تآمر دولي ـ عربي… وضياع فلسطين 2/2

يعرض د. إدمون دافش في دراسة الناحية الجغرافية والتاريخية لسورية الطبيعية في الفصل الأول، ويعود في جزء من الفصل الثاني ليعرض المؤامرات اليهودية على الأمة السورية بدءاً من مؤتمر بال الصهيوني المنعقد عام 1897 وما ترتب عنه من خطوات أبرزها اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور حيث كانا ترجمةً لمقررات ذاك المؤتمر المشؤوم.

إضافة إلى ما ورد، يعود المؤلف في الفصل ذاته ليعرض مراحل النضال الفلسطيني والثورات التي قام بها الشعب الفلسطيني، وكذلك التيارات السياسية التي تنازعت النضال الفلسطيني، وهي التيار الإسلامي والعروبي، والتيار الفلسطيني المستقل، والتيار القومي الاجتماعي، وصولاً إلى عام النكبة وما ترتب عليه من اتفاقات دولية أدّت إلى قبول «إسرائيل» عضواً في الأمم المتحدة.

أما في الفصل الثالث، فيعرض المؤلف اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور ولجنة كينغ كرين والمؤتمر السوري العام، إضافةً إلى تقرير لجنة بيل عام 1936، عام الثورة الفلسطينية الشاملة.

والجديد ذكره أن المؤلّف قد سلّط الضوء على الرسائل والكتب التي وجهها سعاده للمراجع الدولية والمحلية والتي كان موضوعها صيانة حقوق الأمة ومواجهة الغزو اليهودي.

في الحلقة الثانية والأخيرة في هذا العدد سنعرض المواجهات التي قام بها الشعب الفلسطيني في عامي 1936 و1937، إضافةً إلى انعقاد أول مؤتمر قمة عربي في أنشاص في مصر عام 1946 وما رافقه من إعلان بريطانيا رغبتها في التخلي عن الانتداب على فلسطين وبالتالي الانسحاب منها لمصلحة العصابات الصهيونية وإحالة المسألة الفلسطينية على الأمم المتحدة التي عاجلت بإصدار قرارها عام 1947 والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. كذلك سنشير إلى موقف سعاده من قرار التقسيم وترجمة هذا الموقف بالمشاركة العسكرية من قبل القوميين الاجتماعيين ضد العصابات الصهيونية وسط قرار عربي يقضي بمنع السلاح عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.

كما سنشير إلى المراحل التي تلت إعلان دولة «إسرائيل» عام 1948، وما تلاها من اتفاقات هدنة بدءاً من 24 شباط 1949.

وفي الفصل الثالث سنعرض اتفاق سايكس ـ بيكو ووعد بلفور والمؤتمر السوري العام ولجنة كينغ كرين الأميركية، إضافةً إلى رسالة سعاده إلى لويد جورج وتقرير لجنة بيل.

د. إدمون دافش

سنورد هنا موجزاً لنضال الشعب الفلسطيني قبل عام 1948 تاريخ إعلان قيام دولة «إسرائيل». لقد واجهت فلسطين وشعب فلسطين مواجهة أسطورية عزّ نطيرها في العالم في التاريخ القديم والحديث، وإذا كانت هذه المواجهة لم تؤدِّ إلى إحباط الغزوة اليهودية الصهيونية العالمية والانتصار عليها، لحد الآن، فلأن هذه المواجهة كانت باللحم الحي كما يقول المثل، فلسطين واجهت أعداءها بغياب وعي قومي اجتماعي، يجند قوى الأمة السورية التي تنتمي إليها فلسطين في خطة نظامية واحدة، وضمن قضية قومية واضحة واحدة. لقد واجهت بدلاً من ذلك بعقلية ارتجالية، كما يقول سعاده، وبوسائل قليلة، وأحياناً تحت قيادات واقعة تحت تأثير النفوذ الغربي الاستعماري وهي القيادات العربية الرجعية التي قادت الجيوش العربية عام 1947 وقبل ذلك خلال ثورات 1936 و 1937التي أحبطتها الوساطات والتدخلات والمساومات التي قامت بها الدول الاستعمارية عينها التي تآمرت مع اليهود على فلسطين.

كان الحزب السوري القومي الاجتماعي لم يكد يبصر النور بعد، وكان زعيمه لا يكاد يخرج من سجن حتى يدخل إلى سجن. إن هذه الرسالة التي أجاب فيها سعاده على الرفيق عبدالله النعواس من فلسطين إبان ثورة1936 ، توضح لنا ظروف الحزب في تلك المرحلة، يقول: «لقد سررنا بروح الإخلاص والاستعداد للتضحية البادية في رسالتكم وبتفكيركم العملي وصحة نظركم في الأمور ونحن نأمل أن تستفيد حركتنا الناشئة من هذه المواهب، إن مركز الحزب اليوم في حالة لا يتمكن البعيد من تقديرها فنحن في معركة شديدة مع قوى الحكومة اللبنانية والقوى الرجعية التي ترى في حركة الحزب خطراً على كيانها… وكذلك فنحن نرى في هذه الثورة أنها تدل على يقظة الشعب وعلى تألمه من الحالة الحاضرة ولكنها لا تدل مطلقاً على تنظيم للقوى ومقدرة رشيدة في القيادة، أقول إننا لا نرى في هذه الثورة معركة فاصلة بيننا وبين أعدائنا، ولكننا نثق أنه مهما كانت النتيجة الآن فإن الحركة السورية القومية الاجتماعية ستؤدي إلى إفشال خطة الصهيونية المجرمة والتغلب على كل الصعوبات الخارجية الأخرى. إن وصيتي إليكم اليوم وإلى جميع الرفقاء في الجنوب السوري هو أن يقوم كل فرد بما يدعوه إليه الواجب القومي في الظروف العصيبة الحاضرة وأن لا يسمح أحدكم باليأس يتسرب إلى قلبه عند مشاهدة الفوضى في العمل وما تؤدي إليه من نتائج سيئة، بل أن يظل كلكم مؤمن بأمته التي لن تموت وبحزبه الذي يسير دائماً إلى الأمام. دمتم للجهاد ولتحيا سورية».

إن ما سنورده الآن من انتفاضات وتظاهرات ومواجهات يدل بوضوح عما كان يعنيه سعاده بالفوضى والنتائج السيئة :

أ. في نيسان 1921 قامت تظاهرات في فلسطين احتجاجاً على زيارة ونستون تشرشل وزير الدفاع البريطاني.

ب. في أيار 1921 تظاهرات في يوم العمال العالمي في جميع أنحاء فلسطين.

ج. في آذار 1924 كانت انتفاضة أهالي يافا ضد بريطانيا واليهود.

د. سنة 1925 كان إضراب ضد زيارة بلفور لافتتاح الجامعة العبرية في القدس.

ه. في أيلول عام 1928 قامت ثورة حائط البراق.

و. عام 1929 اتخذت الحركة الوطنية الفلسطينية خطة التحالف مع العالم العربي والإسلامي وسعت لانضمام متطوعين من البلاد العربية والإسلامية.

ز. في حزيران 1930 سجل مجيء شخصيات من مصر وسورية ولبنان والعراق والهند وإيران وتركيا تحت عنوان الدفاع عن حائط البراق.

ح. في 11 كانون الأول انعقد مؤتمر إسلامي في القدس بحضور مندوبي 22 بلدا ًيمثلون الشعوب العربية والإسلامية في العالم تأييدا ًللقضية الفلسطينية.

ط. في تموز 1932 تم تشكيل حزب الاستقلال الفلسطيني الذي راح ينادي بالوحدة العربية واعتبار فلسطين جزءاً من سورية.

وفي السنة نفسها في 16 تشرين الثاني تأسس بشكل سري الحزب السوري القومي الذي يقول إن فلسطين هي جزء حيوي مهم من وطن كامل تام غير قابل للتجزئة هو سورية الطبيعية، وإن القضية السورية هي قضية قومية مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى، وأعلن أن كل القرارات الدولية بشأن فلسطين هي قرارات باطلة، وأنه ليس لعصبة الأمم ولا لمصر ولا للسعودية أن تقرر مصير فلسطين، وأنه ليس لليهود حقوق لا عامة ولا خاصة في فلسطين، وأن القوة هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره وإذا ما تركت الأمة اعتماد القوة في تقرير مصيرها قررته الحوادث الجارية والإرادات الأجنبية.

ومنذ ذلك التاريخ والنضال الفلسطيني تتنازعه ثلاثة اتجاهات: الاتجاه العروبي الديني الإسلامي الذي يعتبر فلسطين بلداً عربياً إسلامياً، وبالتالي قضيتها هي قضية تخص العرب والمسلمين كلهم، ولهؤلاء أن يقرروا في شأنها ومصيرها، والاتجاه الذي يسمي نفسه الحركة الوطنية الفلسطينية المستقلة ويرى أن القرار الفلسطيني يجب أن يكون فلسطينياً مستقلاً، ويرى في العالم العربي والإسلامي الظهير الذي يتكل عليه ويراعيه بنفس الوقت، وأخيراً الاتجاه القومي الاجتماعي الذي يأخذ على الاتجاهين الأولين إغراقهما في الانفلاشية العروبية والإسلامية من جهة وفي الخصوصية الفلسطينية المستقلة عن بقية بيئتها ومكانها ومجتمعها وأهلها من جهة أخرى،على رغم أن الخصوصية الفلسطينية المستقلة هي في الحقيقة متناغمة ومتكاملة مع الانفلاشية العروبية والإسلامية، ما يفقد فلسطين هويتها القومية السورية الحقيقية ويعرض قضيتها القومية للضياع في تزاحم واختلاط مصالح الحكومات العربية والإسلامية التي هي متحالفة مع المصالح الغربية الاستعمارية.

في 15 نيسان 1936 تفجرت الثورة الفلسطينية وعمت المواجهات جميع مدن وقرى فلسطين، وأعلن الإضراب العام، بعد ذلك بعشرة أيام أي في 25نيسان شكلت في القدس «اللجنة العربية العليا» برئاسة المفتي الحاج أمين الحسيني وشكلت تنظيمات «الجهاد المقدس» وتدفق المتطوعون إلى فلسطين للاشتراك في الثورة، وكانت اللجنة العربية العليا وتنظيمات الجهاد المقدس تنتظر تدفقهم من الدول العربية والإسلامية كافة، من مصر والجزيرة العربية وتركيا وباكستان وأفغانستان، بينما كان الواقع أن السوريين هم الذين تدفقوا من لبنان والشام والعراق، ونذكر منهم القائد القومي الشهيد سعيد العاص ومحمد الأشمر وفوزي القاوقجي وغيرهم الكثير، وهكذا تأكد بالدم أن القضية الفلسطينية في قضية قومية سورية في الصميم، وليست مشاعاً عروبيا ًوإسلامياً، وكان أن أجهضت الثورة وتوقفت بمساعٍ بريطانية مع المفتي على أساس وعود كلامية وخدع سياسية.

في تشرين الثاني 1936 أرسل وزير المستعمرات البريطاني لجنة تحقيق إلى فلسطين لدراسة الوضع برئاسة المستر بيل وضعت تقريراً عرف بتقرير بعثة اللورد بيل تجدون نصه في فصل الوثائق . وعلى إثر ذلك وجه سعاده مذكرة باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى عصبة الأمم رد اً على تقرير بعثة اللورد بيل رافضاً تقسيم فلسطين ومحذراً من خطر قيام كيان صهيوني على جزء منها، وكانت هذه أولى المذكرات الرسمية الحقوقية القومية للدفاع عن فلسطين.

في 12 أيلول 1937 تجددت الثورة بعد قتل حاكم لواء الجليل في الناصرة وكانت الثورة أكثر عنفاً واتساعاً، فتصدت لها القوات البريطانية التي قامت بتسليح المنظمات الصهيونية في مقابل منع السلاح عن أبناء فلسطين، وأرسلت قوات جديدة بلغت 100 ألف جندي وقامت بإنشاء محاكم صورية للفلسطينيين والسوريين المتطوعين، واعتقلت خمسين ألفاً منهم وحكمت بالسجن على ألفين منهم، وكان قد بلغ عدد الشهداء ثلاثة آلاف والجرحى سبعة آلاف، وحكمت على 140 ثائراً بالإعدام شنقاً. وهكذا توقفت الثورة التي لم تكن منظمة تنظيماً صحيحاً على أساس قومي ومجهود قومي واحد.

في عام 1941 التحق حوالى 136 ألف متطوع يهودي في الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية واشتركوا بالحملة على الشام ولبنان وأصبحوا نواة جيش الهاغانا «الإسرائيلي»، بينما منعت حكومة الانتداب على السوريين أن يحملوا سكيناً كانت عقوبتها ستة أشهر سجن، وهكذا استمرت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بحماية حكومة بريطانيا، واستمر العمل في بناء المستوطنات لاستيعاب المهاجرين اليهود.

في أيار 1946 عقد مؤتمر قمة لملوك ورؤساء دول الجامعة العربية في انشاص بمصر وأعلنوا «أن فلسطين قطر عربي لا يمكن أن ينفصل عن بقية الأقطار العربية الأخرى» وطبعاً بقي هذا الإعلان حبرا ًعلى ورق.

في نيسان 1947 أعلنت بريطانيا تخليها عن الانتداب وعزمها على الانسحاب من فلسطين وأحالت القضية على الأمم المتحدة وفق خطة مدبرة لتنفيذ مشروع التقسيم الذي اقترحته بعثة اللورد بيل. وهكذا انتقلت القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انتدبت بدورها لجنة خاصة للتحقيق وتوصلت هذه اللجنة إلى مشروع أقرته الأكثرية يقضي بتقسيم فلسطين. رفضت الحكومات العربية قرار تقسيم فلسطين وأعلنت جامعة الدول العربية مساندة شعب فلسطين في نضاله من أجل حريته و»استقلاله» وتم تأليف لجنة عسكرية لتهيئة وتنظيم وسائل الدفاع عن فلسطين، وغني عن القول إن هذه الخطوة كانت متأخرة جداً وناقصة جداً ومرتجلة جداً، هذه اللجنة شكلت ما يشبه جيش الإنقاذ، هذا الجيش الذي تلاعبت به أهواء الحكومات العربية الواقعة تحت تأثير النفوذ الغربي الاستعماري نفسه الذي تآمر مع اليهود على فلسطين. هذا الجيش هو الذي منع السلاح عن السوريين القوميين الاجتماعيين الذين كانوا ينتظرون المنع من الأعداء وليس منه. وهذا الجيش هو الذي أذعن ورضخ لرغبة الحكومات العربية بالمساومة وإيقاف الجهد العسكري تحت ضغوط الدول الكبرى فكان أن وافقت جامعة الدول العربية على هدنة «مؤقتة لمدة أربعة أسابيع لتمكين الوسيط الدولي الكونت برنادوت من تقديم الاقتراحات لحل المشكلة» كذا . هكذا إذن أرادت جامعة الدول العربية تسليم المشكلة إلى الكونت برنادوت لحلها ، هذا ما حدا بسعاده في تلك المرحلة من إعلان أنه ليس للأمم المتحدة وليس لمصر أو السعودية أن تقرر مصير فلسطين لأن فلسطين هي جزء من قضية قومية سورية ليس لغير السوريين أن يبتّ بمصيرها، ولا بأس هنا أن نورد هذا المقطع من حديث للزعيم عام 1947: «وكان قصد القيادة القومية الاجتماعية العليا تشكيل ما لا يقل عن كتيبة كاملة لتبتدئ العمل على أن تشكل كتائب أخرى تتبعها إذا حصل نجاح في تسليح الكتيبة الأولى، لكن ذهبت جميع المحاولات التي قامت بها عمدة الدفاع وعلى رأسها الأمين أديب قدورة أدراج الرياح… وحصلت اتصالات مع بعض أشخاص الحكومات والجواب كان دائماً «لا سلاح للقوميين الاجتماعيين» وقد حدث في وقت من أوقات المعارك أن قيادة جبهة القدس عرضت على منفذية القدس العامة تسليح فرقة قومية اجتماعية تتخذ موقعها في القدس، فأتى رسول مستعجل من المنفذية وخابر المركز فقبلت القيادة القومية الاجتماعية العليا العرض فوراً، وعاد الرسول بالقبول وطلب التفاهم على التفاصيل، فلم تمض أيام معدودة حتى جاء رسول ثاني هو ناموس منفذية القدس العامة الرفيق عبد اللطيف كنفاني يقول إن قيادة القدس عدلت عن التسليح بحجة أن لا سلاح لديها! مع ذلك فقد انخرط قوميون اجتماعيون كثيرون في الجيوش المحاربة وحاربوا في كل الجبهات، وكانوا المتطوعين الوحيدين الممتازين بنظامية وتفان في الواجب شهد بها كثيرون. ولما دخل اليهود حيفا وعكا كانوا مزوّدين بلائحة أسماء عدد من القوميين الاجتماعيين الذين أبلوا في المعارك ضدهم ليقبضوا عليهم. وقد تمكن أكثر هؤلاء الرفقاء من النجاة بدقة خططهم ونظاميتهم، وفي نواحي اللد والرملة وجدت فرقة صغيرة دعيت فرقة الزوبعة شكلها الرفيق المجاهد مصطفى سليمان قامت بأعمال حربية مهمة، ولم تجد أيّ تأييد ومؤازرة من بقية الجيوش لتغطية انسحابها فتركت منكشفة لهجوم العدو وطعاماً لنيرانه، وقد فقدت هذه الفرقة الصغيرة عدداً من أفرادها، وإن عدد الضحايا القوميين الاجتماعيين عدد غير قليل لأنهم كانوا دائماً في قلب المعارك»، إن محاصرة الحزب السوري القومي الاجتماعي لمنعه من التصدي والتعبئة من أجل فلسطين لم تقتصر على قيادة جيش الإنقاذ والحكومات العربية الرجعية، بل ها هي الحكومة اللبنانية تمنع الحشد القومي من اجل فلسطين الذي أعلنه سعادة في 2 تشرين الثاني 1947 فاستعاض عنه الزعيم في بيان تبعه برسالة مفصلة موجهة إلى القوميين والأمة السورية وهي رسالة فائقة الأهمية تشرح مراحل القضية الفلسطينية كلها وموقف الحزب منها، وننصح بالرجوع إليها.

نتابع تسجيل المفاصل الرئيسة للأحداث، فحتى نهاية عام 1947 لم تستطع الوكالة اليهودية رغم تواطؤ بريطانيا أن تمتلك أكثر من مليون ونصف دونم من الأراضي الفلسطينية أي ما نسبته 4,6 في المئة من مجموع مساحة فلسطين. منتصف آذار 1948 قام الجيش البريطاني بمساعدة اليهود في احتلال الأراضي المخصصة لدولة «إسرائيل» وفقاً لقرار التقسيم. في منتصف ليلة 15 أيار عام 1948 مع انتهاء الانتداب البريطاني، أعلن بن غوريون قيام دولة «إسرائيل» وفي الوقت نفسه اعترف الرئيس الأميركي ترومان بدولة «إسرائيل» بعد عشر دقائق من إعلانها. وفي نفس اليوم دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، هذه الجيوش التي قال عنها سعاده، وكان قوله

صحيحاً مئة في المئة، إنها دخلت لتتنازع على ما بقي من فلسطين وليس لمحاربة اليهود وتحرير ما أخذوه منها، ذلك أنه نتيجة المساومات مع الدول الكبرى وافقت جامعة الدول العربية، كالعادة، في 11 حزيران 1948 كما قلنا سابقاً، على هدنة الوسيط الدولي الكونت برنادوت…

عام 1949 وفي خطاب برج البراجنة في أول حزيران، أي قبل اغتياله بشهر وسبعة أيام، يعلن سعاده ما اعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير وعجلت بتدبير اغتياله في فجر الثامن من تموز، قال: «إن الدولة اليهودية تخرج اليوم ضباطاً عسكريين، وإن الدولة السورية القومية الاجتماعية تخرج هي أيضاً ضباطاً عسكريين، ومتى ابتدأت جيوش الدولة الجديدة الغريبة تتحرك بغية تحقيق مطامعها الأثيمة والاستيلاء على بقية أرض الآباء والأجداد، ابتدأت جيوشنا تتحرك لتطهير أرض الآباء والأجداد وميراث الأبناء والأحفاد من نجاسة تلك الدولة الغريبة، هذا ليس آخر جواب نعطيه، لأن الجواب الأخير سيكون في ساحة الحرب متى قررت القيادة القومية إعلان الحرب». هكذا إذن لقد أعدموا سعاده بالتضامن والتكافل بين اليهود والدول الاستعمارية والحكومات العربية الخادمة لها في أقذر مؤامرة وأفضح محاكمة صورية دامت 24 ساعة من لحظة الاعتقال، إلى توجيه التهمة إلى المحاكمة إلى المذاكرة إلى إصدار الحكم إلى التصديق عليه إلى الإعدام، وإننا لمناسبة الثامن من تموز لا بد أن نسجل أن إعدام سعاده كان إحدى الحلقات المخطط لها والمدبرة لاستكمال اغتيال فلسطين.

نتابع تسجيل المراحل التاريخية والأحداث المفصلية: في 24 شباط 1949 تم التوقيع على الهدنة الثانية في جزيرة رودس اليونانية بإشراف الوسيط الدولي رالف بانش بعد أن اغتالت العصابات اليهودية الكونت برنادوت في17 /9/1948 في القدس. لقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين عام 1949 مليون لاجئ ذهبوا إلى محيط فلسطين الطبيعي وامتدادها العمراني والاجتماعي أي إلى لبنان والشام وشرقيالأردن ولم يذهبوا إلى مصر والعربة وتركيا والهند باكستان . إن امتداد اللغة والدين لم يستقبل اللاجئين الفلسطينيين بل إن امتداد الحياة والاجتماع في سورية الطبيعية هو الذي استقبلهم، وهو الذي سيسير معهم لتحرير أرض الآباء والأجداد وميراث الأبناء والأحفاد، كما قال سعاده، مهما طال الزمن.

تقرر قبول» إسرائيل» عضواً في الأمم المتحدة بحسب المادة الرابعة من ميثاقها، وبعدها باشرت» إسرائيل» بنقل برلمانها وهيئاتها الحكومية من تل أبيب إلى القدس خلافا ًلما وافقت عليه في بروتوكول لوزان الذي قدمته لجنة التوفيق الدولية ورفضت علناً قبول القرار المتعلق بالقدس ثم أعلنت عدم رغبتها بعودة اللاجئين إلى ديارهم، وأعلن بن غوريون أن مشروع التقسيم قد مات ودفن وأن الوضع في فلسطين ستقرره القوة العسكرية. ومنذ ذلك الوقت والقوة العسكرية العدوة تنفذ برنامجها بينما القوة القومية في نوم وسبات تحت طبقة الفوضى والضياع بين مطرقة العقلية الدينية الطائفية والعرقية والعشائرية والمصالح الخصوصية، وسندان الحكومات العربية المتحالفة مع الغرب الداعم لـ»إسرائيل» الذي انتزع القضية الفلسطينية من أيدي أصحابها الحقيقيين ورماها في سوق المساومة الدولية. هذا هو ثمن دم أنطون سعاده.

لن نتكلم كثيراً عن المراحل التالية، أي عن حرب الـ 67 والـ 73 والـ 78 والـ 82 ومذبحة صبرا وشاتيلا وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وعن كل الفصول التي أوصلت فلسطين إلى الوضع السيئ الراهن، بل التي أوصلت الأمة السورية كلها إلى ما يشبه وضع فلسطين، فهذه المراحل كلها تشبه ما حدث قبلها منذ اللحظات الأولى لنشوء القضية الفلسطينية.

نختم بقول سعاده منذ عام 1924 أي قبل تأسيس الحزب بثماني سنوات، يقول:» كل سوري أينما كان وحيثما وجد هو مسؤول عن الذل الضارب أطنابه في بلاده والعبودية الواضعة نيرها على عنقه وأعناق مواطنيه، لذلك يجب على كل سوري أكان في الوطن أو المهجر أن يعمل لإنقاذ وطنه وأمته من الذل والعبودية…»

الفصل الثالث الملاحق والوثائق اتفاق سايكس بيكو

في 16 ايار 1916 بلغ التأمر الاستعماري على أمتنا ذروته وذلك بتوقيع اتفاق سايكس بيكو الذي مزق سورية إلى مناطق نفوذ لبريطانيا وفرنسا، وكان ذلك نتيجة طبيعية لـ»فقدان الوجدان القومي» الذي قال سعاده إنه مسؤول عن الويل الذي حل ويحل بنا طالما لم يعتصم السوريون بقوميتهم ويعملوا لقضيتهم القومية المستقلة. إن أهم ما جاء في هذا الاتفاق هو تقسيم سورية إلى :

.1 المنطقة الزرقاء وتمتد من رأس الناقورة إلى كيليكيا والاسكندرون وتكون من حصة فرنسا.

.2 المنطقة الحمراء وتشمل الأراضي الممتدة من أقصى جنوب الشام إلى العراق شاملة بغداد والبصرة والمناطق الواقعة بين الخليج والأراضي الممنوحة لفرنسا، كما تشمل مينائي عكا وحيفا، وتكون من حصة بريطانيا.

.3 المنطقة السمراء وتشمل فلسطين ويقام نظام دولي فيها.

وعد بلفور

في 8 تشرين الثاني 1917 أصدرت الحكومة البريطانية قراراً سمي وعد بلفور لأن وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور أبلغه بكتاب منه إلى اللورد الصهيوني روتشيلد، وفي ما يلي نصه:

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

«إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهودها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم كلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. المخلص آرثر جيمس بلفور».

تقرير لجنة كينغ كرين

تألفت هذه اللجنة من ممثلين للولايات المتحدة الأميركية وقد وصلت إلى سورية في15 /6/ 1919 وبعد زيارتها لعدة مناطق وضعت تقريرها بتاريخ 28/08/1919. ولقد نشر هذا التقرير لأول مرة في جريدة «تايمز» بتاريخ 02/12/1922 وأهم ما جاء فيه :

«وجود شعور عدائي ضد الصهيونية في فلسطين وكل سورية.

ضرورة المحافظة على وحدة سورية الطبيعية ومن ضمنها فلسطين مع الاحتفاظ بالحكم الذاتي في لبنان داخل إطار الوحدة السورية وعلى أن يعامل العراق كقطر واحد.

العدول عن الخطة التي ترمي إلى جعل فلسطين دولة يهودية وتقييد الهجرة إلى فلسطين.

المؤتمر السوري العام 2 تموز 1919

عقد هذا المؤتمر في دمشق وضم ممثلين عن جميع المناطق السورية من شاميين ولبنانيين وأردنيين وفلسطينيين وعراقيين، واهم ما جاء فيه ما يلي :

.1 الاعتراف باستقلال سورية الطبيعية دولة ذات سيادة وتنصيب فيصل ملكاً عليها والاعتراف باستقلال العراق وعدم إقامة حواجز اقتصادية بين القطرين العراقي والسوري.

.2 نقض اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور وكل مشروع يرمي إلى تقسيم سورية أو إنشاء دولة يهودية في فلسطين.

.3 رفض مطالب الصهيونيين بجعل القسم الجنوبي من البلاد السورية أي فلسطين وطناً قومياً للإسرائيليين ورفض هجرتهم إلى أي قسم من بلادنا لأن ليس لهم فيها أدنى حق ولأنهم خطر شديد جداً على شعبنا.

.4 رفض فصل القسم الجنوبي من سورية والمعروف بفلسطين والمنطقة الغربية الساحلية التي من جملتها لبنان عن الوطن السوري ونطلب أن تكون وحدة البلاد مصونة لا تقبل التجزئة بأي حال كانت.

.5 رفض الوصاية السياسية التي ينطوي عليها الانتداب المقترح وقبول المعونة الأجنبية لمدة محدودة بشرط ألا تتناقض مع الاستقلال والوحدة القومية.

رسالة سعاده إلى لويد جورج 10/05/1931

هذه رسالة طويلة كتبها سعاده قبل تأسيس الحزب بسنة واحدة، نقتطف منها ما يلي:

«… إنكم ارتكبتم خطأ منطقياً وخطأ علمياً وخطأ فلسفياً حين قلتم في خطابكم في مأدبة الجمعية الصهيونية «لم تكن البلاد فلسطين وطناً لقوم ما بل كانت خراباً، وأفضل ما فيها أنها تصلح لأن تكون وطنا»ً، لست في حاجة إلى أن أدلكم على مواضع خطأكم لأني على يقين تام أنكم تعرفون جيداً كما أنا أعرف بأن تلك البلاد فلسطين هي جزء حيوي من وطن كامل تام غير قابل التجزئة لأمة واحدة هي الأمة السورية. ثم تقولون إن الأعمال التي أنجزتها الصهيونية إلى الآن كافية للدلالة على أن الأرض التي كانت تفيض لبناً وعسلاً لم تكن حديث خرافة، وتنسون أن اللبن والعسل كانا يفيضان من تلك الأرض بفضل سواعد الأمة التي هي فيها قبل مجيء اليهود إليها… اسمحوا لي أن أختم جوابي هذا بالموافقة على ختام خطابكم التاريخي الذي جاء فيه: «يحق لنا أن ننتظر من هذه التجربة أموراً عظيمة لا تقتصر على فلسطين بل تتناول العالم أجمع». الحقيقة هي كما قلتم، فإن أموراً عظيمة أموراً عظيمة جداً ستترتب على هذه المحاولة الأثيمة التي لم يعرف التاريخ محاولة أخرى تضاهيها في الإثم، وإني أطمنكم بأن نتائجها لن تقتصر على فلسطين بل ستتناول العالم. ومن يعش يرَ»».

تقرير لجنة بيل في 1936

في هذا التاريخ وعلى إثر ثورة 1936 أرسل وزير المستعمرات البريطاني لجنة تحقيق إلى فلسطين لدراسة الوضع برئاسة المستر بيل وكان تقريرها كما يلي:

أسباب الثورة رغبة الشعب الفلسطيني في نيل الاستقلال.

رفض إقامة دولة يهودية في فلسطين.

إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.

وأخيراً اقترحت اللجنة تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام عربي ويهودي وقسم ثالث يضم الأماكن المقدسة ويبقى تحت الانتداب البريطاني.

ورداً على هذه الاقتراح للجنة بيل وجه الزعيم في 14 تموز 1937 مذكرة باسم الحزب السوري القومي إلى عصبة الامم رافضا ًتقسيم فلسطين، وكانت أولى المذكرات الحقوقية القومية للدفاع عن فلسطين. كتاب مراحل المسألة الفلسطينية .

قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947

التوصية بتقسيم فلسطين إلى دولتين:

الدولة العربية وتشمل المنطقة الوسطى والشرقية من فلسطين وتتألف من غرب الجليل ومنطقة نابلس ومن السهل الساحلي الممتد من أسدود إلى الحدود المصرية وتشمل أيضاً منطقة الخليل وجبل القدس وغور الأردن.

الدولة اليهودية وتشمل الجليل الشرقي ومرج بني عامر وساحل فلسطين من حيفا إلى جنوب يافا ومنطقة النقب.

وتخضع القدس وبيت لحم للإدارة الدولية تحت سلطة مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة.

فقرات من بلاغ الزعيم بصدد قرار تقسيم فلسطين:

«… إن السياسة الخصوصية الاعتباطية قط وصلت بالمسألة الفلسطينية إلى النتيجة عينها التي وصلت إليها بالمسألة الكيليكية والمسألة الاسكندرونية، إلى الكارثة. فقط رأيت الكارثة قبل وقوعها واقعة لا محالة لأن السياسات الخصوصية الاعتباطية الاحتكارية تشبثت بقضايا الأمة تشبث الغول في فريسته. إن كارثة فلسطين مسؤول عنها سياسة الخصوصيات والحزبيات الدينية والعشائرية. سنرى منذ اليوم بقية رواية الشعوذة» الوطنية» والاتكالية «العروبية» وسنرى انتصار الباطل إلى أن يلوح انتصار الحق، إن انتصار الحق بات قريباً !

أيها القوميون الاجتماعيون، إني أعلن :أن القوميين الاجتماعيين هم اليوم في حالة حرب من أجل فلسطين. على جميع نظار التدريب والمدربين أن يحصوا القوميين جرائد جرائد. على جميع

المنفذيات العامة والمديريات التابعة لها فتح سجلات تطوع للذين يريدون الانضمام إلى الجيش القومي الاجتماعي ليحاربوا تحت راية الزوبعة الحمراء. إن القوميين الاجتماعيين يشكلون جيشاً بنفسه فلينضم كل قومي اجتماعي إلى جريدته وفرقته.

إن يوم ثلاثين تشرين الثاني هو يوم حداد للقوميين الاجتماعيين وعبرة للأمة السورية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى