خطُّ الصدّ… من درعا تتغير الحسابات

عامر نعيم الياس

منها نقطة البدء في الحرب على سورية. الاستهداف الأوّل للجيش السوري بدأ منها. هي رمزُ «الحراك»، والمدينة الأولى التي خرج بعضٌ من أحيائها خارج نطاق سيطرة الدولة السورية. درع الوطن كما يحلو للبعض تسميتها، فاجأت غرفة عمليات «الموك»، كما فاجأت بعض المراقبين. الجيش السوري وللمرّة الأولى يستخدم في بياناته العسكرية تعبير «خطّ الصدّ». ومحافظ درعا ذو الخلفية العسكرية الثابت في منصبه منذ سنوات، تحدّث بلهجة العسكري الواثق من إمكانياته.

الهجوم بدأ بآلاف القذائف الصاروخية، وغزارة غير مسبوقة في القصف التمهيدي، من جانب الميليشيات المحسوبة على «المعتدلين»، قبل الاضطرار للّجوء إلى الانتحاريين من «القاعدة»، وتحديداً من «النصرة» على الخطوط الخلفية التي تطوّق المدينة، أي من المداخل التي تشكّل خطّ تماسٍ مع ريف درعا ومع الأحياء الواقعة تحت سيطرة المجموعات المسلّحة، لكن من دون جدوى. إذ أشارت مصادر لبعض وسائل الإعلام إلى أن «أربعة انغماسيين قُتلوا على محور المخيم، وأنّ عشرين مسلّحاً حاولوا قطع طريق درعا ـ دمشق قرب بلدة قرفا».

خسرت غرفة عمليات «الموك» التي تتألف من استخبارات أميركية و«إسرائيلية» وأردنية إلى جانب السعودية رهانها على اجتياح مدينة درعا. وبقيت خطوط التماس على حالها في المدينة. «عاصفة الجنوب» التي راهنت على الخاصرة الأكثر ضعفاً في الجنوب السوري والتي تنقسم فيها السيطرة بالتوازي داخل المدينة بين الجيش السوري والمجموعات الإرهابية، فيما ترجح فيها الأخيرة على الجيش السوري في الريف. هذه العاصفة تعرّضت لخسارة هي الثالثة لها منذ انسحاب الجيش السوري من اللواء 52، الذي يتأكد يوماً بعد يوم أنه انسحاب مبرمج بهدف إعادة الانتشار في الجنوب، بناءً على معطيات توفّرت لدى الدولة السورية والحلفاء بالقرار المتّخذ ببدء معركة الجنوب. هذه المعركة التي تعرّضت لانتكاسات خلطت أوراق المعسكر المعادي لسورية، خصوصاً هذا الأردني ـ ومن ورائه «الإسرائيلي» تحت القيادة الأميركية ـ الذي راهن على تزاوج قوتين ضاربتين في الجنوب، أولها «معتدلة» بإشراف مباشر من الاستخبارات الأميركية والأردنية، والثانية مخترقة من واشنطن وتعمل على التلاقي معها في منتصف الطريق وهي «جبهة النصرة» والحركات الإسلامية القاعدية في الجنوب تحت الإشراف المباشر من الجيش الصهيوني… لكن من دون جدوى. فإذا كانت البيئة الحاضنة وانقلاب الرهان على ورقة الدروز أفشلا الهجوم على مطار الثعلة العسكري ومدينة السويداء، وفتح جبهة القنيطرة والهجوم على حضر الجولان، فما هي العوامل التي أمّنت صمود درعا؟

الحزام المتصدّع أساس التحرك الأخير في شمال سورية ووسطها وجنوبها,. فالأساس تحقيق إنجاز سياسي معنوي له انعكاس اقتصادي مباشر أولاً، وحصر الجيش السوري في «سورية المفيدة» ثانياً، وتطويق العاصمة دمشق ثالثاً, بما يمهد للتفرغ لاستهداف طريق عام دمشق حمص، واللعب على وتر تحويل عقيدة الجيش السوري من جيش وطني يدافع عن الأرض السورية إلى جيشٍ مقتنع بما يسمى «سورية المفيدة». لكن درعا التي فاجأت الجميع بمن فيهم نخب سورية في انطلاق شرارة الحرب منها، فاجأت هي الأخرى المشغّلين استناداً إلى العوامل التالية:

ـ إعادة انتشار الجيش السوري جاءت في سياق تغيير استراتيجية التعاطي مع التطورات الميدانية في سورية، ورسم خطوط تماس جديدة في المواجهة مع المجموعات الإرهابية المسلحة، اصطلح عليها «خطوط الصدّ». مصطلحٌ يدل على انتقال الحرب من مستوى المواجهة مع مجموعات مسلّحة تقاد من قبل الخارج، إلى مواجهة مباشرة مع عدوان خارجي مباشر على الأرض السورية.

ـ الفرز في الداخل السوري الذي دفعَ أهالي درعا في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة إلى القتال إلى جانبها في مواجهة الخيار البديل. فالاستنزاف المستمر منذ سنوات، وصمود الدولة السورية على كافة المستويات، خصوصاً ما تعلّق بالنواحي الخدمية، في مقابل الصراع المستمر بين المجموعات المسلّحة، كل ذلك دفع المواطنين إلى المفاضلة بين نموذجين واقعين للسيطرة وإدارة شؤون العباد.

ـ المقاومة الشعبية واستخدام الدولة السورية ورقة التشكيلات العسكرية المحلية الرديفة للجيش السوري، والتي تنحصر مهمتها في الدفاع عن المناطق التي تتعرض لمحاولة احتلالها من جانب التنظيمات الإسلامية المتطرّفة.

الحزام المتصدّع أضحى خطّ صدٍّ جمع الأهالي بالجيش في معركة رفض الخيار البديل. معطىً جديد على الدولة السورية والحلفاء استغلاله إلى الحدود القصوى. هي معركة مصير من الحسكة إلى درعا.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى