توثيق وتأريخ… وترجمات وشعر وكتابات للأطفال

على رغم صعوبة الحصول على المصادر التي تتناول القضية الأرمينية، وما عاناه الشعب الأرميني من اضطهاد وتهجير وإبادة عبر العصور القديمة والحديثة، فقد استطاعت الكاتبة نقيّة حنا منصور أن تضع بين أيدي القرّاء، هذا الكتاب الذي عمدت فيه إلى توضيح الأسباب السياسية والاجتماعية والدينية التي أدّت إلى تنفيذ مثل هذه المجازر، التي تقشعرّ لها الأبدان بحقّ الشعب الأرميني، الذي كان يعتبر من مكوّنات الشعوب التي توالت على حكم المنطقة من ميديين وآشوريين ورومان وبيزنطيين وعرب وفرس، وأخيراً عثمانيين.

صور واضحة استعرضتها الكاتبة في هذا الكتاب، تبيّن فيها الأسباب العنصرية والدينية والإجتماعية والسياسية التي أدّت إلى قيام السلطات الحاكمة المتوالية باضطهاد الأرمن وتهجيرهم من ديارهم وإبادتهم.

على سبيل المثال، ما حصل عام 451 م حيث أبادت الدولة الفارسية الساسانية، وبمعاونة بعض الأرمن الخونة، ما يقارب 1036 شهيداً بسبب رفض الأرمن أن يتحوّلوا إلى الجنس الإيراني. وأن يدينوا بالمزدكية بدل المسيحية. وقد حرص الأرمن حتى الآن على تدوين أسماء بعض هؤلاء الشهداء في كتبهم وعلى جدران كنائسهم.

أما القسم الثاني من هذا الكتاب فقد تناولت فيه الكاتبة وبوصف دقيق تلك المجازر التي قام بها العثمانيون بعد هزيمتهم أمام الروس في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وبعدما رفض منح الدول البلقانية ومنها أرمينيا الاستقلال ضمن الإصلاحات التي فرضت عليه في مؤتمر «سان استيفانوس» بقوله المشهور: «إنني أفضّل الموت على أن أفعل هذه الإصلاحات التي ستقود شرق الأناضول إلى الانفصال».

وثانياً، عرضت الكاتبة تلك المجازر البشعة التي تقشعرّ لها الأبدان بعد الهزيمة التركية في الحرب العالمية الأولى عام 1915 على يد أفراد حكومة عنصرية هي حكومة «تركيا الفتاة» التي تكره كل من هو غير تركي من عرب وأرمن وغيرهم من الشعوب غير التركية، التي كانت خاضعة لهذه الامبراطورية العثمانية.

لم تكتفِ الكاتبة في وصف هذه المجازر في هذا الكتاب، إنما تناولت أيضاً مواقف الدول العظمى من الشعب الأرمني ومعاناته كألمانيا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي ندّدت بهذه المجازر واعتبرتها جريمة كبرى. أما العرب فقد فتحوا أبواب دولهم لاستقبال الناجين من الأرمن، ومنها العراق وسورية ولبنان.

يعدّ هذا الكتاب الصادر حديثاً عن «دار النهضة العربية» ـ بيروت، ومصدراً مهمّاً لمن يرغب في الاطلاع على معاناة الأرمن.

اللغة العربية الفصحى… مشكلاتها ومشاريع تيسيرها

قبل أن تكون اللغة حافظة تراث الأمة وخازنة أدبها، هي أداة تواصل وتعبير. فإذا كنا نتواصل بالعامية ولا نجد وظيفة نرتزق منها إلا إذا اتقنا الإنكليزية، فالسؤال هو: العربية الفصحى لمن؟

لمن هي الفصحى وهي الأداة التي لا نحتاج إليها إلا في المواقف الرسمية وما أقلّها! وكيف نحافظ عليها وهي على ما هي عليه من صعوبة في القواعد؟ لذلك دعا كثيرون إلى التخلي عنها لمصلحة العامية. لكن هذه الدعوة ساقطة لأن قبولها يعني ضياع كل الإرث الأدبي. آخرون نادوا بالفصحى من دون العامية كحلّ للازدواجية اللغوية. وهذا الحل سقط أيضاًً لاستحالة تنفيذه كون العامية هي لغة الناس. كذلك سقطت الدعوة إلى لغة أجنبية لأن في تبنّيها خسارة الهوية العربية. أيضاً لم ينجح حل اللغة المسماة «بيضاء» المتميّزة بقلّة إعرابها لأن المسألة لا يمكن أن تكون استنسابية فإما إعراب أو لا إعراب.

تبدو مسألة الازدواجية اللغوية غير قابلة للحل. لكن يمكن تذليل هذه المشكلة بتقريب الفصحى من أختها العامية. وهذا يكون بتجنّب المفردات الميتة، واستخدام المفردات الفصيحة العامية في آن واحد. كذلك لا بدّ من صوغ العبارة بشكل واضح لا يحمل على التباس المعنى لأن البلاغة ليست في الغموض، لكن في إبلاغ المعنى المراد من دون إجهاد العقل.

على أن كلّ هذا لا يكفي. يجب التخلّص من القواعد التي من شأنها أن تزيد من صعوبات اللغة، وتنفّر الطلّاب من تعلّمها. ومن هذه القواعد الممنوع من الصرف، الاشتغال، والتنازع، وغيرها. وبحسب تقدير الكاتب إميل منذر، لا بدّ أيضاً من تعديلٍ في بعض الإعراب ليصبح منسجماً والمنطق.

الحرف العربي يشكو بدوره، كما رأى باحثون كثيرون، عيوباً كثيرة، ليس أقلّها تعدّد أوجه كتابته وفقاً لموقعه في الكلمة، إحاطته بالنقط والحركات التي تصعّب القراءة، التشابه الذي يؤدّي إلى ما يُعرف بالتصحيف، وانعدام التناسق. وهذه العيوب لا وجود لها في أيّ أبجدية أخرى.

كتاب «اللغة العربية الفصحى… مشكلاتها ومشاريع تيسيرها» صدر حديثاً عن «دار النهضة العربية» ـ بيروت.

القصة البوليسية تاريخها، قواعدها وتقنياتها

صدر في سلسلة «كتاب الجيب» من منشورات «الزمن» في الرباط ـ المغرب، كتابٌ بعنوان «القصة البوليسية: تاريخها، قواعدها، وتقنياتها» للشاعر الروائي الناقد كاتب القصة البوليسية البريطاني جوليان سيمونز، وترجمة وتقديم الدكتور علي القاسمي.

يقول المترجم في مقدّمته إن القصة البوليسية نوع من الأنواع الأدبية موضوعه الرئيس التحقيق الذي يجريه المخبر البوليسي للكشف عن مرتكب الجريمة ودوافعه ووسائله. وإذا كان الكاتب ملتزماً بقواعد الإنصاف في القصة البوليسية، فإن القارئ يستطيع معرفة الجاني في الوقت المناسب.

يرى المؤلِّف أن القصة البوليسية الحديثة نشأت على يد الأديب الأميركي العبقري، إدغار آلن بو 1809 ـ 1849 في مجموعته القصصية «حكايات الغموض والخيال والرعب» وانتقلت إلى بريطانيا وفرنسا، وازدهرت خلال القرن العشرين على يد ثلة من الكتّاب البريطانيين، خصوصاً الدكتور آرثر كونن دويل، مبدع شخصية المخبر البوليسي «شارلوك هولمز»، والكاتبة الشهيرة آغاثا كريستي. والكاتبة دوروثي سايرز. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، وجد كتّاب القصة البوليسية صعوبة في تغيير نماذج قصصهم وإضفاء الجدّية عليها، إذا ما تقيدوا بالنموذج الخالص للقصة البوليسية الذي يعتمد التحليل المنطقي لحل لغز جريمة غامضة. فمشكلة اغتيال رجل في غرفة موصدة الأبواب، وقضية قتل أحد أفراد العائلة بالسم طمعاً في الإرث، لا تتّسمان بالابتكار والتجديد اللازمين لجذب القارئ المتمرس، ولهذا أخذ هؤلاء الكتّاب يمزجون العنصر البوليسي بعنصر آخر، كالمغامرات، والجاسوسية، والجريمة، والعنف، والرعب.

«حياتي زورقٌ مثقوب»

عن «منشورات المتوسط» ميلانو ـ إيطاليا ، صدرت للشاعر السوري عماد الدين موسى مجموعته الشعريّة الثالثة، بعنوان «حياتي زورق مثقوب». المجموعة تتألف من 72 صفحة تتوزع على 29 قصيدة نثرية ثلاث منها بلا عنوان، ويغلب عليها التغني بالطبيعة والذات، والترنم بعذاب الإنسان الضائع الذي يبحث عن مرفأ له في العالم. يقول في قصيدة عنوانها «المرفأ»:

أيتها الموجة

أيتها الموجة التي ربما

دفعتها الريح لارتكاب حماقة كهذه

ها أنا ذا أغرق وكذلك أنت

وما من مرفأ.

يعتني عماد بتركيب النصّ والمقطع الشعري، فاللغة المركّبة بشكل مختلف ومختزل، عنصر مهم في بناء القصيدة لديه، لذلك يمكن تسميتها بالقصيدة الماهرة أو الذكية لأنها منحوتة بعناية في زحمة مشهد الشعر اليوم، إنها عناية اشتهر بها عماد في كتبه السابقة وهي سمة ميزت نصوصه كلها تقريباً.

كما يحاول الشاعر الوصول إلى مرافئ مستقرة لنصوص مازالت تعشق الإبحار، ففي وقت تغرق نصوص اليوم بالسرد والهوامش والابتعاد عن الأعماق، يصرّ عماد على وضع علامات ضوئية على جزره التي يبحر صوبها في كل سفر أو استكشاف، تلك العلامات تؤكد شغله الدائم على موضوع الاختلاف في النص. ميزة تظهر بثقة في كل نصوص المجموعة.

«بأناملهم كتبوا»

«بأناملهم كتبوا»، عنوان كتاب مجلة أسامة الشهري والذي حمل رقم 80 وهو من إعداد وتوثيق قحطان الطلاع وإصدار الهيئة العامة السورية للكتاب. ضمّ الكتاب باقة من القصائد التي أفردت مجلة «أسامة» لها صدر صفحاتها منذ ظهورها عام 1969، إذ اختار الطلاع تسعة عشر شاعراً من الأسماء المعروفة التي كتبت قصائد رائعة للأطفال مقدّماً لمحة عن حياة كل شاعر مع عدد من قصائده.

ويقول الطلاع في مقدّمة الكتاب إن الهدف من جمع هذه القصائد تقديم أضمومة شعرية للأطفال ليستنشقوا عبيرها ويستافوا شذا عطرها ويعيشوا في أجواء عوالمها الجمالية الأخاذة ويتذكروا مبدعيها الذين غيّب الموت بعضاً منهم. مشيراً إلى أنه سيعمل على إصدار كتاب آخر يضمّ إنتاج مجموعة أخرى من الشعراء الذين كتبوا للطفولة في مجلة «أسامة» ولم يُذكَروا في هذا الكتاب.

ومن قصائد الشاعر سليمان العيسى الذي ولد في بلدة النعيرية ـ لواء اسكندرون عام 1921، نشر كتاب «أسامة» الشهري قصيدتين. الأولى بعنوان «عبير الله» جاء فيها:

يا صغاري

نحفر الصخر لكم

نشعل الليل شموعاً ورجاء

ونغنّي… أنتم أحلى

الغناء يا صغاري

يا عصافير «أسامة» من قديم

نحن كنا معكم لحناً وريشة

والقصيدة الثانية بعنوان «للجميع» ومنها:

النور للجميع

والحبّ للجميع

وأرضنا السمراء

والخير والعطاء.

أما الشاعر جرجس ناصيف الذي ولد في حمص عام 1932 ومن مؤلفاته قصة «الجنة الضائعة» وشعر «ملحمة جلجامش» ومجموعة قصصية بعنوان «الثعبان المتسلط»، وفي الشعر «أغاني البراعم»، فاختار الطلاع في كتاب «أسامة» قصيدته «حوار الفصول»، وهي حوارية شعرية بين الفصول الأربعة يُظهِر فيها الشاعر ناصيف صفات كلّ فصل.

ومن قصائد الشاعر محمد منذر لطفي الذي ولد في حماة عام 1935 نشر كتاب «أسامة» قصيدة «عيد الشجرة» وجاء فيها:

عيد الشجرة أغلى عيد

نزرع فيه كلّ جديد

نجعل دنيانا بستاناً

ما أحلانا نحمل غصناً

نزرعه في كلّ مكان.

يُذكر أن كتاب «بأناملهم كتبوا» يقع في مئة صفحة تقريباً من القطع الصغير.

كتابان جديدان ضمن سلسلة «عظماؤنا»

ضمن سلسلة «عظماؤنا» التي تصدرها دورياً مديرية إحياء التراث العربي ونشره في الهيئة العامة السورية للكتاب، صدر مؤخراً كتابان هما: «ابن عساكر محدّث الشام ومؤرّخها الأكبر» للدكتور وسام قباني، و«أسامة بن منقذ الفارس والشاعر والمؤرّخ» بقلم محمود محمد يوسف.

يعرض الكتاب الأول مسيرة حياة العالم ابن عساكر الذي ولد عام 499 هجرية وتوفي عام 571 واسمه علي ابن الحسن ابن هبة الله ابن عبد الله ابن الحسين الدمشقي، وهو من أسرة شريفة عريقة في المكارم والفضائل، أدرك ثلاث دول حكمت دمشق السلجوقية والنورية والصلاحية الايوبية.

وعبر العلاقة التي جمعت بين الملك نور الدين زنكي والحافظ ابن عساكر استطاع الأخير بناء مؤسسة تعليمية في دمشق حملت اسم «دار الحديث»، وكلّف بالإشراف عليها ولا تزال هذه الدار قائمة حتى وقتنا الحالي، إذ يقول الكتاب إن نور الدين كان من التلامذة المواظبين على حضور دروس ابن عساكر الذي كان كثير التنقل والترحال في جمع الحديث النبوي وتدوينه. أما منهجه في كتابة تاريخ دمشق فيتمثل بالشمولية، وكانت كتاباته انعكاساً لحضاراتها. كما قدّم تراجم لعدد هائل من علمائها.

وأوضح قباني أن ابن عساكر كان شاعراً تناول في قصائده الحكمة والنصيحة. وكثيراً ما كان يختم مجالس إملائه بأبيات وعظية تلخص الموضوع الذي أفاد به طلابه.

ويعرض كتاب «أسامة بن منقذ» لمسيرة حياة هذا الأديب الذي يعدّ مؤلفاً للشعر والنثر في النصف الثاني من العصر العباسي. وكان مؤثراً بالحياة السياسية والعسكرية في عصره على رغم نشأته في واقع صعب ومرير تمثل بالحملات الصليبية التي طاولت أجزاء واسعة من بلاد الشام. ولكنه تمكن على رغم ذلك من بناء ثقافته ومعارفه وتكوين علاقات متنوعة حتى مع الاوروبيين الذين تصدى لهم مراراً.

وعن نشأة أسامة بن منقذ وطفولته ونسبه، أشار المؤلف إلى أنه اسامة بن علي بن مقلد بن منقذ وينتهي نسبه إلى كنانة، وينحدر من أسرة اهتمت على الدوام بتربية ورثتها الذكور وتنشئتهم بشكل رجولي. فكان أسامة منذ طفولته حيوياً فعالاً محبّاً للمعرفة والاطلاع، كثير التنقل والترحال، طموحاً متوثباً. حفظ عن ظهر قلب ما يقارب عشرين ألف بيت من الشعر لشعراء مختلفين.

وعن آثاره الأدبية جاء في مؤلف يوسف أن من أبرز نتاجاته إضافة إلى كتاب «البديع» وكتاب «المنازل والديار»، ديوان أسامة الشعري وفيه جمع شعره بنفسه ورتّبه بحسب موضوعاته الشعرية والتي خصّص جزءاً منها للمراثي.

وعن الهدف الذي تسعى هيئة الكتاب إلى تحقيقه عبر إصدار سلسلة «عظماؤنا»، يقول مديرها العام الدكتور جهاد بكفلوني إن تذكير أجيالنا بهؤلاء العباقرة يعني أن نطلعهم على ثقافة حقيقية تنمّي في ذاكرتهم القيم وتقوّي الشخصية وتكون حافظاً لنا لبناء مجد يضاهي ما شاده الأجداد.

متاهة الحاكمية

صدر عن «مركز دراسات الوحدة العربية» مؤخّراً، كتاب «متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية» للدكتور هاني نسيرة.

لقد ازداد في سياق هذه المرحلة، دور حركاتٍ وهيئاتٍ استندت انتقائياً إلى بعض التراث الفقهي، لا سيما مؤلفات ابن تيميّة، فقدّمت تصوّراتٍ وتحليلاتٍ للقضايا المعاصرة انطلاقاً من هذا التراث، وأقدمت على ممارساتٍ عدّة أثارت ردود فعل متباينة، وسببت انقساماتٍ واسعة، وجرت كلها تحت شعارات فقهية رآها كثير من الباحثين أحادية الجانب، وربما وقعت في خطأ التفسير أحياناً، وفي فخّ المبالغة أحياناً أخرى.

الكتاب الذي يقع في 431 صفحة من القطع الكبير، يثير هذه النقاط وغيرها بروح الاستقصاء النقدي، ويحاول فيه المؤلّف تسليط الضوء على أفكار ابن تيميّة، وعلى عصره وطبيعة الآراء التي طرحها ومدى احتمالية علاقتها بالأوضاع الراهنة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى