرأة من غيرهم ولغتهم الدرامية قويّة
حاورته ـ عبير حمدان
غاب الفنان سعيد سرحان عن الموسم الدرامي «الرمضاني» السابق لانشغاله بأعمال سينمائية عدة من جهة ولتقصير بعض الجهات الإنتاجية بحقّه من جهة ثانية، وهو الذي أدّى دوراً مميزاً في مسلسل «بلاد العزّ» رغم ما لحق بهذا العمل من تشذيب جراء عوامل كثيرة منها ما هو مالي ومنها ما هو سياسة إنتاجية أصابها الوهن لكون القيمين على مركز بيروت للإنتاج حصروا أنفسهم في إطار واحد بحيث لم تعد مادتهم الدرامية عامل جذب للمتلقي، حتى ولو كان يوافقهم على رسالتهم الفنّية الملتزمة.
هذا الموسم يعود سرحان من باب «الهيبة ـ الحصاد» مشيراً إلى أن التنقية الإنتاجية والإخراجية عالية ومحترفة، ولافتاً إلى أن القصة افتراضية ومن الظلم وضعها في خانة محدّدة أو القول إنها تصوّب على منطقة بذاتها.
ويؤكّد سرحان أن النصّ شكّل حافزاً أساسياً له كي يكون ضمن فريق العمل، كما أن تعاطي الممثلين في ما بينهم مثالي بعيداً عن الاستنسابية وعقدة «النجومية»، ورغم أنه لم يكشف الكثير عن تفاصيل الشخصية التي يؤديها إلا أنه يعد المتلقي بأنها تشبهه وترضيه ولا تتعارض مع قناعاته المهنية والحياتية في آنٍ.
نبدأ من أسباب الغياب عن الساحة الدرامية، فيقول سرحان: غبت عن الساحة الموسم الماضي لأني كنت خارج لبنان، وقبل ذلك كان مركز بيروت قد بدأ بالتحضير لمسلسل «بوح السنابل» وعندما تواصلوا معي قالوا لي ما حرفيته «بدنا نعمل كاستينغ» وطبعاً أنا استغربت الطرح، ولكني تريثت وقصدت المركز لكني تفاجأت بأسلوب التعاطي بدءأ من المخرج وصولاً إلى المسؤول عن اختيار الممثلين البعيد كل البعد عن المهنية، وتبين أن مَن تسلّم إدارة المركز أحضر فريقه الخاص الذي اتخذ قراراً بتهميش كل مَن كان يتعامل مع الإدارة السابقة من ممثلين».
ويُضيف في الإطار نفسه: طلبت منهم قراءة النصّ لكنهم لم يتجاوبوا في البداية، ثم اتصل بي مدير الإنتاج بخصوص دور قال إنه كُتِب خصيصاً لي، وبعد إصراري على الاطلاع عليه تبين أنه عبارة عن دور «عميل» ومشاهده الـ35 عبارة عن اتصالات هاتفية وبالتالي رفضته، وأكثر من ذلك قاموا بالتواصل مع ممثل لمنحه دور البطولة رغم انتمائه السياسي المناهض لمواقفهم وسياستهم ومبادئهم فكيف يمكن أن أقف أمام مَن يشتم قناعاتي في عمل واحد. من هنا أنا لم أشتغل دراما في الموسم الماضي والسبب هو خديعة من القائمين على مركز بيروت للإنتاج. لكني لم أغب عن المسرح كما أني شاركت في فيلمين سينمائيين سترونهما قريباً.
لكن لماذا يتمّ استحضار ممثلين من ضفة تناقض رسالتهم الفنّية الملتزمة على حساب مَن يتبنّى مواقفهم، يجيب سرحان: المشكلة أن إدارة المركز الحالية تظنّ أن استحضار «نجوم» من ضفة مناهضة إلى ساحتهم الدرامية فهي تجلب جمهورهم معهم، وهذا تفكير خاطئ وغير منطقي، خاصة أن مركز بيروت ليس شركة إنتاج عادية بل لديه هوية فنية ملتزمة واضحة ومحددة ومَن يلتزم نهجاً معيناً حين يفكر بإطار يختلف عن نهجهها من الطبيعي أن تفشل لأن من يؤدي دوراً بهدف الكسب المادي لن يتمكّن من إيصال الرسالة المطلوبة. لذا المطلوب العمل على المادة الدرامية والنصّ لجذب المتلقي بعيداً عن الاستهلاك والتسويق المعتمد على ممثل مشهور وحسب، وهم لم يعملوا على المادة الدرامية إنما تمّ حصرها بشكل فئوي، وحتى حين كنا نصور معهم مشاهد درامية كنا مقيدين ضمن دائرة المحظورات الشرعية التي لا تخدم الدراما، حتى لحظات الفرح محسوبة بمعيار الانضباط مع العلم أن هناك مواقف تستدعي الفرح والفخر، وأنا مثلاً من منطلق إنتمائي القومي أرى أن استشهاد سناء محيدلي عرس يستدعي منا الفرح والفخر بما فعلته وهذا نهج حياة ولا أعلم لماذا الإصرار على الحزن في مختلف الأعمال الدرامية التي ترتبط بالمقاومة، المقاومة مساحة للفرح وليست عنواناً للبكاء والحزن والسواد.
ويجزم سرحان أن هذا المركز الذي قدّم أعمالاً ناجحة في مرحلة ما سقط اليوم على الصعيد الإنتاجي والدرامي في ظلّ غياب فريق يمتلك الخبرة.
وفي محور آخر نسأل سرحان عن الكمّ الإنتاجي الذي أصبح يكرّر ذاته سواء في الأعمال المشتركة أو في سياسة الأجزاء التي فقدت معناها، وعن «الهيبة» لكونه يشارك فيه، فيقول: في البداية لا يمكن إنكار جماهيرية مسلسل «الهيبة»، ولم يقل القيمون عليه أنهم يريدون إيصال فكرة فلسفية، ومن جهتي لم أرَ أي شيء في العمل غير موجود في الحياة اليومية، وبعيداً عن التصويب على منطقة بذاتها وفي المقابل لا يمكننا إسقاط المنطق العشائري عنها، ولكن في النهاية هي تطرح حكاية يمكن اعتبارها افتراضية وجاذبة للمتلقي، وفي النهاية قد يعبّر مشهد تمثيلي يحتمل التحليل رغم أنه في أصله بسيط وربما الناس أحبّت اللهجة البعلبكية وأداء الممثلين دون البحث في فرضية أن «الهيبة» تعكس الواقع أو لا هذا ليس مهماً، هناك حكاية يقدمها المسلسل وهذه الحكاية أحبها الجمهور بكل بساطة.
لكن هل أتت مشاركة سرحان عن اقتناع تام أم بحثاً عن الجماهيرية؟ يجيب: جاءت مشاركتي عن قناعة بعد أن قرأت النصّ، لأن شخصيتي فيها المحبّ الذي جسّدته بدور «مالك» في مسلسل «قيامة البنادق» والشخص الذي لم يسكت عن الظلم حين تم أسره في «درب الياسمين»، باختصار الخطّ الدرامي يقول شيئاً يشبهني.
وعن سياسة الأجزاء يقول سرحان: حين يكون هناك خطوط درامية للقصة فلا مشكلة أن تكون هناك أجزاء، و»الهيبة» أصبح عنواناً عاماً لأكثر من خط درامي وليس مجرد سلسلة أجزاء مترابطة، ومن جهة ثانية هناك احتراف واضح لدى المخرج سامر البرقاوي الذي يتقن إدارة المشاهد ويتعامل بمهنية مع كل فريق العمل ويعمل على النصّ بشكل يجذب العين ويجعل الجمهور في حالة ترقّب حتى الحلقة الأخيرة، ومن الناحية التقنية يمكن القول إن التصوير سينمائي والأهم أن النجوم السوريين المشاركين في العمل مبدعون وبعيدون كل البعد عن الاستنسابية في التعاطي ويمكن أن نتعلم منهم الكثير، من هنا يمكن القول إنه شئنا أو أبينا هذا المسلسل شكل حالة.
وننتقل من الدراما إلى السينما، فيقول سرحان: ليس كل ما يُقال إنه سينما يكون فيلماً سينمائياً، وليس كل ما يُقدم على شاشة سينما هو سينما، هناك محاولات، ولكن ينقصهم التمويل للأسف، ومن عملت معه أخيراً احتاج لعشر سنوات كي يؤمّن التمويل وسترون الفيلم قريباً. بكل بساطة هناك مَن يعمل ضمن إطار تجاري تسويقي بهدف الربح وهذا شأنه وهناك مَن يشتغل فنّاً سينمائياً ودرامياً حقيقياً وعلى المتلقي أن يميّز ويختار.
وفي محور أخير نسأل سرحان عن الأعمال الدرامية والسينمائية السورية التي حاكت الأزمة السورية، فيقول: الممثلون السوريون أكثر جرأة من غيرهم، ولغتهم الدرامية قوية من حيث النصّ، وما عاشوه لا يشبه أيّ واقع ثانٍ وهم قاربوه دون أي ابتذال أو تحريف للحوادث. نحن حتى اليوم لم نتمكن من مناقشة مشاكلنا اليومية والمعروفة من الجميع حتى في إطار درامي، ولم نقدم أي عمل سينمائي أو درامي يحاكي الحروب التي شهدناها ولن نفعل لأننا لا نملك الجرأة حتى في اختيار الأسماء في أعمالنا الدرامية.
ويختم سرحان: بالتأكيد، إن الممثل السوري يعطي قيمة للعمل المشترك لأنه يمتلك التواضع إلى جانب الاحتراف، ومن جهة ثانية يؤكّد أن إداء سيرين عبد النور وتعاطيها المهني أسقط فرضية أن «عارضة الأزياء» لا يمكنها أن تكون ممثلة ناجحة.