الجشع أوصلنا إلى هنا!
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
في الحراكات الأخيرة فوضى مطالب واضحة وحملات تستخدم اللغة المحكية لجذب فئات مختلفة من الناس الذين لا يعلمون أنّ مشغلين وراء الستار لا يريدون للمواطنين السعداء بصراخهم وهتافاتهم أن يعرفوا أنّ ثمة راغباً ينتظر قبض قيمة الرهان، كما أنّ هناك سلوكاً انتهازياً من قبل سياسيين في السلطة وزعماء طوائف وقفوا سريعاً وراء كل منصة متضامنين مع الشعب المقهور بعد أن فرزوا كل تخيّلاتهم لتتطابق مواقفهم مع شعارات الساخطين في الشوارع.
كما أنّ السفارات الرديئة السمعة مدّت يدها عبر أطفالها الصغار الذين اعتنت بهم ودرّبتهم على التظاهر المقنّع لتكون شريكة في النتائج.
لكن هناك حقائق بسيطة لا يستطيع أحد التنكر لها وهي أن الشعب يئس من طبقة سياسية عاجزة وفاشلة ومأزومة لم تقدم طيلة السنوات الماضية نموذجاً صالحاً للحكم بل كانت تتقاسم النفوذ والحصص والمغانم بطريقة انعكست سلباً على أوضاع الناس المعيشية والاقتصادية والأمنية. الناس تعبوا من هذا التعاقب السلطوي العقيم والإقطاع المالي الجشع والنظام الطائفي ولذلك بدا الصوت عالياً والحماسة أقوى في مواجهة نظام طائفي يكرس العوز والحرمان والتفاوت الطبقي ويعطل على المواطنين الوصول إلى حقوقهم الاجتماعية والسياسية.
الذين نزلوا إلى الشارع بنيات وخلفيات طيبة وصادقة، نزلوا لأنهم يشعرون بالامتهان، وأنهم أشبه بأعقاب السجائر، مرميون، مدعوسون، مسحوقون، محتقرون، يُنظر إليهم من أهل السلطة بإزدراء وكأنّهم سقط متاع يُشترى بثمنٍ بخس. المطلوب منا جميعاً كلبنانيين أن لا نمنح سراق المال العام مزيداً من الطعام وفرصاً للحماية من صراخ الناس ووجعهم؟ لماذا نعطيهم الثقة ونعلم أنّ كل شيء ينحط ويفسد بين أيديهم؟ لماذا نهبهم دمنا وشهداءنا وهم يحولون ما نهَب إلى عجرفة وعلو وأنانية؟
الدولة تزداد ضعفاً وفشلاً وبعض أهل السلطة يتنعمون بحياض الفساد، فيما لا نجد اجتراحاً حقيقياً لأي مشكلة من المشاكل. ثم ليس صحيحاً أن يُشمل الجميع في سلة واحدة. هذا أمر فيه تدليس وتزوير، فأن يُقدّم حزب الله مع الفاسدين أمر غير مقبول البتة. الحزب لا يغطي أي فساد سياسي وإداري. ولكن هذا لا يعني أن على حزب الله أن يمشي وراء تظاهرة بدأت على خلفية أزمة النفايات لتنتهي بالمطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية لقطع الطريق على حليفه ميشال عون، فضلاً عن أن يسير خلف مجموعات مشتتة الأهداف ولها أجندات مشبوهة. في السياسة يعرف حزب الله أنّ وراء هذه التظاهرات ما وراءها. يعرف من بدأ اللعبة ومن يغذيها والجهات المشتركة فيها وغاياتها.
خلاصة ما يجب قوله هذه الأيام أن ّالبلد يقبع بالأزمات منذ تأسسيه، وأزماته السياسية مثل أزماته الاجتماعية غير قابلة للحل في ظل نظام طائفي توزع فيه المغانم على الأعضاء، وبالتالي لا إمكانية لأي إصلاح اقتصادي واجتماعي من دون الشروع بإصلاح سياسي يبدأ من نظام جديد وعادل للانتخابات، إلى إعادة توزيع الصلاحيات بين السلطات على أساس التوازن الذي يحمي البلد من الأخطار. وإذا لم يحصل اتفاق بين القوى الرئيسية في البلد على كون الإصلاح بات أمراً ملحاً وفورياً، فإن الأمور قد تتجه إلى الفوضى وساعتئذٍ قد لا نخرج منها إلا بمئة ألف شهيد جديد.