العراق: فوضى سياسية
حميدي العبدالله
إجراءات الإصلاح التي أعلنها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لم تلاق الترحيب، لا من المتظاهرين، ولا من القوى السياسية المشاركة في الحكم التي تعتقد أنها مستهدفة، أو على الأقلّ بعضها مستهدف من هذه الإجراءات.
ومع استمرار التظاهر وارتفاع عدد المشاركين فيها، وانضمام قوى سياسية فاعلة إلى هذه التظاهرات، ولا سيما التيار الصدري، حذر رئيس الحكومة من الاندساس في صفوف المتظاهرين الأمر الذي قد يهدّد استقرار البلاد أكثر مما هو عليه الآن، مما سيؤثر على محاربة الإرهاب.
مما لا شك فيه أنّ الطبقة السياسية العراقية التي حكمت العراق في ظلّ الاحتلال الأميركي واستمرّت في حكمه بعد الاحتلال من دون أي تغيير، هي المسؤولة عما آلت إليه حال العراق، سواء لجهة تمدّد وانتشار تنظيم داعش، أو لجهة انتشار الفساد على نطاق غير مسبوق، أو لجهة عدم إيلاء ما يشكو منه المواطنون أيّ اهتمام.
التظاهرات التي يشهدها العراق اليوم لم تخرج في مناطق عرف عنها تعاطفها مع تنظيم داعش أو غيره من القوى التي ناهضت العملية السياسية التي أطلقها الاحتلال الأميركي، ربما باستثناء التيار الصدري الذي وجّه زعيمه مؤخراً نداءً لأنصاره للمشاركة في التظاهرات التي تخرج كلّ يوم جمعة. التظاهرات التي تحدث في العراق تتركز في مناطق الأحزاب التي تشارك بقوة في الحكومة العراقية، وهي ذاتها الأحزاب التي تشارك في الحشد الشعبي الذي يقاتل تنظيم داعش.
بديهي أنّ التوتر السياسي الذي أحدثته هذه التظاهرات، إضافةً إلى إصلاحات العبادي التي جوبهت بالاعتراض من بعض القوى المشاركة في الحكومة، بديهي أن يؤدّي ذلك إلى انتشار الفوضى السياسية، وإلى إضعاف الجبهة التي تقف في وجه داعش، لأنّ الحكومة والقوات المسلحة التي تقاتل داعش تتأثر بهذه الفوضى، ومن شأن ذلك أن ينعكس إيجاباً لمصلحة داعش وسلباً على الحكومة والجيش وقوات الحشد الشعبي، الأمر الذي قد يتيح لداعش إما التمدّد إلى مناطق جديدة في العراق، أو فشل الحملات العسكرية التي تهدف إلى اقتلاعه.
بهذا المعنى، فإنّ التظاهرات في العراق، وبمعزل عن أسبابها ودوافعها، تصبّ في مصلحة داعش، والطريق الوحيد للحؤول دون ذلك، هو أن تقوم الحكومة العراقية بإصلاحات جديّة وليست شكلية، وأن تعيد القوى والأحزاب المشاركة فيها النظر في سياستها ونهجها الذي أوصل العراق إلى هذه المرحلة الخطيرة.
لكن للأسف هذه المراجعة وإعادة النظر أمرٌ في غاية الصعوبة، إنْ لم يكن مستحيلاً، وللأسف أيضاً فإنّ ما ينتظر العراق هو المزيد من المآسي وليس ضوءاً في نهاية النفق.