تركيا ولحس المبرد
ـ في الإعلام العالمي وبعض المشاعر الإنفعالية يبدو الرئيس التركي بين مؤيديه ومعارضية وحلفائه وأعدائه صانع الحدث، وبالنظر لطبيعة الجهة التي يقاتلها، وهي قوات قسد، والقرار الأميركي بالانسحاب، يتمّ التعامل مع هذا الموقع لأردوغان وكأنه نال أو سينال مراده.
ـ بذات المنظار حسب الذين تحدّثوا عن سقوط سورية الحتمي حساباتهم عام 2011 سواء من محبّي سورية الذين قالوها بحسرة أو أعدائها الذين قالوها بشماتة، لكن توقعات الفريقين خابت.
ـ الذي أسقط التوقعات المتسرّعة لسقوط سورية سيسقط التوقعات المتسرّعة لفوز أردوغان، وهو بالتحديد قانون الحروب الجديدة، الذي يقوم على أنّ حسم الحروب يتمّ بمدى قدرة المتحاربين على استنهاض القوى الكامنة وزجّها في الحرب، وليس بحجم ما يجتمع حول كلّ منهما من قوى ظاهرة، وقد أظهرت الدولة السورية تفوّقها لأنها نجحت بزجّح قوى كانت كامنة كروسيا وإيران وحزب الله وسائر حركات المقاومة، بينما كان الحلف المقابل يستنفد ما لديه من قدرات القوى الظاهرة التي تشكلت من الأخوان المسلمين وتنظيم القاعدة بدعم تركي سعودي إسرائيلي ظاهر.
ـ في حرب أردوغان لم تقل القوى الكامنة كلمتها، ليس لأنها غائبة بل لأنها تنظر للمتحاربين أمامها كخصوم يجب إضعافهم بتركهم يتقاتلون، فالقيادة الكردية وقيادة أردوغان شربا من نهر دماء السوريين ومن وحدة سورية وهيبة دولتها بالتساوي وآن أوان معاقبتهما بتركهما يفترسان بعضهما بعضاً وينهشان لحم بعضهما بعضاً، وتركهما يقدّمان العروض للدولة السورية لدخول الحرب، ومع الدولة السورية يعرف الطرفان أنه إذا استعداها سيستعدي روسيا وإيران وقوى المقاومة، وفيما يبدو أنّ فرصة الأكراد أكبر من فرصة أردوغان بالتموضع بسبب شعورهم بالضعف وشعوره بالقوة، فإنّ أردوغان الذي رفض نصيحة الرئيسين فلاديمير بوتين وحسن روحاني سيأكل أصابعه ندماً عندما يرى الجيش السوري يتسلّم مواقع قسد ويبلغه الإنذار الأخير بالخروج من سورية، ما لم تصله النصائح المبكرة لإعلان نهاية عمليته واستعداده العودة لإتفاقية أضنة، ليصير كلّ تلذذ بنشوة نصر موهوم اليوم مجرد لحس مبرد يمضغ خلاله دمه.
التعليق السياسي