ماذا حملت الوفود إلى موسكو؟
جمال العفلق
يترقب الشارع السوري ماذا يمكن أن ينتج عن لقاء موسكو التشاوري بين الحكومة والمعارضة، وقد عكر صفو هذا الترقب قيام العصابات الإرهابية بقصف مدينة دمشق. وحَمَلَ هذا القصف تفسيرات كثيرة، منها رسالة عدم اعتراف بالوفد المعارض إلى موسكو، فيما اعتبر آخرون أنّ هدف هذا القصف هو تقوية ورقة الفريق المفاوض من المعارضة وطمأنته بأنّ لديه قوة على الأرض تمتلك أسلحة نوعية تطاول المدنيّين.
وأيّاً كان التفسير، فإنّ العصابات الإرهابية لا تزال تعتبر قتل المدنيّين ورقة رابحة تمتلكها. وفي الحالتين، فإنّ قصف دمشق يعني تجاوز الخطوط الحمراء، وخصوصاً أنّ العصابات الإرهابية تحتمي بالمدنيّين في الغوطة.
قبل الحديث عما تحمله المعارضة السورية من مطالب إلى موسكو، يجب أن نتوقف عند نموذجين على اتصال دائم بالمعارضة السورية وهما: تركيا و«إسرائيل».
عندما أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة تركية، أعلنت «المعارضة التركية» أنها مع الجيش التركي، بالرغم من خلافها الكبير مع أردوغان وتحميله مسؤولية ذلك التمادي. فماذا قالت المعارضة السورية في حينه؟ وعندما اعتدت «إسرائيل» على القنيطرة صرّح معارض «إسرائيلي» بأنه لم يعلم بالقرار، ولكنه مع الجيش «الإسرائيلي» رغم خلافه مع الحكومة. فماذا قالت المعارضة السورية؟
هذا هو الفارق الذي نتحدّث عنه دائماً، وهذا ما يجب أن نسأل عنه المعارضة السورية، التي وافقت على المشاركة في الحوار. فاليوم لم يعد منطقياً أن يقول أحد إنّ الحرب الدائرة في سورية هي حرب بين قوات حكومية وأخرى معارضة، إنما هي حرب بين الشعب السوري وبين الإرهاب المدعوم دولياً وإقليمياً. فهل تحمل المعارضة ما يقنع الشعب السوري بأنها ترفض هذه الحرب وأنها مع الشعب في حربه على الإرهاب وأنها ستساند الجيش السوري وتدعم عملياته؟ إذا كانت بالفعل تحمل هذه النية، هل هي قادرة على إعلان موقفها الواضح والصريح من دون أي مراوغة أو تحايل أو لعب على الكلام؟
لم نختلف يوماً على ضرورة وجود معارضة وطنية تحمل هَمَّ المواطن والوطن وتقدّم ما تراه في مصلحة المواطن والوطن، ولكن أن تصطفّ المعارضة مع أعداء الوطن، بحجة خلافها مع السلطة، فهذا غير مقبول لا في القاموس الوطني، ولا عند أيّ شعب حرّ من شعوب هذه الأرض.
فأيّ حديث اليوم يقوم على مبدأ المساس بالهيكل العسكري للجيش هو حديث يهدف إلى إضعاف الجيش والنيل منه، وأيّ حديث عن تشكيل مؤسسات انتقالية قد يدخل البلد في فراغ دستوري، هو حديث غير قابل للتطبيق، طالما أنّ الحرب دائرة وأعداء سورية يضخون السلاح والمال لهذا الغرض.
إنّ بيان القاهرة الذي يتضمّن عشر نقاط، يعني في مضمونه إدخال سورية في دوامة الفراغ الدستوري ويطال مؤسسة الجيش بما يخدم العصابات الإرهابية، وهذا في منطق الدفاع عن الوطن غير مقبول وغير مقنع، وخصوصاً إذا علمنا أنّ من أراد هذه النقاط هو «ائتلاف الدوحة» ومن خلفه أميركا وتركيا و«إسرائيل».
ليس بالضرورة أن نتفق على جميع النقاط الخلافية، لكن الضروري أن نصل إلى نقاط مشتركة يكون رأس الهرم فيها الوطن والمواطن، وهذا ما ينقل الكرة إلى ملعب المعارضة التي تتحالف مع مَن يحاصر الشعب السوري ويمنع عنه الدواء والمحروقات والمواد الأولية، حتى الطيران المدني ورحلات السفر إلى مطار دمشق ملغاة من قبل حلفاء المعارضة السورية، فهل هذا من أجل المواطن السوري؟ أم من أجل قتله وإضعافه؟ وكيف توافق المعارضة الوطنية على هذه الإجراءات التي لا تطال إلا المواطن البسيط والعادي، أي تطال جلّ الشعب السوري؟
إنّ الحوار، في مضمونه، يجب أن يكون وطنياً خالصاً يؤسّس لمرحلة البناء ويضمن تحرير سورية من العصابات الإرهابية، ولا يهمُّ كثيراً ما هو اسمها ومَن هم عناصرها وما هي جنسياتهم. فمن يحملون السلاح اليوم ضدّ السوريّين هم جنود أميركا و«إسرائيل»، وما يجب أن تفهمه المعارضة السورية هو أنّ تحرُّرها من التبعية للغرب هو ما يعطيها مصداقية حقيقية لدى الشارع السوري، وأنّ كلّ تحالفاتها ليست في مصلحتها أولاً، وفي مصلحة الشعب السوري. فتصريح أوغلو الأخير حول مناطق عازلة هو ورقة ضغط قديمة جديدة تريدها تركيا لأخذ جزء، ليس بالقليل، من الأراضي السورية، كما أنّ إسراع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تحديد موعد قريب، قد يكون بعد شهرين، للبدء بتدريب عناصر مسلحة يسمّيها «معتدلة»، هو في إطار تمديد الحرب لوقت أطول في سباق أميركي مجنون مع الاتفاق النووي الإيراني، ومحاولة لمنع أو تخفيف ردّ المقاومة على الاعتداء الصهيوني الأخير في القنيطرة. فهل تحمل المعارضة السورية، فعلاً، أوراقاً من أجل شعب تدّعي دائماً أنها تمثله؟