بلاد الرافدين تطوي صفحة حلف بغداد إلى الأبد…
سعدالله الخليل
فور إعلان بغداد موافقتها على إنشاء مركز المعلومات المشترك مع سورية وروسيا وإيران في بغداد علّق المستشارون الأميركيون عملهم وتغيّبوا عن غرف العمليات العراقية المشتركة لمحاربة تنظيم داعش بانتظار أوامر جديدة من الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تخفِ امتعاضها من تحالف العراق مع روسيا خشية من توسيع عمليات موسكو بمواجهة الإرهاب لتشمل الأراضي العراقية.
توجُّس واشنطن المشروع يضعها بين مقصلتين، الأولى لإدراكها بأنّ التنسيق لا يمكن أن يقف عند حدود تبادل المعلومات والعمل الاستخباري الذي بات بلا فائدة، بل يبقى منقوصاً ما لم تتبعه عمليات عسكرية في العمق العراقي، لكونه يمنح التنظيم فرصة الهروب نحو منفذ آمن من الغارات الروسية باتجاه العراق، ولعلّ تصريحات رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية حاكم الزاملي التي أشار فيها إلى أنّ بغداد قد تضطر إلى الطلب من روسيا توجيه ضربات جوية في العراق زادت في هواجس واشنطن، وسرعان ما اعتبرت الخارجية الأميركية أنّ تلك الدعوات لا تمثل الحكومة العراقية التي أعلنت دعمها التحالف الرباعي بوجه «داعش» من دون أيّ إضافات.
أما المقصلة الثانية فتكمن نتيجة لتخوّف واشنطن من التعاون العراقي الروسي وإدراكها نتائج سياساتها الكارثية على الأرض العراقية منذ احتلالها بغداد العام 2003 والتي حوّلت العراق إلى مجرد محطة نفط كبيرة خاضعة للاستثمار الأميركي، في وقت أشعلت في العراق حروباً طاحنة أوصلته إلى حافة الانهيار، قبل سحب قواتها مطلع العام الماضي، فيما رسخت واشنطن قواعد عمل عهد الاحتلال بعد الانسحاب بالتعاطي مع الحكومة العراقية في الملفات المصيرية والأمنية منها، خاصة بما يتعلق بإعداد الجيش العراقي الذي تولّت وزارة الدفاع الأميركية ووكالة استخباراتها المركزية خفض ترتيبه من خامس أقوى جيش في العالم إلى المركز الثامن والستين عالمياً العام 2014، وذلك قبل ظهور تنظيم «داعش» الذي تمكّن بمساعدة تركية سعودية واضحة من السيطرة على محافظة الموصل خلال ساعات، وكشف حقيقة الجيش الذي درّبه وأعدّه «البنتاغون» بهروب عناصره وتسليم التنظيم عتادهم المتهالك، الذي رفضت واشنطن إتمام تنفيذ صفقات تسليحه، في وقت تمكنت هيئة التصنيع العسكري التابعة له قبل الغزو الأميركي من تطوير الأسلحة البرية والجوية، ولا يمكن نسيان عرقلة واشنطن جهود الحكومة العراقية إبرام صفقات التسليح مع روسيا، ولولا قوات الحشد الشعبي والدعم الإيراني وجهود العشائر لسيطر التنظيم على معظم الأراضي العراقية.
لدى العراقيين مئات الأسباب التي تدفعهم ليديروا ظهورهم للسيد الأميركي الذي لم يجلب لهم سوى الحروب والموت منذ عهد صدام حسين إلى زمان «داعش»، وتحويلهم من حالة الرغد الاقتصادي والاجتماعي إلى مستفيدين من برامج الأمم المتحدة للأغذية، يقفون في طوابير الذلّ للحصول على حفنة طحين، فتبدو الفرصة سانحة للتخلص من لعنة الولايات المتحدة والانضمام إلى حلف يضمن لبلادهم الأمن بمواجهة حقيقية ضد التنظيمات الإرهابية، ويوفر لهم فرصة ذهبية بضمان علاقات اقتصادية قائمة على التكامل والاحترام بدلاً من الجشع الأميركي.
في لحظة تبدو موازين القوى الإقليمية واضحة المعالم وملامح الخيارات السياسية مرسومة بين موسكو وطهران، لن تفوّت بغداد فرصة الانضمام إلى حلف الرابحين، ولن تغامر بالتورّط والاصطفاف مع محور يغرق في المستنقع الإقليمي، فأي فائدة تجنيها بغداد بالتحالف مع أنقرة والرياض غير القادرتين على حماية دولهما، في وقت يدرك القاصي والداني أنّ الأميركي لن يمدّ لأتباعه الغارقين طوق النجاة، بل سيستثمر سقوطهم على طاولة المفاوضات.
بغداد لن تكرّر أخطاء الحرب الباردة، وستطوي صفحة حلفها المشؤوم إلى الأبد، وتعلن استدارة بلاد الرافدين صوب المشرق، فما بين النهرين لن يكون يوماً سوى مشرقي الهوى وعربي الهوية.
«توب نيوز»