عملية إدلب… الفرص المواتية لكسب الرهان
سعد الله الخليل
بين وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية في إدلب آخر منطقة عاملة باتفاق خفض التصعيد الأربع التي تمّ إنشاؤها في عام 2017، تسير رهانات الحرب في سورية في أدوارها النهائية ما يفرض على أطراف الصراع على الأرض السورية التأنّي ودراسة الخطوات لمعركة لا تقبل نتيجتها القسمة على اثنين، رغم تشابك الأدوار وتعدّد اللاعبين عسكرياً وسياسياً، فمعركة إدلب تتعدّى كونها مواجهة الجيش السوري وحلفائه فصائل مسلحة وتنظيمات مدعومة وتدار من دول إقليمية، كما كان حال المعارك السابقة على مدى سنوات الحرب الثمانية الماضية، فالدخول التركي للعمق السوري يجعل إمكانية المواجهة المباشرة قائمة، مواجهة سعى الجانب السوري لتفاديها عبر التنسيق مع الحليف الروسي، الذي تتوطد علاقاته مع أنقرة من بوابه تمكين القدرات الدفاعية عبر صفقة صواريخ «أس 400»، والتي أنهت تبعات إسقاط أنقرة إسقاط الطائرة الروسية «سو – 24» تشرين الثاني 2015 فوق الأراضي السورية، وما تسبّبت به الصفقة من خلاف تركي أميركي لم يصل بطبيعة الحال لمستوى القطيعة، هو ما يلقي بظلاله على المشهد الميداني في إدلب كما أنّ تواجد القوات الأميركية على الأراضي السورية، وبالرغم من وجودها كقوات استشارية تقود تحركات الجماعات المسلحة والإرهابية، فإنها قد تشارك في العمليات القتالية عبر تقديم دعماً عسكرياً لوجستياً من خلال تركيا.
قد تبدو مجمل الظروف مواتية للجيش السوري وحلفائه بالمضيّ في معركة تحرير إدلب، نظراً لما وصلت إليه الأوضاع الإقليمية من جهة وحالة الاستقطاب الدولية حيال التفاهمات أو المواجهات الدولية المرتبطة بالشرق الأوسط، فتركيا الساعية للوصول إلى أقصى درجات التفرّد السياسي بقراراتها عبر مروحة من العلاقات الدولية والعسكرية بالإبقاء على علاقاتها التاريخية والمتينة مع واشنطن وحلف شمال الأطلسي بالتزامن مع فتح خط التعاون مع روسيا، تجد نفسها أمام خيارات لا بدّ لها بأن تضحي ببعض من مكاسبها لتمرير صفقاتها وبما أن تمرير الصفقات له أثمان، فإنّ أقلّ الخسائر التركية على الساحة السورية التراجع عن نقاط المراقبة في ريف إدلب وترك الفصائل المقاتلة تواجه مصيرها بنفسها، وهو ما تكشف عنه حالة التخبّط لتلك الفصائل وتبادل قادتها الاتهامات وتحميل المسؤولية عن فشل الهجمات الأخيرة على أرياف حماة وإدلب والساحل، بالرغم من إصرارها على الترويج عبر وسائلها الدعائية لحملة عسكرية للجيش التركي ضدّ أرياف حماة واللاذقية وتزويدها بمضادات طيران لوقف العملية العسكرية على إدلب، وبالرغم من الاتهامات التركية للجيش السوري باستهداف نقطة مراقبة لها في إدلب، إلا أنّ أنقرة أبقت تبعات العملية في حدودها الدنيا بالتزامن مع إعلان موسكو عن نفاذ صبرها مما يجري في إدلب والإعداد لعملية عسكرية كبيرة، تجد أنقرة نفسها مضطرة للتراجع عن الاستثمار في الفصائل الإرهابية هو ما دفع الفصائل للمسارعة بإعادة ترتيب صفوفها، وما الدعوات المتكرّرة لفصيل جيش العزة الإرهابي الشباب في إدلب للانضمام في صفوفه سوى تعبير عما تشعر به تلك الفصائل من الخذلان التركي التي تركت وحدها لمواجهة التقدّم المحتمل للجيش السوري الذي سيضيّق الخناق أيضاً على الفصائل الكردية، التي تمرّ بظروف مشابهة لما تمرّ به فصائل درع الفرات، فالدعم الأميركي بات بحدوده الدنيا بعد أن كشفت التقارير بأنّ واشنطن طالبت حلفاءها أكراد سورية بعدم المبالغة في طموحاتهم في وقت تحاول فيه التخفيف من مخاوفهم بالتخلي عنهم في مواجهة تركيا وداعش، وما نشر عن كلام المبعوث الأميركي الخاص بسورية أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أنه ليس لدى واشنطن مستقبل سياسي مميّز للأكراد أكثر مما يعرض على السوريين في إطار سورية الديمقراطية ضمن حكومة سلمية يضع الأكراد في أسوأ واقع حال سياسي ينسحب على الأرض تخبّط بعد انحدار مستوى التأييد الشعبي لها لدرجاته الدنيا، والذي بدا واضحاً بالتظاهرات المطالبة لها بالرحيل عن قرى دير الزور، تظاهرات لم تستثن أحياء الحسكة والقامشلي، ما اضطر قوات «قسد» لإطلاق النار على العديد منها والتشفي من الأهالي بإحراق حقول القمح والشعير لمعاقبتهم ومنعهم من بيع المحاصيل للدولة السورية.
في المشهد الإقليمي فإنّ احتدام المواقف وزيادة حدة الاستقطاب بين الدول الداعمة للحرب على سورية بمواجهة إيران، بعد التطورات الدراماتيكية في الخليج سواء استهداف ناقلتي النفط في بحر عُمان، أو تكرار استهداف المطارات السعودية من قبل انصار الله، تجعل من تلك الظروف فرصة مواتية للعملية العسكرية للجيش السوري باتجاه إدلب تستغلّ حالة التراشق الإعلامي الغربي وتضع إمكانيات الدعم الغربي للإرهابين في حدوده الدنيا.