عندما لا يزن عبده وازن كلماته…
يقول ميخائيل نعيمة في الغربال: « أجل. إنّ مهنة الناقد الغربلة. لكنّها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما يدوّنه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول. وما يدوّنه الناس من الأفكار والشعور والميول هو ما تعوّدنا أن ندعوه أدبًا. فمهنة الناقد، إذن، هي غربلة الآثار الأدبيّة، لا غربلة أصحابها». ميخائيل نعيمة، الغربال، المجموعة الكاملة، المجلّد الثالث، ص. 347 . يبدو أنّ الأستاذ عبده وازن لم يطّلع على هذا الكتاب الهام وهو يخطّ هجومه على ملتقى الأدب الوجيز في مقالته التي نشرها في موقع Independent نهار السبت 22 حزيران 2019. حقيقة الأمر، أنّ ملتقى الأدب الوجيز تحفّظ في الردّ على هذا الخطاب، إذ ليس من شيمه أن يردّ على الشتائم أو الافتراءات بخاصّة إذا كانت مشبوهة أو مدفوعة الأثمان من قبل جهات معلومة وغير معلومة. ومع ذلك، نجدنا منساقين إلى توضيح مجموعة نقاط للرأي العام توضح الغرائزية التي دفعت الكاتب إلى كتابة هذا المقال كما توضح جهل الكاتب العميق بحقيقة ملتقى الأدب الوجيز. إنّ من سمات الناقد أن يطلع على ما ينقده، لكن الأستاذ عبده وازن لم يزن كلماته، لأنّه لم يطلع لا من قريب ولا من بعيد على فكر الملتقى، بل اكتفى بتدوين ما أُمليَ عليه وحسب. ونودّ أن نؤكّد أن مشاعر الأسى والشفقة تنتابنا ونحن نرى الدّرك الذي وصل إليه، فنحن حقًا لا نحمل مشاعر غضب تجاهه بقدر ما نحمل مشاعر الحرص على قلمه ومصداقيته وموضوعيته.
وعليه، سنكتفي بالردّ على جملة النقاط الآتية من باب التوضيح للرأي العام، لأنّ الأكاذيب والأضاليل، وهي حجة الضعفاء والتابعين، من شأنها أن تنتشر شأنها شأن أي إشاعة غير مسوّغة.
1 يعتبر الأستاذ عبده وازن أنّ لجوء ملتقى الأدب الوجيز إلى تنظيم مؤتمره بالشراكة مع وزارة الثقافة والجامعة اللبنانية والسفارة التونسية هو لجوء نحو درع حامية تؤمّن الدعم له، ويستطرد مشبّهًا هذه الرعاية برعاية مشاريع اقتصادية أو سياسية وما لفّ لفّها. ويتابع قائلاً إنّ مشاركة الشاعر الكبير أدونيس في حفل الافتتاح وإلقاءه كلمة تمّا تحت الخجل والإلحاح. حقيقة الأمر أنّ هذه الكلمات من شأنها أن تدينه قانونًا من فم مَن توجّه إليهم بالنقد. وبتعبير أوضح، إنّ هذا النقد لم يُصِب ملتقى الأدب الوجيز بسهامه على الإطلاق. وهنا نتساءل: هل كان وزير الثقافة اللبناني بما نحمله له من كل تقدير ليرتضي أن يُرسل مدير عام وزارة الثقافة بشخصه ليلقي كلمة في افتتاح المؤتمر لو لم يقف على جدّية مشروع الملتقى ويرى فيه حركة أدبية واعدة؟ لقد طاش سهم وازن الأوّل وأصاب وزارة الثقافة، وللمعنيين أن يتخذوا الإجراء القانوني الذي يرونه مناسبًا. وهل يُشكّل منبر الجامعة اللبنانية منصة للغث والرديء حتى تبادر بشخص عميدها الموقر إلى إلقاء كلمة في حفل الافتتاح إذا كان الأدب الوجيز كما ينعته صاحبنا مشروعًا هشًا وفاشلاً؟ وهل كان للسفير التونسي الذي نكنّ له أسمى آيات التقدير أن يُطلق ملتقى الأدب الوجيز اللبناني التونسي من دارته في الحازمية وبرعايته لو لم يرَ في هذا الملتقى توجهًا أدبيًا مميزًا؟ وهل لشاعر عظيم القامة مثل شاعرنا القدير أدونيس أن يرزح تحت وطأة الخجل والإلحاح ليُشارك بشخصه ويلقي كلمة في حفل الافتتاح؟ إنّ كلّ ما تفضّل به الأستاذ وازن يُدينه، ويشكّل إهانة لقامات رفيعة ومؤسسات عريقة ومنابر راقية، ونحن نرى من واجبنا أن نعتذر لتلك المنابر ولتلك الشخصيات عن الإساءات التي لحق بها من جراء كلماته، وللمعنيين أن يبادروا إلى السبل القانونية التي يرونها مناسبة.
2 يعتبر الأستاذ وازن أنّ الأدب الوجيز لا يملك شرعة أدبية ولا معايير أو مقاييس علميّة. وهنا نسأل: هل اطلع صاحبنا على عشرات المقالات النقدية التنظيرية التي اختطها الأدب الوجيز والتي حملت بين طياتها أسسًا تنظيريّة أولى بالغة الأهمية؟ وهل تفضّل بحضور الندوات النقدية التي ينظمها الملتقى والتي استضافت قامات أدبية ونقدية رفيعة أثنت على جهود الملتقى، وتبنّت مشروعه وصارت جزءًا منه؟
3 يعتبر الأستاذ وازن أنّ أعضاء ملتقى الأدب الوجيز هم مجموعة من الشباب يحتاجون إلى المزيد من الثقافة والمراس. هل تناهى إلى سمعه أنّ أعضاء الملتقى جميعهم أساتذة جامعيون وأكاديميون وشعراء وأدباء ونقاد لهم باع طويل في الثقافة والأدب، أم أنّ قصوره في القراءة والمتابعة جعله يطلق النار عشوائيًا؟ وفي هذه النقطة نعلن أننا لن نلجأ إلى الوسائل القانونية المشروعة كدعوى القدح والذم لأنّ من شأن هذه الدعاوى أن تعطي صاحبنا دعاية مجانيّة يبدو أنّه أحوج ما يكون إليها.
4 يرى الأستاذ وازن أنّ الأدب الوجيز له جذوره القديمة في التراث العربي. لله دره! كيف لم يقرأ مقالاتنا النقدية التي أرسينا فيها هذا المفهوم جملة وتفصيلًا. حقيقة الأمر أنّ هذه النقطة بالتحديد من شأنها أن تجعله محطّ سخرية: كيف يطلب إلينا ما كرّسناه ويحاجج ضدّنا بمقولاتنا نفسها؟ وأكثر، يستعرض وازن مجموعة من النقاد الفرنسيين ويطرح آراءهم حول فكرة الوجز، ولله دره هنا أيضًا: ألم يتناه إلى سمعه أننا تجربة تحاول الاستفادة من المنجز الحضاري الغربيّ لكنها تتمسّك بطرحها الجوهري المتمثّل في تأسيس حركة نقديّة عربيّة لها خصوصيتها ومندرجاتها ومسوغاتها؟
5 يرى الأستاذ وازن أنّ الأدب الوجيز عبارة عن تخبّط عشوائي. لا يا عزيزي، الأدب الوجيز يشقّ دربه على هدي مرتكزات نقدية وفكرية عميقة، ولو أنّك حضرت الملتقى لعرفت قيمة مَن حاضروا ومَن أخذوا على عاتقهم تأسيس ملتقى الأدب الوجيز في بلادهم، وهم جميعهم قامات نقدية يشهد لها القاصي والداني.
في مطلق الأحوال، نحن نعلم أنّ أي حركة تجديديّة ستقابل بالرفض، وهذا حق لكل منتقد، لكن أن يتحوّل النقد إلى جهل وافتراء وتخبط عشوائي وعدم اطلاع، فتلكم لعمرنا حالة هستيرية سبّبها نجاحنا.
كتب الكاتب عبده وازن في موقع اندبندنت البريطاني نهار السبت 22 الحالي، مقالاً يفتري فيه على ملتقى الأدب الوجيز ويسوق أكاذيب وأضاليل وافتراءات ضده، معلقاً على مؤتمره الأخير ونجاحه في محاولة هزيلة لتشويهه. فكتب الزملاء في ملتقى الأدب الوجيز هذا الردً، وقد خصّوا به جريدة «البناء» الغراء للنشر.