سورية… عين على موسكو وعين على شبعا
د. سليم حربا
يبقى المشهد الوطني التفاعلي فاعلاً من موسكو واللقاء التشاوري إلى القنيطرة وشقيقتها شبعا، ففي موسكو المنتدى التشاوري بين الحكومة السورية والمعارضات الذي كسر الجليد وأذاب الصقيع، على حرارة الاتفاق على الثوابت الوطنية ومهّد الطريق بحرفية وموضوعية ونزاهة وحرص روسي وبإرادةٍ سورية وطنية حملها وفد الحكومة السورية بعقلٍ منفتح وقلبٍ مفتوح ويد ممدودة ومروءة وحرص ومرونة يتقدم فيها الوطن، يعلو ولا يُعلى عليه، فكان حدثاً نوعياً وقطاراً سورياً بدأ يُقلع باتجاه دمشق ويحمل السوريين الذين تنتظم دقات قلوبهم وفق ساعة وتوقيت الشعب السوري وإرادته، وعلى وقع أقدام حُماة الديار وقرارهم في مواجهة الإرهاب ودحره.
أثبت قطار الوطن أنه يتسع للجميع وأنّ إرادة تحركه وعجلاته وخارطة طريقه إلى دمشق أكبر من المسامير والعصي التي توضع في عجلاته، وأسرع من محاولة البعض الآخر سحبه إلى الخلف لإيقافه، وأدقّ في توقيت إقلاعه من امتعاض ورهان البعض الذين ينتظرون في محطات أنقرة والرياض والدوحة.
المهم أنّ صدق النوايا كان غالباً وأغلبية، وأن توهّم وتورّم البعض ووزنهم الافتراضي قد انكشف وذهب الشحم والورم، وأنّ منتدى موسكو كان فرصة مباشرة لقراءة ما في القلوب والعيون، بعيداً من روبرت فورد وتلامذته الأغبياء وقصّاصات الورق والإملاء وتهديد السلاجقة والمشيخات والأمراء فكان سوري المبنى والمعنى والهوى والمنى والهدف والنتيجة، لذلك سيبقى وينطلق ويتسارع على الصراط الوطني المستقيم تاركاً خلفه ضعاف القلوب والنفوس الأمّارة بالسوء والعقول المتكلّسة في صحراء التيه السعودية القطرية والمتجمدة في ثلاجات أردوغان «الداعشية».
إنه لقاء تشاوري تشاركي تحاوري مأمول، مؤشراته مبشرات لكلّ سوري قلبه ينبض وطنية ويداه يدٌ على الزناد في مواجهة الإرهاب والأخرى ممدودة للمصالحة والمصافحة والمسامحة، أما عيناه فإحداها على موسكو في حين تنظر الأخرى إلى الردّ على عدوان القنيطرة بقلب يتأهب شوقاً إلى شبعا وعقل عبقري يُحكم الخطة ورجال قهروا المستحيل وحوّلوا الغضب الساطع والوعد الصادق إلى حقيقة أذرت بعنجهية العدو وعربدته وغروره وقطعت يده التي أرادت أن تغير الموازين في الميادين.
جاءت عملية شبعا النوعية الفاعلة والمحسوبة والدقيقة والسريعة والصاعقة لتضرب أهم نقاط قوة العدو، بالرغم من تحسبه وتأهبه وأتته من حيث لا يحتسب في زمانها ومكانها وأسلوبها وسلاحها ورجالها وعتادها وبيئتها وتخطيطها بإحكام وتنفيذها بإقدام، حيث نفذتها مجموعة «شهداء القنيطرة» التي بدأت عملياتها في شبعا ولا تحدّها جغرافيا. فأين ومتى ستكون العملية التالية؟
يدرك العدو أنّ الذي ضرب في شبعا قادر أن يضرب حيثما وأينما كان في قلب كيانه الغاصب وعلى أطرافه، وقد جعلت صاعقة شبعا العدو يلعق جراحه ويخفي حجم خسائره ويعيد حساباته ويبتلع لسانه، مذعوراً من البيان رقم واحد وجردة الحساب المفتوح في شبعا وتلال كفر شوبا والجولان، وما بعد الجليل وحيفا. وها هو سيد المقاومة يقول: قدركم أيها الصهاينة أن تتألموا وعليكم أن تتعلموا. وهو مَن قال: انتهت اللعبة وعليكم ألا تلعبوا.
نعم… إنه المشهد الوطني الذي أراد كيان العدو أن ينقضّ عليه، فكانت أعاصير ميدان المقاومة ورياح شبعا أقوى وأبقى من سفن العدوان. وإذا كان العدوان «الإسرائيلي» على القنيطرة نصرة »لجبهة النصرة» الإرهابية، فإنّ عملية شبعا نصرة للأقصى وكنيسة القيامة والجولان وفلسطين والعروبة والإسلام والمسيحية. جاء الردّ كما تمنينا، لا بل أسرع وأدقّ وأوقع، وكان أوجع على كيان العدو مما توقع وتحسّب وتأهّب، فكان خير عقاب على شرّ جريمة.