سورية على طريق إعادة الإعمار تنظيم خلف الرازي الخطوة الأولى والاختبار الأكبر
دمشق ـ سعد الله الخليل
بعد حرب الدّمار والموت التي أرادها أعداء سورية معركة قتل الحجر والبشر، فحوّلها السوريون إلى انتصار ونهوض، تخطو سورية اليوم الخطوة الأولى وتشهد الاختبار الأول في إعادة الإعمار، عبر تنظيم المنطقة 101 من مدينة دمشق والتي تشمل جنوب شرقي المزة خلف الرازي .
مشروع متكامل
بعد إنجاز ملفّيْ تثبيت الملكية وتقدير قيمة العقارات والوحدات السكنية في المنطقة 101 من مدينة دمشق، والتي تشمل جنوب شرقي المزة خلف الرازي تستعدّ محافظة دمشق للبدء بمشروع التنظيم فور انتهاء أعمال لجان التقدير وتوزيع الأسهم التنظيمية على المواطنين في نيسان الجاري.
تبلغ مساحة المنطقة 214 هكتاراً ويهدف المشروع إلى إنشاء منطقة سكنية جديدة حيث لحظ المخطط التنظيمي إقامة 7 مدارس ابتدائية، و4 ثانوية و5 رياض للأطفال ومركزين صحيين، و 3 مساجد بمساحات كبيرة على مستوى المنطقة التنظيمية، ومحطات وقود، ويضمّ المخطط مساحة 1.8 مليون متر مربع سكني، وحوالى مليون متر مربع لفعاليات تجارية واستثمارية، فيما تبلغ المساحات الخضراء 35 في المئة.
مع انطلاقة المشروع والبدء بأعمال البنى التحتية سيتمّ العمل على 16 شارعاً سيتمّ وإخلاء نحو 1400 عائلة من المنطقة بعد إنذارهم في شهر أيار المقبل، وبحسب بعض الإحصاءات فإنّ المنطقة تضمّ 8000 عائلة سيتمّ أخلاؤها في ظلّ عدم قدرة البعض منهم على إثبات ملكياتهم بعد خروجهم من بيوتهم بسبب الأحداث الحالية. وثبتت لجان حلّ الخلافات ادعاءات تثبيت الملكية والبالغة 8200 دعوة قضائية مقدمة من أصحاب الحقوق والمالكين.
وأقرّت المحافظة بدل إيجار شهري بين 25- 30 ألف لكلّ إخلاء، وعلى أن يتمّ تسليم السكن البديل خلال 4 سنوات ضمن المناطق التنظيمية.
ويعتبر المشروع تنفيذاً للمرسوم 66 للعام 2012 والذي ينظم المنطقة 101 والمنطقة 102 والتي تضمّ جنوب المتحلّق الدحاديل – اللوان – نهر عائشة والخطوة الأولى في مشروع إعادة الإعمار للمناطق التي طالها التخريب في بلد تتجاوز في نسبة السكن العشوائي الـ50 في المئة من السكن الإجمالي، تتصدر معالجتها سلّم الأولويات الحكومية التي أعلنت عن 157 منطقة تطوير عقاري قيد الدراسة والتخطيط، كما يطرح المشروع تساؤلات وتحديات عدة في ظلّ غياب التشريعات العقارية الواضحة وقلة شركات الإنشاء الكبرى.
من العشوائية إلى التنظيم
وبشأن أولوية منطقة بساتين الرازي يؤكد المهندس عبد الفتاح إياسو مدير التخطيط العمراني والتنظيم في محافظة دمشق، أنّ المشروع ضمن مشروع تنظيم دمشق وإعادة تنظيم مدينة دمشق المعدة منذ سنوات، وقارن إياسو بين تنظيم بساتين الرازي وما سبقه من تنظيمات أجحفت بحق المواطن، وقال: «التنظيم صدر بمرسوم جمهوري رقم 66، ويعتبر تطوراً تشريعياً كبيراً من حيث تأمين العدالة للمواطنين، وتحسين الوضع الاقتصادي، والدخول في صلب التطوير العمراني الحقيقي، وهو ما دفع إلى إصدار المرسوم»، ولفت إياسو في حديثه لـ»البناء» إلى تفريغ العاملين على تنفيذ المرسوم عبر مديريات خاصة، تلعب على عامل الزمن وسرعة التنفيذ ببرنامج زمني معطى لكلّ الجهات، فتمّ تفريغ سبعة قضاة للمشروع للجان حلّ الخلافات وتقدير أسعار الأراضي الزراعية والمقاسم الناتجة عن المشروع عمل متكامل بمبنى موقت خاص بالمشروع، وأضاف: «نحن ملتزمون بالمواعيد، وهو ما ناقشناه حين استقبلنا رئيس الجمهورية، وكذلك مع رئيس الحكومة، وخلال هذا الأسبوع سيتمّ انتهاء تسليم الأسهم التنظيمية قبل البدء بأعمال البنى التحتية».
ولفت إياسو إلى أنّ التنظيم ليس ضاحية سكنية جديدة، إنما هو تطوير لمنطقة لها مالكين أساسها زراعية، وتحوّلت بما فيها من مخالفات إلى ملكيات سكنية نظامية، وبالتالي أصحاب الحقوق كلهم من القطاع الخاص.
وتابع اياسو: «ميزة المشروع أنّ المالكين للأرض تقيّم أراضيهم وفق معادلات ومعايير الأسعار الرائجة الحالية، وتحوّل هذه الملكيات بعد التنظيم الى ملكيات أسهم بأبنية نظامية في المنطقة ذاتها».
حضاريّ لا تهجيريّ
ونفى إياسو أن يكون المشروع تهجيرياً لسكان المنطقة، كون المالكين سيأخذون مقاسم في المنطقة ذاتها، وقال: «هناك تساؤلات حول فترة التسليم وصعوبة تأمين مساكن للإيجار داخل المدينة في هذه الظروف، ولكن هذا المشروع موجّه إلى الأهالي بامتياز، هم المالكون وهم المستفيدون، وميزة المرسوم عن باقي التشريعات العقارية انه حدّد تأمين السكن البديل كقيمة اجتماعية، اي الحصول على مساحة مقابل مساحة للمالكين للأسهم التنظيمية، وسيتمّ بناء الأبنية السكنية اللائقة عمرانياً والمتماثلة مع البنى التنظيمية وفق المعايير النظامية، بدلاً من الأبنية المخالفة القائمة حالياً، كما أن الأبنية الجديدة تؤمن الراحة الصحية والنفسية للمواطن، والكلفة بأدنى الحدود كون سعر الأرض صفر لأنها مقتطعة من المالكين».
وحول المدة الزمنية للمشروع أشار إياسو إلى أنّ المرسوم ألزم بأربع سنوات لتنفيذ المرسوم، وخمس سنوات كحدّ أقصى، وأي تأخير سيؤخر المشروع ككلّ». وقال: «سنبدأ بالسكن البديل على أن يتمّ الإخلاء على مراحل وفق ما يقتضيه تنفيذ البنى التحتية التي ستتمّ على نفقة المحافظة مقابل ملكياتها التي حصلت عليها»، ولفت إياسو إلى تأمين 200 مليار ليرة سورية لتنفيذ البنى التحتية، واعتبر أنّ السكن البديل الذي لا يتجاوز 20 في المئة من المنطقة من دون اي نفقات على المالكين، وبحسب إياسو فإنّ هذا الأمر يُعتبر سابقة أوجدها التشريع مقابل اقتطاعها بعض المقاسم، وأضاف: «باقي المنطقة سيقوم بتنفيذه المالكون حسب قانون إعمار خلال 3 سنوات، وبالتالي الإلزام على الدولة وعلى المالكين، والتحدي بسرعة التنفيذ».
وأكد إياسو: أنّ «المالكين سيحصلون على السكن البديل وبالتوازي مع ذلك يأخذون أرباحاً من المشروع، كونهم مالكين لأسهم تنظيمية، ولا يُقتطع من ملكيتهم أي مساحات مخصصة للملكيات العامة».
الحساب بالكلفة الحقيقية
ولفت إياسو إلى حساب اللجان للكلفة الحقيقية للمنازل المخالفة التي ستتمّ ازالتها، عبر التصوير الدقيق لكلّ تفاصيل المنزل التي ستؤخذ بالحسبان في تقدير قيمة المنزل لمنحه نسبة الـ5 في المئة بدل الإيجار من تقويم المنزل وفق الأسعار الرائجة، وقد ينجز السكن البديل خلال ستة أشهر فالحكومة جادة بإنجازه.
وعن نظام البناء المعتمد، وهل هو طابقي أم برجي قال إياسو: «سيكون هناك دمج ما بين الطابقي والبرجي بارتفاعات 24 30 التي تضمن الحفاظ على المناطق الخضراء عبر التكثيف العمراني».
ولفت إلى «مراعاة محددات البيئة التي تضمن مساحات خضراء كبيرة، ففي منطقة الرازي تمّ الحفاظ على منطقة الصبارة كمنطقة خضراء لإضافة استمرار الألسنة الخضراء التي ستتصل مع غوطة دمشق، فبالتخطيط الحديث تأمين بيئة تعايشية خضراء».
وعن معنى تحقيق العدالة الاجتماعية التي يؤمّنها المشروع وضمان حقوق المالكين بشكل أكبر قال اياسو: «في التنظيمات السابقة كان المتر المربع من الأرض في أقصى الحالات يمنح 0.4 في المئة بناء بالتالي مع رفع الكثافة العمرانية ارتفعت النسبة لتصل 0.89 في المئة بما يحقق العدالة الاجتماعية».
وعن توفر المواد الأولية قال إياسو: «حتى الآن لم تعتمد إدارة المشروع طريقة البناء سواء بالهياكل المعدنية التي تتطلب استيراد كميات معدنية ضخمة بالقطع الأجنبي أو البناء بمواد البناء المتوافرة، وقد تدخل شركات من دول صديقة تتوافر لديها الإمكانيات… كلّ الأمور مطروحة للنقاش».
ونوّه إياسو بأنّ المحافظة لن تتوقف عند هاتين المنطقتين، بل الدراسات جاهزة لتنظيم مناطق برزة والقابون وجوبر والقزاز. وختم إياسو مؤكداً :»أنّ اللجان ستبدأ الأسبوع المقبل العمل بالمنطقة 102، والتي تضمّ مناطق الدحاديل – اللوان – نهر عائشة بالاستفادة من تجربة المنطقة 101.