إده: لا حلّ لقضية فلسطين مع وجود متطرفين يعتقدون بأنّ الضفة الغربية هي أرض الميعاد

حاورته روزانا رمال

الحديث معه، وإن طال، يتّسم بالسلاسة والعفوية. تطغى على الحديث معه روح المرح التي لم تفارقه يوماً، على رغم تخطّيه الخامسة والثمانين. أراد الاختصاص بالصهيونية العالمية، فتفرغ لمعرفة الشاردة والواردة عنها، حتّى لازمه لقب «المختصّ في الشؤون الصهيونية»، بعدما كان وزيراً في أكثر من حكومة.

هو الوزير السابق ميشال إدّه، الذي يشغل اليوم منصب رئيس «المؤسسة المارونية للانتشار»، يتحدث عن فلسطين وسورية ولبنان، وعن اللوثة المسمّاة «إسرائيل»، ووضعها في ظلّ المتغيّرات الحاصلة أخيراً.

وفي حديث لـ«البناء» وقناة «توب نيوز»، عاد إدّه في الحديث عن «إسرائيل» إلى البدء… في البدء كانت مؤامرة، المؤامرة المتمثلة بما سمّي الإثم الكنعاني، وكيف أنّ أعين اليهود كانت متّجهة إلى أراضي الضفة، إذ إنّ «الفلسطينيين الأوائل الذين كانوا في أرض فلسطين «أرض كنعان»، وتحديداً في الضفة الغربية، كان يطلق عليهم اسم «فلسطين»، ثم دخل قسم من اليهود إلى «أرض كنعان» وعاشوا معهم حتى مجيء الإمبراطور أدريانوس سنة 135 بعد ميلاد السيد المسيح وطرد اليهود المتواجدين، ولم يبق في أرض فلسطين إلا «الفلسطين» حتى عام 1882، الوقت الذي تعرض فيه اليهود في روسيا ورومانيا وبولونيا للاضطهاد 1870ـ 1880»….

وتحدّث إدّه عن نقاط القوّة لدى الفلسطينيين التي يجب أن يلتفتوا إليها ويستثمروها، من عددهم الذي يزيد على عدد الصهاينة، حتّى قيل: «إنّ أرحام الفلسطينيات تقتل إسرائيل»، إلى حرب العصابات التي تتقنها المقاومة في فلسطين وتخشاها «إسرائيل» على رغم ترسانتها العسكرية المتطورة.

وشمل الحوار أيضاً المفاوضات بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ولإدّه في هذا الخصوص وجهة نظر، فهو يعتبر هذه المفاوضات كذبة كبيرة لا معنى لها، لأن التيارات المتطرفة في «إسرائيل» لا تريد سلاماً ولا مفاوضات، ولا حتى منح الفلسطينيين دولة مستقلة، وهي تراهن على خلاف فلسطيني ـ فلسطيني، لذلك، شكل الاتفاق بين فتح وحماس ضربة قوية لـ«إسرائيل».

من القضية الفلسطينية، إلى الأوضاع في المنطقة، يتحدّث إدّه بمنطق القارئ بتمعّن، ومنطق العارف الذي يدرك كيف يربط الأحداث وتسلسلها، والأسباب بالنتائج، فهو يعتبر أنّ التقارب السعودي ـ الإيرانيّ، ينعكس في لبنان على استحقاق الرئاسة، فإذا تحقق هذا التوافق، سيسهّل عملية انتخاب رئيس للبنان في وقت قريب. عندئذٍ سيكون العماد ميشال عون الأوفر حظاً. أما بالنسبة إلى سورية، فقد يساهم في حل الأزمة السورية بشكل أسرع، خصوصاً أن سورية الآن تعدّ أفضل حالاً بعد صمود الرئيس بشار الأسد الذي يحظى بتأييد شعبي واسع من كل المكونات السورية، مقابل تشرذم ما يسمّى بالحركات المعارضة.

الحديث مع الوزير السابق ميشال إدّه تناول محاور عديدة، وتشعبات كثيرة، نوردها في هذا التقرير.

كيف تنظرون إلى القضية الفلسطينية اليوم بعد مرور كل هذه السنوات على «نكبة فلسطين» وما هي مشاعركم إزاء ذلك؟

– بدايةً، يجب التأكيد على أنّ القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ولا حلّ للواقع العربي من دون حل للقضية الفلسطينية، وأنا شخصياً كنت متأكداً أن خطر «إسرائيل» لن يكون فقط على فلسطين فقط، بل على كل الدول العربية، خصوصاً على لبنان، في الوقت الذي كان اليهود يشجّعون على إقامة «وطن قومي مسيحي» في لبنان، إضافة إلى وطن قومي لليهود في فلسطين، والسعي إلى إقامة أوطان متشرذمة في المنطقة على أساس ديني وعرقيّ، ما يضعف المنطقة العربية، وهذا ما تريده «إسرائيل» وتسعى إليه.

لكن ميزة لبنان حالت دون ذلك، على رغم كل الظروف التي مر بها البنان، فلبنان الآن هو مثال للعيش المشترك على رغم عدم التجانس بين مكوناته، وعلى كل الدول العربية المشابهة في تركيبتها الديمغرافية للبنان، أن تسعى إلى ذلك.

سابقاً، كان في لبنان أكثرية مسيحية، وكان العيش المشترك سيّد الموقف، والآن الصورة منعكسة، ففي لبنان الآن أكثرية إسلامية، وما زال العيش المشترك سيد الموقف، نحن كنا ضد تقسيم فلسطين، فهم أرادوا تقسيم فلسطين لينعكس ذلك على لبنان وبالتالي تقسيم لبنان، ثم فكر «الإسرائيليون» بوطن بديل لليهود في لبنان، والآن هم يراهنون على صراع سنّي ـ شيعي بعد أن فشلت كل مخططاتهم السابقة، لذلك كل الطوائف اللبنانية الآن مدركة هذه الحقيقية ومتمسكة بوحدة لبنان.

كيف دخل اليهود إلى فلسطين تاريخياً؟

– بدايةً، يجب التنويه بأنّ الفلسطينيين الأوائل الذين كانوا في أرض فلسطين «أرض كنعان»، وتحديداً في الضفة الغربية، كان يطلق عليهم اسم «فلسطين»، ثم دخل قسم من اليهود إلى «أرض كنعان» وعاشوا معهم حتى مجيء الإمبراطور أدريانوس سنة 135 بعد ميلاد السيد المسيح وطرد اليهود المتواجدين، ولم يبق في أرض فلسطين إلا «الفلسطين» حتى عام 1882، الوقت الذي تعرض فيه اليهود في روسيا ورومانيا وبولونيا للاضطهاد 1870ـ 1880.

وعندما بدأ رحيل اليهود من البلاد المتواجدين فيها، اقتراح تيودور هرتزل الأرجنتين كوطن بديل، لكن اليهود الروس اقترحوا فلسطين على اعتبار أنها «أرض الأجداد»، وجاؤوا إلى فلسطين واستقروا عند شواطئ فلسطين المنطقة التي تسمى اليوم «تل أبيب»، لكن بعض المتطرفين اليهود لم يكتفوا بذلك، وطالبوا بضمّ الضفة الغربية، وهذا هو السبب الحقيقي لعدم وجود حل للقضية الفلسطنية حتى الآن، فالشارع «الإسرائيلي» منقسم بين متطرّف يرى الضفة الغربية جزءاً من «إسرائيل»، وقسم معتدل اكتفى بوضع «إسرائيل» الحالي. فتسيبي ليفني وزيرة العدل «الإسرائيلية»، وإسحق رابين عندما كان حيّاً، مع عدم إقامة الدولة اليهودية، لكن في المقابل، رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو مع إقامة الدولة اليهودية، وهذا الانقسام هو الذي يعقد حل القضية الفلسطنية حتى الآن، خصوصاً أن التيار الطاغي اليوم داخل «إسرائيل»، هو التيار المتطرّف المتمسك بالضفة.

القضية البوصلة

هل استطاع الفلسطينيون إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في أذهان العرب حتى الآن؟

– بالتأكيد تمسُّك الفلسطينيين بقضيتهم هو ما جعل هذه القضية حاضرة حتى الآن، إضافة إلى أن العامل الديمغرافي ساعد في ذلك. فاليوم يتواجد في فلسطين المحتلة 6500.000 فلسطيني مقابل 4800.000 من اليهود. هذه الزيادة في عدد الفلسطينيين مقابل تناقص عدد اليهود من جرّاء النزوح ساهمت في تقوية الموقف الفلسطيني، ويمكن القول أن أرحام «الفلسطينيات قتلت إسرائيل». على المستوى العسكري، وعلى رغم العتاد العسكري الذي تملكه «إسرائيل»، إلا أنها لا يمكن أن تنتصر على حركات المقاومة لأنها لا تملك العتاد البشري للتعامل مع هذا النوع من الحروب ـ حرب العصابات ـ لذلك لم يبق أمام «إسرائيل» إلا أن تراهن على الفتنة في الدول العربية لذلك هم يراهنون على فتنة سنية ـ شيعية في لبنان.

كيف تقوّمون أداء المفاوض الفلسطيني في ظل الرعاية الأميركية؟

– كل هذه المفاوضات تعدّ كذبة كبيرة لا معنى لها، لأن «إسرائيل» لا تريد أن تمنح الفلسطينيين دولة مستقلة، والرئيس محمود عباس لا يدرك ذلك حتى الآن، ومنذ اتفاق أوسلو عام 1993 و«إسرائيل» لا تريد إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة، ولا تعدّ المفاوضات إلا تضييعاً للوقت تقوم به بين حين وآخر، وهي الآن لا تراهن إطلاقاً على المفاوضات، هي تراهن على خلاف فلسطيني ـ فلسطيني، لذلك، شكل الاتفاق بين فتح وحماس ضربة قوية لـ«إسرائيل»، إضافة إلى أنها تسعى إلى خلاف شيعي ـ سني في المنطقة لتحقق أهدافها.

كيف تنعكس هذه الخلافات التي تسعى إليها «إسرائيل»؟

– «إسرائيل» تسعى منذ زمن إلى خلافات عربية ـ عربية، وبالمقابل، لم تنتبه الدول العربية لذلك، ولم تفعل هذه الدول شيئاً تجاه فلسطين باستثناء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مع التنويه بمسألة غاية في الأهمية أن «إسرائيل» تريد أن تروّج أن الصراع الحالي هو صراع «إسرائيلي ـ عربي لا صراعاً «إسرائيلياً ـ فلسطينياً، وهذا ما لا تريد أن تعترف به «إسرائيل»، لتؤكد من خلال ذلك أنّ السلام مع مصر والأردن، والتطبيع مع دول الخليج العربي يحلان القضية الفلسطينية، لكن بالحقيقة الصراع هو صراع «إسرائيلي» ـ فلسطيني، وبالتالي ليس أمام «إسرائيل» الآن إلا العودة إلى منطق رابين وحلّ الدولتين، وأن تتخلى عن الضفة، وبالتالي حل مشكلة الشعب الفلسطيني، وهذا الأساس وإلا لا حل، فالتيار المعتدل داخل «إسرائيل» هو من يساهم في الحل، لذا يجب أن يطغى التيار المعتدل داخل «إسرائيل»، علماً أن الوقت الحاضر لا يبشر بذلك، لأن التيار المتطرف هو الطاغي الآن، مستفيداً من حالة الضعف التي تعيشها الدول العربية وعدم إمكانية قيام انتفاضات جديدة في فلسطين.

الخَيار… مقاومة

هل تعوّلون على المفاوضات أم أنكم تفضّلون أن تكون المقاومة الأداة الوحيدة للوصول إلى حقوق الشعب الفلسطيني؟

– لا حل عبر المفاوضات على الإطلاق. فالمفاوضات، وعلى رغم أنها ساهمت في التخلي عن كل الحقوق، لم تجد نفعاً حتى الآن، لأن التيار المتطرّف داخل «إسرائيل» لا يريد حلاً ولا يريد أن يمنح الفلسطينيين دولة مستقلة. لذلك تخاف «إسرائيل» جداً من تعاظم دور المقاومة، إضافة إلى تخوفها من انتفاضة ثلاثة، مع الأخذ بعين الاعتبار ازدياد عدد الفلسطينيين وصمود الشعب الفلسطيني، لذا لم يعد أمام «إسرائيل» إلا أن تقتنع بأن للفلسطينيين دولة مستقلة في الضفة الغربية.

ما هي الحركات الصهيونية العالمية التي تدعم «إسرائيل» والمؤثرة في مصير الكيان الصهيوني؟

– هم اليهود في أميركا، وهم فئة من اليهود تسيطر على الولايات المتحدة بنسبة 100 في المئة، فهذه الفئة تسيطر على أميركا بكل مفاصلها وهي التي ساهمت في دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى إلى جانب فرنسا وبريطانيا، مقابل «وعد بلفور» الذي منح بموجبه اللورد بلفور وعداً لليهود بوطن لهم في فلسطين. وبعدئذٍ ازدادت هجرة اليهود إلى فلسطين، وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية التي دخلتها أميركا أيضاً إلى جانب فرنسا وبريطانيا بتشجيع يهودي مقابل وطن قومي لليهود في فلسطين، وصولاً إلى حرب 1947 وتقسيم فلسطين. وفي تلك الفترة تحديداً ظهر في «إسرائيل» تياران: الأول معتدل اكتفى بوضع «إسرائيل» الحالي، والآخر متطرّف يريد ضمّ الضفة الغربية. وجاءت بعد ذلك حرب 1967 التي سيطرت فيها «إسرائيل» على الضفة الغربية، وصولاً إلى اتفاق أوسلو عام 1993 الذي اغتيل رابين بسببه لقبوله إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة. وحتى الآن لا حلّ في المدى المنظور بسبب عدم نية «إسرائيل» إعطاء دولة مستقلة للفلسطينيين.

هل أصبحت «إسرائيل» عبئاً على الولايات المتحدة في الوقت الراهن؟

– لا على الإطلاق، فاليهود في أميركا هم الذين يسيطرون على مفاصل الإدارة الأميركية وعلى «إسرائيل» الآن. وعلى رغم تحكمها بالقرار الأميركي ،يجب أن تقوم بتغيير وضعها الداخلي عبر تقوية التيار المعتدل، وبالمقابل على محمود عباس أن يرحب بانتفاضة ثالثة، وأن يسعى إلى تقوية العلاقة مع حماس لأن المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطنية وقيام انتفاضة ثالثة، من شأنهما أن يرغما «إسرائيل» على القبول بما يطرحه التيار المعتدل في الداخل «الإسرائيلي» كسبيل للحل.

هل ثمة دولة إقليمية تساهم في عرقلة المفاوضات الحالية بين «إسرائيل» والفلسطينيين؟

– كل الدول الإقليمية في الوقت الراهن تعيش حالة لا تؤهلها أن تلعب دوراً محورياً إزاء القضية الفلسطينية، من مصر إلى العراق إلى سورية. إضافة إلى ذلك أن الدول العربية من الأساس غير مهتمة بالقضية الفلسطنية، لكن قد ينعكس الاتفاق السعودي ـ الإيراني إيجاباً على عدة ملفات في المنطقة منها الملف الفلسطيني.

بوادر أمل

كيف ينعكس الاتفاق الإيراني ـ السعودي في حال حصوله على لبنان وعلى سورية؟

– بالنسبة إلى لبنان، سينعكس على استحقاق الرئاسة، فإذا تحقق التوافق الإيراني ـ السعودي، سيسهل ذلك عملية انتخاب رئيس للبنان في وقت قريب. عندئذٍ سيكون العماد ميشال عون الأوفر حظاً. أما بالنسبة إلى سورية، فقد يساهم في حل الأزمة السورية بشكل أسرع، خصوصاً أن سورية الآن تعدّ أفضل حالاً بعد صمود الرئيس بشار الأسد، في الوقت الذي يحظى بتأييد شعبي واسع من كل المكونات الطائفية في سورية، فغالبية السنّة المعتدلين في سورية، وتبلغ نسبتهم 80 في المئة، إضافة إلى العلويين والمسيحيين والدروز والأكراد، يؤيدون الرئيس الأسد، ومقابل ذلك لم تنجح الحركات المعارضة أن تكون موحدة، إضافة إلى اختلاط مكوّناتها وتشرذمها.

كيف تعلّقون على استقالة الإبراهيمي؟

– استقالة الإبراهيمي جاءت بسبب عدم وجود حلّ في المدى المنظور، ففي الوقت الحالي لا حل في سورية نظراً إلى عدم وجود بدائل مطروحة، في الوقت الذي لم تنجح أيّ من المعارضات أن تساهم في حل، فهي حركات فوضويه وتستقطب مقاتلين من الخارج وتتقاتل في ما بينها، وبالنسبة إلى لانتخابات الرئاسية، وإن لم يعترف بها الغرب بدايةً، لكنه سيعترف بها عاجلاً أم آجلاً، إزاء تشرذم المعارضة وعدم وجود أي بديل في الوقت الحالي.

يذاع الحوار كاملاً الساعة الخامسة بعد ظهر اليوم على قناة «توب نيوز» الفضائية، التردّد «12034»، والإعادة الساعة الحادية عشر ليلاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى